ملخص
يتم حالياً تطوير الجيل الخامس والسادس لشبكات الاتصالات من أجل تلبية المتطلبات المتزايدة للخدمات الجديدة بجودة عالية وتكلفة أقل، توفير دعم أفضل للحركية ضمن الشبكة، معالجة سريعة لكمية البيانات الضخمة المتولدة ضمن الشبكة، الخ. تُعتبر الأمثلة ذاتية التأقلم لتغطية وسعة الخلايا (Coverage and Capacity Optimization (CCO)) واحدة من أهم التحديات العلمية ضمن هذه الشبكات، والتي من المنتظر أن تكون ذاتية التأقلم (Self-Organizing Networks (SON)). تزداد أهمية هذا التحدي عند أخذ شبكات النفاذ الراديوية المفتوحة (Open Radio Access Networks (O-RAN)) بعين الاعتبار، وهي شبكات يجري العمل عليها حالياً، ومن المتوقع أن تشكّل الجزء الراديوي الأكثر انتشاراً في شبكات الجيل السادس.
لتحقيق أمثلة ذاتية التأقلم لتغطية وسعة الخلايا لابد من تطوير طرق ديناميكية وموزّعة (Distributed) قادرة على التأقلم مع التغيرات السريعة في بنية وبارامترات الشبكة. من أجل القدرة على معالجة الكمية الكبيرة من البيانات المتواجدة في الشبكات الحديثة، لابد أن تعتمد هذه الطرق على تقنيات الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence).
تهدف هذه المقالة إلى إلقاء نظرة شاملة على هذا التحدي وعلى الآليات والطرق المتبعة لمواجهته، كما وتُوضّح أيضاً أهم ميزات هذه الآليات وعيوبها بالإضافة لأهم النقاط البحثية الواجب إيجاد حلول مناسبة لها ضمن هذا المجال.
الكلمات المفتاحية
الأمثلة ذاتية التأقلم لتغطية وسعة الخلايا (Coverage and Capacity Optimization (CCO))، الشبكات ذاتية التأقلم (Self-Organizing Networks (SON))، شبكات النفاذ الراديوية المفتوحة (Open Radio Access Networks (O-RAN))، تقنيات تعلّم الآلة (Machine Learning (ML))، تقنيات التعلّم العميق (Deep Learning (DL)).
مقدمــــــــــة
يتزايد تبادل البيانات بشكل كبير مع الظهور اليومي للتطبيقات الجديدة والخدمات العريضة الحزمة (Broadband Services)، تطبيقات الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)، الخ. تُعتبر تلبية المتطلبات المتزايدة للخدمات الجديدة، توفير دعم أفضل للحركية ضمن الشبكة، توفير خدمات بجودة خدمة عالية، الحصول على تكلفة أقل للخدمات المعروضة، معالجة سريعة لكمية البيانات الضخمة المتولدة ضمن الشبكة، الخ، من أهم الأسباب التي تقف خلف تطوير الجيل الخامس والسادس لشبكات الاتصالات.
يُعتبر تشغيل الشبكة بتغطية وسعة عظمى من أهم القضايا التي يحرص مشغلي الشبكات على محاولة تحقيقها والحفاظ عليها، حيث أنها تؤدي إلى زيادة جودة الخدمة المُقدّمة وتقليل كلفة تشغيل الشبكة بشكل كبير، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى زيادة الريع بالنسبة لمزود الخدمة في الشبكة. لتحقيق ذلك لابد من تواجد طرق مؤتمتة ذاتية التأقلم (Self-Organized) قادرة على التلاؤم مع التغيرات السريعة في بنية وبارامترات الشبكة. أدّى هذا الأمر إلى اعتبار الأمثلة ذاتية التأقلم لتغطية وسعة الخلايا (Coverage and Capacity Optimization (CCO)) واحدة من أهم حالات الاستخدام (Use Cases) بالنسبة لشبكات الجيل الخامس والسادس، والتي يجب أن تكون شبكات ذاتية التأقلم (Self-Organizing Networks (SON)). تزداد أهمية الأمثلة ذاتية التأقلم لتغطية وسعة الخلايا عند اعتبار شبكات النفاذ الراديوية المفتوحة (Open Radio Access Networks (O-RAN)) الجاري العمل عليها حالياً، والتي من المتوقع أن تسيطر على جزء كبير من سوق الاتصالات اللاسلكية في المستقبل القريب، وأن تكوّن الجزء الراديوي الأكثر انتشاراً في شبكات الجيل السادس [1].
المقصود بالأمثلة ذاتية التأقلم لتغطية وسعة الخلايا هو القدرة على تعديل ومعايرة البارامترات الراديوية في كل خلية بشكل أوتوماتيكي عبر استخدام تقنيات ذكية بهدف زيادة سعة وتغطية الخلايا للحد الأعظمي. تعتمد التقنيات الذكية المذكورة على معالجة كمية ضخمة من بيانات الشبكة يتم قياسها ضمن الخلايا، والتي يتم في الوقت الراهن معالجتها باستخدام تقنيات الذكاء الصنعي، وبالأخص تقنيات تعلّم الآلة (Machine Learning (ML)) وتقنيات التعلّم العميق (Deep Learning (DL)).
