الـجــامعــــة الــوطنيـــــة الـخــاصـــــة

الواحة الأكاديمية للجامعة الوطنية الخاصة

مسابقة أفضل مقالة علمية - كلية العمارة والتخطيط العمراني -

عنوان المقالة العلمية : مشيرب "قلب الدوحة" كنموذج ملهم للتخطيط الحضري في سوريا ما بعد الحرب

الملخص

تواجه المدن السورية في مرحلة ما بعد الحرب تحديات عميقة، نتيجة لما خلّفته سنوات الصراع من دمار واسع في البنية العمرانية وتفكك في النسيج الاجتماعي. هذه التحديات تفرض ضرورة التفكير بأسلوب جديد في إعادة الإعمار، يقوم على أسس الاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية، لضمان نهضة عمرانية شاملة ومتكاملة. تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على أبرز العقبات التي تعرقل جهود إعادة الإعمار الحضري في سوريا، مع إبراز دور العمارة المستدامة كأداة فعالة لتحقيق تنمية حضرية متوازنة. وفي هذا الإطار، تستعرض المقالة تجربة “مشيرب قلب الدوحة” كنموذج عالمي رائد في بناء مدن ذكية ومستدامة، يمكن استلهام مفاهيمه وتكييفها بما يتناسب مع الواقع السوري.

كلمات مفتاحية: إعادة الإعمار- الاستدامة – مشيرب- التخطيط الحضري المستدام.

مقدمة: منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، شهدت المدن السورية تحولات كارثية طالت بنيتها التحتية وروابطها الاجتماعية وملامحها الحضرية. ومع بدء البلاد في التوجه نحو مرحلة إعادة الإعمار، بات من الضروري إعادة النظر في الأساليب التقليدية للبناء، والبحث عن رؤى عمرانية جديدة تراعي مبادئ الاستدامة وتحافظ على الخصوصية الثقافية. فإعادة إحياء المدن السورية لا يجب أن تقتصر على ترميم ما تهدّم، بل تتطلب رؤية استراتيجية تعيد التوازن بين الإنسان وبيئته، وتعزز من قدرة المدن على التكيّف مع التحديات المستقبلية.

ومن هذا المنطلق، تسعى هذه المقالة إلى تسليط الضوء على أبرز العقبات التي تعترض طريق إعادة الإعمار في المدن السورية، وتبرز أهمية اعتماد العمارة المستدامة كخيار واقعي وضروري. كما تستعرض تجربة “مشيرب قلب الدوحة” كنموذج عملي يمكن استلهام أفكاره وتطبيقاته بما يتناسب مع الواقع السوري.

أولاً: تحديات إعادة الإعمار في المدن السورية: تواجه المدن السورية في مرحلة ما بعد الحرب مجموعة معقدة من التحديات المتشابكة، يمكن تقسيمها إلى ثلاثة محاور رئيسية:

  • سياسية واقتصادية: تعاني المدن السورية من آثار العقوبات الدولية، ونقص حاد في التمويل، إلى جانب غياب الاستقرار السياسي، مما يعرقل عمليات التخطيط والتنفيذ.
  • اجتماعية: في بعض المدن السورية تبدو مهمة إعادة بناء النسيج الاجتماعي أكثر تعقيداً، نتيجة النزوح الداخلي الواسع وارتفاع معدلات البطالة، مما يخلق فجوات يصعب ردمها بسهولة.
  • عمرانية: تحتاج أعلب المدن في سوريا إلى إعادة تأهيل شاملة للبنية التحتية، ومعالجة التوسع العشوائي، مع الحفاظ على الطابع المعماري الفريد الذي يميز كل منطقة عن الأخرى.

