الملخص
تُعتبر البلازما المحرقية (Plasma Focus) من التقنيات الحديثة ذات الإمكانيات الواعدة لإنتاج النظائر المشعة التي تُستخدم في الطب النووي، وتحديدًا في التطبيقات الطبية التشخيصية والعلاجية حيث تستخدم النظائر المشعة في تشخيص وعلاج في العديد من الأمراض، مثل السرطان وأمراض القلب. تهدف هذه المقالة إلى تقديم تحليل موسّع عن الآليات الفيزيائية لهذه التقنية، والقدرة التنافسية لها مقارنةً بالطرق التقليدية التي تعتمد على المسرّعات النووية، مع تسليط الضوء على التحديات التي تواجه هذه التقنية والفرص المستقبلية التي يمكن أن تعزز دورها في ميدان الطب النووي. كما تم دراسة المنهجيات المختلفة للتحكم في البلازما وإنتاج النظائر المشعة التي تتمتع بالنقاوة العالية، مما يضمن استخدامها الآمن في المجال الطبي.
الكلمات المفتاحية: البلازما المحرقية، إنتاج النظائر المشعة، الطب النووي، تقانة نووية، النيوترونات.
- مقدمة:
يشهد العالم حاليًا تطورًا متسارعًا في مجال الطب النووي، الذي أصبح يمثل جزءًا أساسيًا في تشخيص وعلاج العديد من الأمراض، خاصة تلك المرتبطة بالأورام والأمراض القلبية. يعتبر إنتاج النظائر المشعة أحد العوامل الأساسية التي تعتمد عليها هذه التطبيقات الطبية المتقدمة. في هذا السياق، أظهرت تقنية البلازما المحرقية (Plasma Focus) إمكانيات هائلة كأداة فعالة في إنتاج هذه النظائر بطريقة أكثر اقتصادية وأقل تعقيدًا مقارنةً بالمسرّعات النووية التقليدية حيث تتميز البلازما المحرقية بإمكانية إنتاج النيوترونات التي تُستخدم في تفعيل العناصر المختلفة لتوليد النظائر المشعة المطلوبة. تزايد الطلب على النظائر المشعة في الآونة الأخيرة بسبب زيادة الاعتماد على التشخيص بالأشعة المقطعية والتصوير بالإصدار البوريتروني PET، مما دفع العلماء إلى البحث عن تقنيات بديلة للمسرعات النووية التقليدية، التي تواجه تحديات من حيث التكلفة العالية وصعوبة الصيانة والتشغيل والتخلص من النفايات النووية. من هنا جاءت أهمية التقنيات الحديثة مثل البلازما المحرقية، التي تعد من الحلول الواعدة لتحقيق هذا الهدف.
- البلازما المحرقية بإيجاز:
تنتج البلازما المحرقية ضمن جهاز يعتمد على تفريغ كهربائي قوي في غاز منخفض الضغط، مما يؤدي إلى تكوين بلازما منضغطة ذات درجة حرارة عالية جدًا (تتراوح عادة من 10 إلى 50 مليون درجة مئوية) والعديد من الخصائص الفيزيائية المثيرة مثل الحقول المغناطيسية المتولدة ذاتياً). يتم إنشاء هذه البلازما عندما يحدث تفريغ كهربائي بين قطبين (مصعد ومهبط) في بيئة غازية، وتكون البلازما الناتجة غنية بالنيوترونات والإشعاعات التي يمكن الاستفادة منها لإنتاج النظائر المشعة، كما يمكن الاستفادة أيضاً من حزم الديترونات الطاقية الناتجة عن انهيار قبضة البلازما المتشكلة.
