الـجــامعــــة الــوطنيـــــة الـخــاصـــــة

الواحة الأكاديمية للجامعة الوطنية الخاصة

الإدارة المتكاملة للموارد المائية (مفاهيم أساسية- أهميتها وآلية تطبيقها)

د. م. صفاء محمود الديب

الكاتب: د. صفاء محمود الديب

الهندسة المدنية - الجامعة الوطنية الخاصة -

الملخص:

تُعد الإدارة المتكاملة للموارد المائية (IWRM) من أهم الأساليب الحديثة التي تهدف إلى تحقيق إدارة مستدامة للمياه من خلال التنسيق بين مختلف القطاعات المرتبطة بها، مثل الزراعة والطاقة والبيئة. تعتمد هذه الإدارة على مبادئ التكامل والمشاركة والعدالة في توزيع الموارد، وتسعى إلى تحقيق توازن بين التنمية الاقتصادية وحماية النظم البيئية. تواجه عملية تطبيق الإدارة المتكاملة تحديات عديدة، أبرزها ضعف المؤسسات وتعدد الجهات المعنية ونقص البيانات المائية الدقيقة. تناولت هذه المقالة مفهوم الإدارة المتكاملة للموارد المائية (IWRM)، وأهميتها في تحقيق استدامة الموارد المائية وتحسين استخدامها لمواجهة التحديات المائية الحالية والمستقبلية، وتستعرض في النهاية استنتاجات ومقترحات لتعزيز فعاليتها في الإدارة الرشيدة للمياه.

الكلمات المفتاحية: الإدارة المتكاملة، الموارد المائية، التنمية المستدامة، الأمن المائي، المشاركة المجتمعية.

1-المقدمة:

المياه عنصر أساسي للحياة، ويشكل محوراً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وضمان الأمن الغذائي للدول والمجتمعات، حيث إن جميع القطاعات الزراعية والصناعية وإنتاج الطاقة وغيرها تعتمد على المياه، وتواجه الموارد المائية في العالم تحديات متزايدة نتيجة النمو السكاني السريع، والتوسع العمراني، والتغيرات المناخية، والاستخدام المفرط للمياه في الزراعة والصناعة، وتدهور نوعية المياه، وهذا أدى إلى ندرة مائية متزايدة في العديد من الدول، مما تطلب البحث عن نهج شامل لإدارة المياه يعتمد على مبادئ التكامل والاستدامة[7] . في هذا السياق، برزت الإدارة المتكاملة للموارد المائية (IWRM) كإطار إداري واستراتيجي يهدف إلى تحقيق توازن بين مختلف الاستخدامات، مع ضمان الحفاظ على البيئة والعدالة الاجتماعية [4]،بحيث تتيح ترشيد استخدام الموارد وتقليل الهدر والصراعات، مع تعزيز العوائد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية[1]  .

2-هدف المقالة:

تهدف المقالة إلى توضيح مفهوم الإدارة المتكاملة للموارد المائية، والتنويه بأهميتها، واستعراض المبادئ العامة لتطبيقها، بالإضافة إلى معرفة أبرز التحديات التي تعوق تطبيقها واقتراح حلول عملية لتعزيز الإدارة الرشيدة للمياه.

3-المفاهيم الأساسية للإدارة المتكاملة للموارد المائية:

تعرف الإدارة المتكاملة للموارد المائية بأنها “عملية تشجع على التنمية المنسقة وإدارة المياه والأراضي والموارد ذات الصلة بهدف تحقيق أقصى قدر من الرفاه الاقتصادي والاجتماعي بطريقة منصفة دون المساس باستدامة النظم البيئية”  .[4], [7]

يرتكز هذا النهج على مجموعة من المبادئ الأساسية:

  1. التكامل بين القطاعات: تحقيق تنسيق فعّال بين الزراعة، والصناعة، والطاقة، والبيئة لتفادي تضارب المصالح [3].
  2. المشاركة المجتمعية: إشراك أصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني في عملية اتخاذ القرار لضمان الاستدامة [6].
  3. العدالة في التوزيع: ضمان وصول جميع الفئات الاجتماعية إلى المياه بشكل منصف ومتوازن [5]، وتحقيق التوازن بين التطلعات التنموية وحماية البيئة [6].
  4. القيمة الاقتصادية للمياه: التعامل مع المياه كمورد اقتصادي يجب استخدامه بكفاءة مع الحفاظ على العدالة الاجتماعية [3].
  5. إدارة المياه على أساس أحواض الأنهار وليس الحدود الإدارية.

4-الفرق بين الإدارة التقليدية والمتكاملة:

الإدارة التقليدية تركز على توفير المياه دون مراعاة الجوانب الاجتماعية أو البيئية أو تداخل القطاعات. في حين أن الإدارة المتكاملة تهدف إلى تحقيق توازن بين الاستخدامات المختلفة، تشرك جميع الأطراف، وتراعي استدامة الموارد.