ولكي تكون جهود إعادة الإعمار ذات أثر طويل الأمد، لا بد من تبني نهج معماري مستدام يوازن بين احتياجات السكان اليومية والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

ثانياً: العمارة المستدامة ومعاييرLEED: العمارة المستدامة ليست مجرد توجه حديث، بل هي استجابة ضرورية لتحديات بيئية واقتصادية متزايدة. هذا النوع من العمارة يسعى إلى خلق بيئة مبنية تراعي الإنسان والطبيعة معاً، من خلال استخدام مواد صديقة للبيئة، وترشيد استهلاك الطاقة والمياه، وتحسين جودة الهواء داخل المباني، إلى جانب دمج مفاهيم التخطيط الحضري الذكي. من أبرز أدوات تقييم الاستدامة المعتمدة عالمياً هو نظام LEED، الذي أطلقه “المجلس الأمريكي للبناء الأخضر” عام 2000. يرمز LEED إلى “الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة” (Leadership in Energy and Environmental Design)، ويمنح المباني تصنيفات تبدأ من “معتمد” وتصل إلى “بلاتيني”، بناءً على مدى التزامها بمعايير الاستدامة.

تشمل هذه المعايير:

  • استخدام مواد معاد تدويرها والإضاءة الطبيعية.
  • أنظمة تدفئة وتبريد عالية الكفاءة.
  • تقنيات لترشيد المياه وتجميع مياه الأمطار.
  • تهوية محسّنة ومواد غير سامة.
  • اختيار مواقع تدعم التنقل المستدام.
  • الاعتماد على مواد محلية ومتجددة.

وفي هذا الإطار، يبرز مشروع مشيرب قلب الدوحة كنموذج عالمي يُحتذى به، حيث حصل على تصنيفات LEED الذهبية والبلاتينية، ويُعد من أوائل المشاريع التي التزمت بجعل معظم مبانيها ضمن أعلى درجات الاستدامة، مما يعكس رؤية متقدمة في الحفاظ على الطاقة والموارد، وتكمن أهميته في قابليته للتكيّف مع سياقات أخرى، كونه يستند إلى قيم عمرانية وإنسانية شاملة.

ثالثاً: مشروع “مشيرب قلب الدوحة” كنموذج تطبيقي:

  1. الموقع: يقع مشروع “مشيرب قلب الدوحة” في قلب العاصمة القطرية، في منطقة تاريخية كانت تُعرف باسم “مشيرب”، وهي كلمة عربية تعني “مكان شرب الماء”. يتمركز المشروع في منطقة محمد بن جاسم وسط المدينة، بالقرب من مواقع بارزة مثل الديوان الأميري، وسوق واقف، وشارع حمد الكبير، والكورنيش. ويتميز بسهولة الوصول إليه من مطار حمد الدولي، ما يجعله نقطة جذب حيوية في قلب الدوحة. الشكل (1)، ويوضح الجدول (1) المكونات الوظيفية والمساحات المستخدمة.

الشكل (1) المخطط العام للمشروع على أرض مشيرب

الجدول(1) المكونات الوظيفية والمساحات المستخدمة 

  1. خلفية المشروع وأهدافه: أُطلق المشروع عام 2010 من قبل شركة مشيرب العقارية، التابعة لمؤسسة قطر، ليكون واحداً من أبرز مشاريع العمارة المستدامة في المنطقة. يمتد على مساحة 31 هكتاراً، وبتكلفة تقديرية بلغت نحو 5,5 مليار دولار أمريكي، ويُعد أول محاولة عالمية لإحياء وسط مدينة بطريقة مستدامة وشاملة.
  2. الرؤية والأهداف: يرتكز المشروع على فكرة إعادة إحياء وسط الدوحة بأسلوب يجمع بين الأصالة والحداثة، ويعيد الحياة إلى المناطق التاريخية من خلال نموذج عمراني يحترم البيئة ويعزز الروابط الاجتماعية. ويأتي هذا التوجه انسجاماً مع رؤية قطر الوطنية2030 ، التي تهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة تضمن مستوى معيشة راقٍ للأجيال الحالية والمقبلة.
  3. النهج المعماري المعتمد “المبادئ السبع: تم تطوير اللغة المعمارية لمشيرب عبر تعاون استمر ثلاث سنوات بين نخبة من المعماريين والمخططين الحضريين والأكاديميين العالميين. وقد خلص هذا الجهد إلى صياغة “المبادئ السبع”، وهي مجموعة من القيم التي تمثل رؤية جديدة للعمارة في قطر، تمزج بين جماليات التراث القطري وأحدث تقنيات التصميم المستدام. تهدف هذه المبادئ إلى استعادة خصوصية البيئة العمرانية وتعزيز الروابط الاجتماعية التي تميز المجتمع القطري. الجدول (2) المبادئ السبع.