- a. آلية عمل الجهاز: تتضمن عملية تشغيل جهاز البلازما المحرقية سلسلة من الخطوات الدقيقة، تبدأ من شحن بنك المكثفات الكهربائية، ثم تفريغ الطاقة عبر الأقطاب لتوليد تيار قوي يولد البلازما. تتعرض البلازما خلال هذه العملية إلى ضغط ودرجة حرارة عاليتين، مما يخلق بيئة مثالية لإحداث تفاعلات نووية مثل تفاعلات (n, γ) التي تؤدي إلى إنتاج النظائر المشعة مثل التكنيتيوم99mTc، واليود123I أو الاستفادة من حزم الديترونات الناتجة بعد انهيار قبضة البلازما لإحداث التفاعل (p,n) لإنتاج 13N و 18F هذا يسمح بإنتاج كميات صغيرة من النظائر بتكلفة أقل مقارنةً باستخدام المسرّعات التقليدية [2] [1].
- b. أنواع الغازات المستخدمة: أحد العوامل الأساسية التي تؤثر في قدرة البلازما على إنتاج النيوترونات هو نوع الغاز المستخدم في جهاز البلازما المحرقية. عادةً ما يتم استخدام الغازات مثل الديوتيريوم والتريتيوم، حيث يُنتج الديوتيريوم-تريتيوم نيوترونات ذات طاقة عالية مثالية لعمليات التنشيط النووي [3].
- التطبيقات الطبيّة للنظائر المشعة المنتجة بواسطة أجهزة البلازما المحرقية:
تستخدم النظائر المشعة المنتجة بواسطة البلازما المحرقية في العديد من التطبيقات في الطب النووي، حيث تُستخدم بشكل أساسي في تشخيص الأمراض وعلاجها، خاصةً في الأورام السرطانية وأمراض القلب وأمراض الغدد الصماء. وتختلف التطبيقات حسب نوع النظير المشع المنتج.
- a. للنظائر المشعة المنتجة بواسطة البلازما المحرقية كأداة تشخيصية وعلاجية:
- الأورام السرطانية: تستخدم النظائر المشعة في تشخيص الأورام السرطانية من خلال التصوير الطبي مثل التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني PET والتصوير المقطعي المحوسبCT، حيث تُستخدم النظائر مثل التكنيتيوم99mTc، واليود123I . يتم استخدام هذه النظائر لتحديد أماكن الأورام وقياس حجمها، وكذلك لمتابعة تطور المرض بعد العلاج.
- أمراض القلب: يمكن استخدام النظائر المشعة لتشخيص أمراض القلب، مثل “نقص التروية القلبية” من خلال التصوير باستخدام نظير التكنيتيوم99mTc وذلك لتقييم تدفق الدم في الشرايين التاجية وتشخيص العيوب الوظيفية في القلب.
- الاضطرابات الهرمونية والغدد الصماء: تُستخدم بعض النظائر المشعة مثل اليود123I في تشخيص الاضطرابات المتعلقة بالغدة الدرقية. يُستخدم هذا النظير لتحديد نشاط الغدة الدرقية ومتابعة علاجها، خصوصاً في حالات اضطرابات مثل فرط نشاط الغدة الدرقية أو سرطان الغدة الدرقية.
- العلاج الإشعاعي للأورام: في بعض الحالات، يتم استخدام النظائر المشعة مثل اليود123I لعلاج الأورام السرطانية (خاصة سرطان الغدة الدرقية)، حيث يعمل النظير هذا على تدمير الخلايا السرطانية عن طريق الإشعاع الموجه.
- b. تحديد نوع الأمراض التي يمكن معالجتها باستخدام النظائر المشعة المنتجة من البلازما المحرقية
النظائر المشعة التي يمكن إنتاجها باستخدام تقانة البلازما المحرقية يمكن أن تُستخدم لعلاج وتشخيص مجموعة واسعة من الأمراض، مثل:
سرطان الغدة الدرقية: علاج سرطان الغدة الدرقية باستخدام اليود123I ، حيث يتم امتصاص اليود بواسطة الغدة الدرقية، مما يؤدي إلى قتل الخلايا السرطانية. يمكن أيضًا استخدامه في التشخيص من خلال التصوير.
أمراض القلب والشرايين التاجية: استخدام التكنيتيوم99mTc والنتروجين 13N في تصوير تدفق الدم داخل القلب، مما يساعد على تشخيص أمراض القلب.