5-مبادئ دبلن الأربعة:

  1. المبدأ الأول : المياه مورد محدود يتعرض للتلوث والنضوب، حيث أن الإفراط في استخراج المياه الجوفية يؤدي إلى هبوط الأراضي وزيادة الملوحة.
  2. المبدأ الثاني: مشاركة المجتمع ضرورية من خلال إشراك المزارعين، الصناعيين، السكان المحليين، المجتمع المدني. حيث إن المشاركة تولد الإحساس بالمسؤولية وتحسن استدامة القرارات.
  3. المبدأ الثالث: دور المرأة مركزي حيث أن تمكين المرأة يعزز فعالية المشاريع المائية.
  4. المبدأ الرابع: للمياه قيمة اقتصادية، فهو ليس سلعة مجانية؛ التسعير العادل يشجع على الاستخدام الرشيد. إضافة إلى أنه يجب ضمان حصول الفئات الفقيرة على احتياجاتها الأساسية.

6-الأهداف الرئيسة للإدارة المتكاملة:

تسعى الإدارة المتكاملة للموارد المائية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسة، من أبرزها:

  1. تحقيق الاستدامة البيئية: من خلال حماية النظم البيئية وضمان تجدد الموارد المائية.
  2. تعزيز الكفاءة الاقتصادية: عن طريق تحسين إدارة الطلب على المياه وتقليل الفاقد[3] .
  3. تحقيق العدالة الاجتماعية: لضمان توزيع الموارد المائية بشكل عادل بين المناطق والفئات المختلفة.
  4. تعزيز الحوكمة المائية: من خلال تطوير تشريعات وسياسات واضحة تنظم العلاقة بين مختلف القطاعات.
  5. التكيف مع التغيرات المناخية: عبر تبني استراتيجيات مرنة لمواجهة الجفاف والفيضانات.[3]

7-أهمية الإدارة المتكاملة في تحقيق التنمية المستدامة:

تُعد الإدارة المتكاملة أحد الركائز الأساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، وخاصة الهدف السادس الذي ينص على “ضمان توفر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع وإدارتها إدارة مستدامة” [9].

إن تبني هذا النهج يسهم في:

  • تقليل النزاعات بين القطاعات ومستخدمي المياه.
  • تحقيق أمن مائي وغذائي واقتصادي أفضل للمجتمعات.
  • تعزيز الحماية البيئية، وضمان استدامة الموارد.
  • مواجهة تحديات شح المياه وتغير المناخ.
  • دعم الاقتصاد الأخضر [4].
  • تحسين كفاءة توزيع المياه واستخدامها والحفاظ على جودتها للأجيال القادمة [1].
  • تعزيز العدالة في توزيع الموارد.
  • الحد من النزاعات حول مصادر المياه المشتركة.

8-التحديات التي تواجه تطبيق الإدارة المتكاملة:

رغم أهمية الإدارة المتكاملة للموارد المائية، إلا أن تطبيقها يواجه العديد من الصعوبات في الواقع العملي، ومن أبرزها:

  • العوامل المناخية والجفاف المتكرر والنزاعات السياسية خصوصاً في أحواض الأنهار المشتركة بين أكثر من دولة [7].
  • العوائق الاقتصادية وضعف التمويل أو الموارد التقنية اللازمة للمشاريع المائية المستدامة [3].
  • نقص البيانات والمعلومات الدقيقة حول كميات المياه المتاحة وأنماط استخدامها، مما يعيق التخطيط الفعّال [7].
  • تعدد المؤسسات وتداخل الاختصاصات بين الجهات الحكومية المعنية بالمياه والزراعة والطاقة [4].
  • ضعف التنسيق بين المؤسسات والقدرات البشرية في بعض الدول النامية لتنفيذ برامج IWRM [6].
  • مقاومة التغيير من بعض أصحاب المصالح التقليديين.
  • القصور في التشريعات والقوانين المائية [7]. 
  • ضعف الوعي أو غياب التعاون بين القطاعات.

9-آلية تطوير الإدارة المتكاملة:

– رفع كفاءة المؤسسات المعنية عبر بناء القدرات. 

– تعزيز التعاون الإقليمي والدولي بين الدول المشاركة في الأحواض المائية. 

– تحديث التشريعات وتفعيل القوانين المائية. 

– تطوير أنظمة جمع البيانات والتنبؤ بالكوارث المائية. 

10-أمثلة لدول طبقت نهج الإدارة المتكاملة للموارد المائية:

لقد طبقت العديد من الدول حول العالم مفهوم الإدارة المتكاملة للموارد المائية [10]، ونذكر منها:

