( كن أنت ) فيلم سينمائي قصير رحلةٌ في ثنايا الخيال

عادت الجامعة الوطنية الخاصة لتعيشَ ريعان الشباب بظهور مواهب شابّة خلّاقة تصنعُ لنا فسحةً جديدة من الأمل .. وتُبرهن على أن العطاء لا يحدّه زمان أو مكان أو حروب.

شهدت الجامعة الوطنية الخاصة إطلاق فيلم ( كن أنت ) من تأليف وسيناريو الطالب سعد محمد عمار من كلية الصيدلة ومن إنتاج JEMAR PRODUCTION والذي عرض أمام الجموع كتحفةٍ فنيّة سينمائية مكتملة العناصر تجمع ما بين النقيضين ( الأبيض والأسود ) , فيظهر بطل الفيلم “سعد” بشخصيةٍ قويةٍ تارةً تصارع ضغوط الحياة وتحرر نفسها من قيد اليأس والقلق وتارةً أخرى يلبَسُها الضعف لينتقل بنا بخفّةٍ إلى سيكولوجية الإنسان وما يراوده من تخبطاتٍ وأفكارٍ ورؤى ترمي به في براثن الحزن والضياع .

ما يبتغيهِ سعد في كلّ مشهدٍ هو ” الحديث في الحقائق المطلقة على خدّ الوقت ” بلغةٍ تُخاطب العقلَ والوجدان وتترك عبر نقلاتها الناعمة بين مشهدٍ وآخر أثراً في النفس لا يزول.

يطلُ علينا الكاتب في فيلمه السينمائي القصير بمونولوج داخليّ يعبر القلوب ليستوطن فيها , يهمس في مسامع الحاضرين عن ما يكابدهُ ويشعرُ به , مستخدماً تعبيرات وإيماءات جسدية أصابت لُبّ الشعور حيث انتقلَ بلغة جسده وأدائه التمثيلي ما بين النقائض “اليأس والفرح , الألم والأمل , الفشل والمحاولة , الهزيمة والانتصار ” والذي أبقى المشاهد في حضرةِ الشعور بنغماتٍ كلاسيكية تمزج بين رنّة العود وحزن أوتار الكمان وصوتٍ غنائي ذو طابع خاص في أداءٍ مميز لطلاب الوطنية ( زكريا الأغا , الياس ديوب , سمير العشّي )

توّجه سعد في حواره الخطابي للجمهور ليرشدهم للبقاء على ما هم عليه دون تصنّعٍ أو تكلفٍ أو غرور، واضعاً بين أيديهم مفاتيح النور , عاكساً جوهر الفيلم باعتباره نتاجاً طبيعياً لفكرٍ شبابيّ يضجّ بالرغبة ويتبع أحلامه على عجلٍ , ويحوّل بدورهِ نظر المشاهد إلى الظواهر النفسية الاجتماعية التي يعانيها جيلٌ بأكمله عانى ما عاناه من ويلات الحروب والظروف المعيشية التي أضحت بواقعهِ خراباً مهشماً .

لقطاتٌ تصويرية يُحسب لها أنها حرّكت الساكن وجاءت لتكشف عن جمال الجامعة الوطنية الخاصة بمعالمها وطبيعتها , وتجسّد لدى المتلقي المعنى الحقيقي للصداقة رغم تزعزع صورتها المثالية في هذا الزمن , فتعود بشكلها البهيّ لتحتل القلوب قبل العقول , حيث ترك الكاتبُ سعد عمار أمام المشاهد فرصةً ومساحةً آمنة للتفكير في معنى ومغزى الرسالة التي يريد إيصالها دون تقديم أجوبة مقولبة في إطارٍ مسبق الصنع , بل أمسك بأيديهم نحو تتبع أفكارهم في باحاتِ الخيال ليصلَ كلٌ منهم إلى قناعته الخاصة .

يُبدع سعد في الخروج عن المألوف بصياغة وتأليف فيلم سينمائي درامي يخرج عن القالب الدرامي المعهود , فتراهُ يمزج قطعةً بسيطةً من كلّ شيء في لوحة مركبة لا تخضع لقواعد الدراما أو الأعمال السينمائية التقليدية , يطوّر من أدواته للولوج إلى نفس المشاهد والتعبير عمّا يعيشه بلغةٍ فنيّة جسدت التناقض والصراعات الداخلية و الرضا بما يلاقيه من قضاءٍ وقدر .

فيلمٌ سينمائي هو الثاني من نوعه للطالب سعد محمد عمار بعد إبداعه في فيلم ( روح ) العام المنصرم , ليأتي اليوم بسيناريو ديناميكي بسيط سمحَ للمشاهدين بقراءة أبعاد الفيلم النفسية والاجتماعية في سياقٍ زمني مفتوح وخلقِ حواراتٍ جديدة مع ذواتهم للغوص في معاني الحياة وخباياها , راسماً في خطابه التحفيزي كلمةً على رداء الوعي هي : ( كن أنت )