تشخيص التهابات الأنسجة: يمكن التكنيتيوم99mTc أيضًا في اكتشاف التهابات الأنسجة، حيث يتراكم النظير في المناطق المتأثرة بالالتهاب، مما يسهل كشفها باستخدام التصوير.
جدول 1: النظائر المشعة المنتجة من البلازما المحرقية [5] [4] [7] [6] [9] [8] [10]
النظير المشع | عمر النصف | الجرعة المطلوبة (MBq) | التطبيقات الطبية |
99mT | 6 ساعات | 10-20 | تصوير الأورام، أمراض القلب |
131I | 8 أيام | 1-5 | علاج سرطان الغدة الدرقية، تشخيصه |
131I | 13.3 ساعة | 5-10 | تشخيص أمراض الغدة الدرقية |
11C | 20 دقيقة | 5-10 | تشخيص السرطان عبر التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني PET |
18F | 110 دقيقة | 5-15 | تصوير الدماغ والقلب ، معالجة السرطان |
89Zr | 78.4 ساعة | 10-20 | تصوير الأورام عبر التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني PET |
- المنهجيات وتقنيات البحث في تطبيقات البلازما المحرقية:
تعتبر عملية تحسين إنتاج النظائر المشعة باستخدام البلازما المحرقية معقدة، وتعتمد على عدة عوامل فيزيائية وهندسية. يمكن تلخيص بعض الجوانب الرئيسية التي تحدد كفاءة هذه التقنية في النقاط التالية:
- تصميم الجهاز: يتطلب الحصول على نتائج جيدة في إنتاج النيوترونات تحديدًا دقيقًا لأبعاد الأقطاب وهيكل الجهاز حيث تختلف خصائص البلازما المحرقية باختلاف هذه الأبعاد، بحيث أن الأقطاب الأكبر على كثافة البلازما والتفاعلات النووية التي تحدث فيها، كما تؤثر نوعية المادة المصنوع منها الأقطاب وحجرة التفريغ على تشكّل البلازما ونوعية التفاعلات [11].
- نوع الغاز وضغطه: يتأثر إنتاج النيوترونات بشكل كبير بنوع الغاز المستخدم في النظام. حيث أن تغيير الغاز أو تعديل ضغطه داخل حجرة التفريغ يؤدي إلى تغيير في خصائص البلازما وطاقة النيوترونات والديترونات الناتجة. يُفضل في هذه الأجهزة استخدام غازات خفيفة مثل الديوتيريوم أو خليط ديوتيريوم-تريتيوم لضمان كفاءة عالية لحدوث التفاعل النووي [12].
- توقيت نظم الشحن: يعتمد التوقيت الفعّال لنظم الشحن على القدرة في إنتاج البلازما المستقرة. تحتاج المكثفات إلى الشحن بمعدل معين، حيث تؤثر سرعة التفريغ في توفير شروط مثالية لتشكّل قبضة البلازما وبالتالي لإنتاج الديترونات والنيوترونات [13].
- الثغرات البحثية وآفاق التطوير المستقبلي:
رغم التقدم الكبير في أبحاث البلازما المحرقية، إلا أن هناك العديد من التحديات التقنية والبحثية التي تحتاج إلى معالجة لتحسين كفاءة هذه التقنية. تشمل أبرز هذه التحديات:
قصر عمر الجهاز: بسبب الحرارة العالية والتآكل الناتج عن التفريغ الكهربائي المستمر، تتعرض الأقطاب إلى التآكل، مما يتطلب استخدام مواد ذات مقاومة عالية للتآكل أو تطوير مواد جديدة لتحسين أداء الأجهزة [14].
إنتاجية النيوترونات: تعد إنتاجية النيوترونات في الأنظمة الصغيرة الحالية أقل من المعدلات المطلوبة لإنتاج كميات كافية من النظائر المشعة للاستخدام الطبي. يتطلب ذلك تحسين تصميم الأجهزة وتطوير التقنيات لزيادة كفاءة إنتاج النيوترونات [15] .