  • الأردن: نظراً لشح المياه وضعف مصادرها المتجددة، اعتمد الأردن سياسة الإدارة المتكاملة عبر مشاريع حكومية تشمل الحصاد المائي، إعادة استخدام المياه المعالجة، وحملة توعية حول استهلاك المياه، بالإضافة إلى مراجعة السياسات المائية وتطوير البنى التحتية
  • جنوب أفريقيا: أقرت حكومة جنوب أفريقيا عام 1998 قانون المياه الوطني الذي تأسس على مبادئ الإدارة المتكاملة للموارد المائية، مع التركيز على إشراك المجتمعات المحلية في تخطيط وإدارة الموارد، وضمان حصص عادلة للجميع
  • المغرب: بدأ المغرب منذ تسعينات القرن الماضي في تطبيق مفهوم الإدارة المتكاملة من خلال “برامج السدود الكبرى”، وتطوير قانون المياه لتشجيع الإدارة المستدامة وإشراك المواطنين في اتخاذ القرار، ويعد نموذج وكالة الحوض المائي مثالاً للنهج التكاملي.
  • أستراليا (حوض موراي-دارلينج): يعد حوض موراي-دارلينج من أبرز الأمثلة العالمية لتطبيق الإدارة المتكاملة للموارد المائية، حيث تم تأسيس هيئة الحوض وتطوير سياسات تشاركية بين الولايات المختلفة، مع حماية النظم البيئية وضمان حصص ري عادلة.

11-الإدارة المتكاملة للموارد المائية في سوريا:

شهدت سوريا خلال العقود الماضية تحديات كبيرة في قطاع المياه نتيجة النمو السكاني، والتوسع العمراني، والتغيرات المناخية، والنزاعات الأخيرة [8]. برزت الإدارة المتكاملة للموارد المائية كنهج ضروري لتحقيق الاستخدام المستدام لهذا المورد الحيوي، من خلال دمج التخطيط للموارد السطحية والجوفية، وتعزيز مشاركة أصحاب المصلحة، وتحديث التشريعات المائية [2]. رغم ذلك، ما تزال هناك تحديات تتعلق بالتمويل، وضعف القدرات المؤسسية، وندرة البيانات، ما يُعيق التطبيق الفعال لهذا النهج في سوريا [10].

12-الاستنتاجات:

  1. أثبتت الإدارة المتكاملة للموارد المائية أنها أسلوب فعال لتحقيق استدامة الموارد المائية والتقليل من الصراعات وتوفير مياه آمنة وصحية للأجيال المستقبلية. وبينما واجهت تطبيقاتها عدة تحديات وعقبات.
  2. تُعد الإدارة المتكاملة إطارًا شاملًا يوازن بين البعد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في إدارة المياه.
  3. نجاح تطبيقها يعتمد على التنسيق المؤسسي، والمشاركة المجتمعية، والبيانات الدقيقة.
  4. تواجه العديد من الدول النامية صعوبات في تطبيق هذا النهج بسبب نقص التمويل والبنية المؤسسية الضعيفة.
  5. يمثل تبني IWRM خطوة حيوية نحو تحقيق الأمن المائي في ظل التغير المناخي.

13-التوصيات:

  1. تشجيع البحث العلمي: لإيجاد حلول محلية مبتكرة للتحديات المائية.
  2. تعزيز القدرات المؤسسية: من خلال إنشاء هيئات متخصصة لإدارة الموارد المائية بشكل متكامل.
  3. زيادة الوعي المجتمعي: حول أهمية الحفاظ على المياه ودور المشاركة في الإدارة المستدامة.
  4. تحسين جمع البيانات والمراقبة: باستخدام تقنيات حديثة مثل الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية.
  5. تطوير التشريعات والسياسات: بما يضمن التنسيق بين القطاعات وتحقيق العدالة في توزيع الموارد.

14-المراجع (References)

  1. غيث، عمر. (2021). الإدارة المتكاملة للموارد المائية: المفاهيم والتحديات في المنطقة العربية. مجلة الموارد الطبيعية والمياه، 15(2)، 45–58.
  2. (2019). *Integrated Water Resources Management in Syria: Current Status and Challenges*. Arab Center for the Studies of Arid Zones and Dry Lands
  3. (2010). IWRM Guidelines at River Basin Level. Rome: Food and Agriculture Organization.
  4. Global Water Partnership (GWP). (2016). Integrated Water Resources Management Toolbox. Stockholm: GWP
  5. Hooper, B. P. (2003). Integrated Water Resources Management and River Basin Governance. Water Resources Update, 126, 12–20
  6. (2012). Integrated Water Resources Management: Training Manual and Operational Guide. Nairobi: United Nations Environment Programme.
  7. (2020). World Water Development Report: Water and Climate Change. Paris: UNESCO.
  8. UN-ESCWA. (2017). *Assessment of Water Resources in Syria*. United Nations Economic and Social Commission for Western Asia.
  9. United Nations (UN). (2015). Sustainable Development Goals Report. New York: United Nations.
  10. World Bank. (2022). *Water in the Balance: Syria Water Resources Report

تنفيذ إدارة المواقع الالكترونية في الجامعة الوطنية الخاصة 2025

أهلا وسهلا بكم في الواحة الأكاديمية للجامعة الوطنية الخاصةانقر لزيارة الموقع الرسمي للجامعة الوطنية الخاصةانقر لزيارة موقع الواحة الطلابية للجامعة الوطنيةانقر لزيارة موقع المكتبة الالكترونية للجامعة الوطنية الخاصة
Scroll to Top