جدول (2) يوضح النهج المعماري المعتمد “المبادئ السبع

5-التقسيمات الحضرية لمشيرب: يتكون المشروع من خمسة أحياء رئيسية، صُممت كل منها لتؤدي وظيفة عمرانية محددة، تجمع بين الجمالية والعملية: الشكل ( (2

    • حيّ الديوان الأميري: يمثل الامتداد الحضري لمقر الحكم، ويضم مبان رسمية مثل دار الوثائق ومقر الحرس الأميري، بتصاميم مستوحاة من الحصون والأبراج التقليدية.
    • الحيّ التراثي: يضم أربعة منازل تقليدية تم ترميمها وتحويلها إلى متاحف ثقافية، بالإضافة إلى مسجد ومصلى عيد تاريخي، مما يعزز التواصل بين الماضي والحاضر.
    • حي الأسواق: أكثر الأحياء حيوية، ويحتوي على مركز “الغاليريا” التجاري، دار سينما، ومرافق ترفيهية للأطفال، إلى جانب “براحة مشيرب” ذات السقف المتحرك، وممشى “سكة وادي مشيرب” الذي يشجع على التفاعل المجتمعي في الهواء الطلق.
    • حيّ المعبر التجاري: يضم مكاتب وشقق سكنية تلبي احتياجات المهنيين، إلى جانب محلات ومرافق مجتمعية، ويعكس بيئة حضرية متكاملة تعتمد على الاستخدام المتعدد وتعزز من اندماج السكان في الحياة اليومية.
    • حيّ المؤسسات: يحتوي على مؤسسات تعليمية، مبان مكتبية، وأبراج سكنية، بالإضافة إلى مساحات خضراء ومرافق عامة.

الشكل (2 )التقسيمات الحضرية لمشيرب، توضح الصور مبادئ التصميم السبعة المطبقة

6-أبعاد الاستدامة في المشروع:

أ‌- بيئية: من أبرز تقنيات الاستدامة البيئية المعتمدة:

    • الطاقة الشمسية: تم تركيب أكثر من 6400لوحة كهروضوئية لتوليد الكهرباء، و 1400 لوحة حرارية لتسخين المياه.
    • مواد البناء: استخدمت مواد عازلة حرارياً مثل الجدران السميكة والزجاج المزدوج لتقليل الحاجة للتبريد.
    • الزراعة التجميلية: تم اختيار نباتات محلية قليلة الاستهلاك للمياه، مع أنظمة ري ذكية تقلل من الهدر.
    • الطاقة والتبريد: تم تقليل استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 30% بفضل تصميم المباني ومحطة تبريد مركزية عالية الكفاءة.

ب- اقتصادية:

    • دعم الاقتصاد المحلي من خلال تشجيع المشاريع الصغيرة.
    • توفير فرص عمل لآلاف المهندسين والعمال خلال مراحل التنفيذ.
    • جذب الاستثمارات بفضل البنية التحتية المستدامة.

ت- اجتماعية:

    • تعزيز الروابط الاجتماعية عبر تصميم أحياء مترابطة.
    • دعم الثقافة والتعليم من خلال المنتديات والمؤسسات التربوية.
    • توفير بيئة معيشية صحية ومريحة للعائلات.