النقاوة الإشعاعية: تحتاج النظائر المشعة المنتجة إلى نقاوة إشعاعية عالية، حيث يجب أن تكون خالية من الشوائب المشعة الأخرى التي قد تشكل خطرًا على صحة المرضى. من هنا تبرز أهمية تحسين تقنيات الفصل الإشعاعي وتقنيات التصنيف النووي في هذه الأنظمة [16].
- الخاتمة: تُعد تقانة البلازما المحرقية من الحلول المبتكرة التي تتيح إمكانيات واسعة لإنتاج النظائر المشعة بشكل فعال وبتكلفة أقل مقارنةً بالمفاعلات النووية التقليدية. يمكن لهذه التقنية أن تعزز من قدرة مراكز الطب النووي الصغيرة والمتوسطة على إنتاج النظائر اللازمة لتشخيص وعلاج الأمراض، مع ضمان كفاءة عالية ونقاوة إشعاعية تتوافق مع المعايير الطبية. ولكن من أجل تعزيز فعالية هذه التقنية وتوسيع نطاق استخدامها، من الضروري التغلب على التحديات الحالية مثل تحسين إنتاجية النيوترونات والنقاوة الإشعاعية، وتطوير مواد مقاومة للتآكل لتحسين عمر الجهاز.
إن الاستمرار في البحث والتطوير في هذا المجال قد يفتح آفاقًا جديدة لزيادة الوصول إلى العلاجات النووية، وتقديم حلول منخفضة التكلفة لأغراض التشخيص والعلاج، ما يجعل البلازما المحرقية خيارًا واعدًا لمستقبل الطب النووي.
المراجع المستخدمة:
- Mather, J. W. (1965). Formation of a high-density deuterium plasma focus. Physics of Fluids, 8(2), 366-377.
- Sahyouni, W, et al. (2023). Determination of conditions for obtaining radioactivity of nitrogen-13 isotope for medical use by NX2 dense plasma focus device, St. Petersburg Polytechnic University Journal: Physics and Mathematics, (16). 2.
- Lee, S., et al. (1998). Plasma focus as a neutron source for applications. IEEE Transactions on Plasma Science, 26(4), 1119-1126.
- Nuclear Medicine: Physics and Radiobiology (2008). by S. B. Beddar and D. J. Beall.
- Cherry, S. R., et al. (2012). Physics in Nuclear Medicine. 4th edition. Elsevier Health Sciences.
- Zaidi, H., & Gnanasegaran, G. (2010). Nuclear Medicine in Clinical Diagnosis and Treatment. Springer.
- Pillai, M. R. A., & Wendt, T. (2013). Medical applications of nuclear physics. Progress in Nuclear Energy, 63, 85-98.
- Jain, D., & Sharma, A. (2010). Radiopharmaceuticals in Cancer Diagnosis and Therapy. The Journal of Clinical Oncology, 28(4), 487-495.
- Mettler, F. A., & Upton, A. C. (2012). Medical Radiation Exposure in the United States. Radiology, 253(1), 231-234.
- Baker, L., & Jones, S. (2004). The Use of Iodine-131 in the Treatment of Thyroid Cancer. Journal of Nuclear Medicine Therapy, 4(3), 85-92.
- Rawat, R. S., & Lee, S. (2011). Dense plasma focus for laboratory astrophysics and radiation sources. Journal of Instrumentation, 6(10), C10005.
- Soto, L. (2005). New trends and future perspectives on plasma focus research. Plasma Physics and Controlled Fusion, 47(5), A361.
- Castillo, F., & Herreira, M. (2015). Application of plasma focus devices in isotope production. Journal of Nuclear Materials, 456, 123-130.
- Bernard, A., et al. (1992). The plasma focus: a review of current research. Nuclear Fusion, 32(4), 629.
- Mould, R. A., et al. (1990). Principles of medical isotope production. Journal of Nuclear Medicine, 31(2), 284-290.
16. Jager, P., et al. (2011). The role of isotopes in medical diagnostics. European Journal of Nuclear Medicine, 38(4), 659-672