نتيجةً للتغير السريع في بنية وبارامترات الشبكات الحديثة، وبشكل خاص الجزء الراديوي منها، يُشكّل تطوير طرق أمثلة ذاتية التأقلم لتغطية وسعة الخلايا تحدياً علمياً هاماً، يؤدي إلى تحسين الخبرة المكتسبة للزبائن ولمشغلي الشبكات. لذلك تركّز هذه المقالة على معالجة التحدي المذكور وتعرض في الفقرة (2) الحلول المطروحة لها. بعد ذلك تستعرض المقالة في الفقرة (3) أهم النقاط البحثية التي لا يزال ينبغي العمل عليها لإيجاد حلول مناسبة لهذا التحدي، ومن ثمّ تختم المقالة بأهم الاستنتاجات.
تقنيات الأمثلة ذاتية التأقلم لتغطية وسعة الخلايا (CCO)
تقسم هذه التقنيات إلى صنفين أساسيين، تقنيات مركزية (Centralized) وموزّعة (Distributed). بينما تهتم التقنيات المركزية بأمثلة بارامترات الهوائيات على مستوى الشبكة الراديوية ككل، تعمل التقنيات الموزّعة في كل خلية بشكل مستقل، الأمر الذي يُفترض أن يؤدي بدوره لأمثلة على مستوى الشبكة.
لنناقش بدايةً التقنيات المركزية ونتعرّف على أهم الطرق. اقترح الباحثون في [2] طريقة يتم فيها بدايةً التعرّف على الخلايا التي يتواجد فيها تغطية غير أمثلية باستخدام طرق أمثلة تجريبية (Heuristic) ووضعها جميعاً ضمن مجموعة (Cluster) واحدة. يتم بعدها تعديل بارامترات الهوائيات لكامل المجموعة المحددة باستخدام تقنية أمثلة عظمى تسلسلية غير مقيدة (Sequentially Unconstraint Maximization Technique). في [3] تمّ اقتراح طريقة تعمل بشكل مشابه، مع فارق أنها تتعرّف ليس فقط على الخلايا التي تحتوي على تغطية غير أمثلية وتضعها ضمن مجموعة واحدة، وإنما على مجموعة من الخلايا المجاورة لها، ومن ثمّ تقوم بأمثلة بارامترات الهوائيات باستخدام طريقة تطورية تفاضلية (Differential Evolution Approach).
من أهم عيوب هذه الطرق هي قابليتها الضعيفة للتوسّع، أي أن أدائها يسوء عند زيادة حجم الشبكة، كما أنها تعاني من نقطة الفشل الوحيدة (Single Point of Failure)، أي أنّ حدوث فشل في العقدة التي يتم فيها تنفيذ خوارزمية الأمثلة سيؤدي لتوقف هذه الخدمة. من المفترض نظرياً أن تستطيع هذه الخوارزميات الوصول لنقطة أمثلة عظمى (Global Optima) بالنسبة للتغطية والسعة على مستوى الشبكة ككل، لكن عملياً لا يمكن الوصول لهذه النقطة، وإنما لنقطة أمثلة محلية (Local Optima). يعود السبب إلى الطبيعة اللاخطية لبارامترات الشبكة والتغيرات السريعة فيهم، والتي قد تكون في بعض الأحيان أسرع من أن تستطيع الخوارزميات المركزية ملاحقتها.
لنعالج الآن أهم التقنيات الموزّعة. اقترح الباحثون في [4] طريقة موزّعة ذاتية التأقلم تعتمد على استخدام الأنظمة الناصحة (Recommender Systems) من أجل أمثلة تغطية الخلية عبر البحث عن بارامترات الهوائيات الأكثر ملائمةً للوضع الحالي في الخلية، والتي تؤدي لتحسين جودة الإشارة المستقبلة من قبل الأجهزة الخلوية في الخلية الحالية دون الإساءة إلى الخلايا المجاورة. يعود السبب في اختيار النظم الناصحة، وهي أحد تطبيقات الذكاء الصنعي، إلى قدرتها على معالجة فضاء حالة عالي الأبعاد (عدد كبير من بارامترات الدخل). درس الباحثون في [5] تحسين تغطية وسعة الخلايا ضمن البيئات الصعبة جغرافياً عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للتحكم بمجموعة من الهوائيات الموجّهة. التغيير الأساسي الذي قام الباحثون به هو زيادة عدد الهوائيات في كل خلية من 3 (العدد المستخدم على نطاق واسع) إلى 5. كل هوائي يتم التحكم به بشكل منفصل ومستقل عن باقي الهوائيات عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي ويتم تفعيله، إلغاء تفعيله، أو تغيير بارامتراته. أثبت الباحثون في هذا العمل زيادة ملحوظة في جودة الإشارة المُقدّمة للمستخدم. في [6] قام الباحثون أيضاً باختبار استخدام خوارزمية عميقة ورقمية لقياس الانحدار (Deep Deterministic Policy Gradient Algorithm)، ودراسة تأثير التعلم ومدى دقة أداء خوارزميات تعلم الآلة ضمن مجال أمثلة التغطية والسعة. بينت كل الأبحاث في الواقع أثراً إيجابياً كبيراً لتقنيات الذكاء الاصطناعي في عملية تحسين التغطية والسعة.