ث- المدينة الذكية: يرتكز المشروع على مفهوم المدينة الذكية، حيث يتكامل التصميم المعماري مع أحدث تقنيات الاتصال وإدارة المباني. يتم التحكم بالموارد بشكل رقمي، مما يتيح مراقبة الاستهلاك وتحسين الكفاءة، ويجعل من مشيرب نموذجاً عملياً للتحول الرقمي في التخطيط الحضري.

الخاتمة والتوصيات:

انطلاقاً من المبادئ التي تقوم عليها العمارة المستدامة، والدروس المستفادة من تجربة “مشيرب قلب الدوحة” التي أثبتت أن التوازن بين الحداثة والهوية التراثية هو مفتاح بناء مدن مرنة ومستدامة، يمكن تقديم مجموعة من التوصيات العملية التي تساهم في تحويل الرؤى النظرية إلى واقع ملموس في المدن السورية:

  1. إعداد دليل وطني للتصميم الحضري المستدام، يتم تطويره بالتعاون مع نقابات المهندسين والبلديات، ويعتمد على معايير مثل LEED، مستوحاة من تجارب عالمية، ومتكيفة مع خصوصية السياق السوري.
  2. تعزيز التعاون مع الجامعات والمعاهد التقنية لتقديم برامج تدريبية متخصصة في تصميم وتنفيذ المشاريع الخضراء، مما يسهم في تأهيل الكوادر المحلية لقيادة مشاريع إعادة الإعمار وفق معايير الاستدامة.
  3. إطلاق مشاريع تجريبية صغيرة النطاق في أحياء مختارة من مدن مثل حمص أو حلب، بهدف إثبات جدوى البناء المستدام وخلق نماذج نجاح قابلة للتكرار.
  4. تشجيع استخدام الموارد المحلية في البناء، مثل الطين المضغوط أو حجر البازلت، لما لها من فوائد بيئية واقتصادية، إلى جانب دورها في تعزيز الهوية المعمارية المحلية.
  5. تفعيل أدوات التخطيط الذكي وإدارة البيانات العمرانية عبر منصات رقمية تتيح تتبع أداء الطاقة والمياه والنفايات، وتدعم اتخاذ قرارات أكثر كفاءة وشفافية على مستوى البلديات.
  6. تهيئة البيئة القانونية والمؤسساتية من خلال إصدار تشريعات تحفّز على تبني ممارسات الاستدامة، مثل تقديم إعفاءات ضريبية أو تسهيلات في تصاريح البناء المستدام، وربط التمويل الدولي بمعايير أداء واضحة.

المراجع:

  1. U.S. Green Building Council. (LEED Certification) – www.usgbc.org
  2. مشيرب العقارية – الموقع الرسمي www.msheireb.com
  3. “استدامة العمارة في الخليج العربي”، جامعة قطر، كلية العمارة
  4. مجلة العمران العربي، عدد خاص حول مشاريع المدن الذكية في الخليج
  5. كتب التراث العمراني القطري – الهيئة العامة للسياحة القطرية
  6. مقالات تحليلية في مجلات التصميم المستدام (Sustainable Architecture Digest)
Live التصويت الخاص بمقالة :مشيرب “قلب الدوحة” كنموذج ملهم للتخطيط الحضري في سوريا ما بعد الحرب
  • ممتاز
    45% 2.2k/ 5k
  • جيد
    33% 1.6k/ 5k
  • مقبول
    22% 1.1k/ 5k

شارك على وسائل التواصل الاجتماعي

تنفيذ إدارة المواقع الالكترونية في الجامعة الوطنية الخاصة 2025

أهلا وسهلا بكم في الواحة الأكاديمية للجامعة الوطنية الخاصةانقر لزيارة الموقع الرسمي للجامعة الوطنية الخاصةانقر لزيارة موقع الواحة الطلابية للجامعة الوطنيةانقر لزيارة موقع المكتبة الالكترونية للجامعة الوطنية الخاصة
Scroll to Top