يمكننا أن نقول ختاماً أن هذه الطرق تتميّز بفعالية عالية حتى عند زيادة حجم الشبكة بشكل كبير، هذا عدا عن أنها لا تعاني من نقطة الفشل الوحيدة. التدخل البشري الذي تحتاجه هذه الطرق بسيط جداً ويقتصر على الفترة التي يتم فيها تدريب نظم تعلّم الآلة، ونظم التعلّم العميق المستخدمة. لكن من المعروف أن الطرق الموزعة وذاتية التأقلم لا تستطيع الوصول لنقطة أمثلة عظمى بالنسبة للتغطية والسعة على مستوى الشبكة ككل، وإنما لنقطة أمثلة محلية. يعود السبب إلى غياب المعلومات عن الشبكة ككل، حيث أن كل خلية تتخذ قرارها بناءً على المعلومات المتوفرة لديها حول المستخدمين الجاري تخديمهم حالياً في الخلية. لكن وبشكل أكيد فإن هذه الطرق مناسبة أكثر من الطرق المركزية لتلبية حاجات الشبكات الحديثة.
التحديات العلمية
يعمل الباحثون بشكل حثيث على تطوير حلول ذاتية التأقلم لأمثلة تغطية وسعة الخلايا. ومع ذلك، لايزال العديد من التحديات العلمية دون حلول ناجعة. من أهم هذه التحديات هي التطبيق الأمثلي لتقنيات الذكاء الصنعي من أجل معالجة بيانات خلايا الشبكة. من المعروف أنه تتواجد قائمة واسعة من الخوارزميات الممكن استخدامها ضمن نماذج تعلم الآلة والتعلم العميق. أيّ الطرق هي الأنسب لأي نمط من البيانات؟، كيف سيتم جمع المعلومات التي ستُستخدم من أجل تدريب هذه التقنيات، قبل الاستخدام الفعلي لنظم الذكاء الصنعي؟، كيف سيتم التدريب أثناء عمل الشبكة؟، في أي عقدة يجب أن تتوضع تقنيات الذكاء الصنعي؟، كيف يمكن الوصول لنقطة أمثلة عظمى لتغطية وسعة الشبكة؟، الخ. هذه التحديات العلمية وغيرها بحاجة لأبحاث علمية معمّقة من أجل إيجاد حلول مناسبة لها.
خاتمة
تمّ في هذه المقالة التعرف على الأمثلة ذاتية التأقلم لتغطية وسعة الخلايا، والتي تُعتبر أحد أهم حالات الاستخدام ضمن شبكات الجيل الخامس والسادس للاتصالات اللاسلكية، والتي من المنتظر أن تكون شبكات ذاتية التأقلم تُشكّل شبكات النفاذ الراديوية المفتوحة أحد أهم التكنلوجيا المستخدمة فيها. تمّ عرض الصنفين الرئيسين للطرق المستخدمة مع استعراض موجز لأهم الطرق مروراً بمزاياهم وعيوبهم، كما وتمّ مناقشة التحديات العلمية التي لايزال البحث فيها ضرورياً. النتيجة الأهم التي ينبغي ملاحظتها أنّ أي طريقة جديدة لأمثلة تغطية وسعة الخلايا يجب أن تكون موزّعة، ذاتية التأقلم، فعّالة وقادرة على التعامل بكفاءة مع نظم الذكاء الصنعي.
المراجع
– Alavirad, et. Al., „O-RAN Architecture, Interfaces, and Standardization: Study and Application to User Intelligent Admission Control“, Frontiers in Communications and Networks. 4. 10.3389/frcmn.2023.1127039, (2023).
– Lin, Y. Ouyang, L. Su, W. Lu, and Z. Li, “A machine learning assisted method of coverage and capacity optimization (CCO) in 4G LTE self organizing networks (SON),” in Proc. Wireless Telecommun. Symp. (WTS), (2019)
– Yanyun, H. Alexis, X. Hui, and Y. Xingxiu, “Coverage and capacity optimization for 4G LTE networks using differential evolution,” in Proc. 5th IEEE Int. Conf. Cloud Comput. Intell. Syst. (CCIS), (2018).
– Garg, et.al., „Data-Driven Self-Organization With Implicit Self-Coordination for Coverage and Capacity Optimization in Cellular Networks“, IEEE Transactions on Network and Service Management, (2023).
– -C. Ho, et. Al., „Optimization of Coverage and Capacity Using Smart Antennae“ Appl. Sci. 13, 10897. https://doi.org/10.3390/app131910897, (2023).
– D. Rya, et. al., „Optimizing Coverage and Capacity in Cellular Networks using Machine Learning“, IEEE ICASSP, special session on Machine Learning in Networks, (2021).