الـجــامعــــة الــوطنيـــــة الـخــاصـــــة

الواحة الأكاديمية للجامعة الوطنية الخاصة

سوق دمشق للأوراق المالية في مرحلة ما بعد العقوبات : نافذة للفرص أم مرآة للتحديات

الكاتب: د. ديمة حسين فارس

كلية العلوم الإدارية و المالية - الجامعة الوطنية الخاصة

الملخص

لقد تأثر سوق دمشق للأوراق المالية بشكل كبير جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا خلال السنوات الماضية. ومع رفع هذه العقوبات، تتبلور فرص استراتيجية لتعزيز أداء السوق من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية، زيادة السيولة، وتنويع الأدوات المالية المتاحة. يمكن للسوق أن يتحول إلى قناة رئيسة لتمويل جهود إعادة الإعمار في البلاد، شريطة تحسين البنية التحتية التقنية، وتعزيز الشفافية والحوكمة، بالإضافة إلى دعم السيولة عبر تطوير أدوات مالية جديدة. غير أن السوق يواجه تحديات هيكلية كبيرة، منها ضعف البنية التحتية المالية، وعدم الاستقرار السياسي، وتفاوت أسعار الصرف، وارتفاع مستويات الديون الخارجية. ومن هنا، يتوجب الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي تجاوزت أزمات مماثلة لتحقيق الاستفادة القصوى من الفرص المتاحة. يمثل رفع العقوبات فرصة تاريخية لإعادة بناء سوق دمشق للأوراق المالية، ليصبح رافعة أساسية للنمو الاقتصادي والاستقرار المالي في سوريا.

الكلمات المفتاحية: العقوبات الاقتصادية, سوق دمشق للأوراق المالية.

المنهج المتبع: المنهج الوصفي و المنهج التحليلي .

المقدمة :

شهد الاقتصاد السوري خلال العقد الأخير تحديات غير مسبوقة، بفعل الحرب والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، والتي أثرت بشكل مباشر على قطاع المال والاستثمار. تُعد سوق دمشق للأوراق المالية من المؤسسات الاقتصادية التي تأثرت سلباً بهذا الوضع، إلا أن مرحلة ما بعد رفع العقوبات تمثل فرصة استراتيجية لإعادة بناء الثقة واستقطاب رؤوس الأموال. أن تحرير الاقتصاد من القيود قد يجذب استثمارات أجنبية، ويعزز التكنولوجيا المالية، وينعش القطاعات الإنتاجية. لكن هذه الفرص ليست مضمونةً، إذ تواجه سوريا تحديات بنيوية كضعف البنية التحتية المالية، وغياب الشفافية، وتراكم مخاوف المستثمرين من عدم الاستقرار السياسي. و عليه يوجد العديد من السيناريوهات المحتملة لتحفيز “DSE”، مع التركيز على العوامل التي قد تحوّله من سوق هامشي إلى قناة رئيسة لتمويل إعادة الإعمار، شرط توافر إصلاحات جذرية تدعم الثقة وتُعيد الربط مع الاقتصاد العالمي. و يمثّل رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا فرصة استراتيجية لإعادة تفعيل سوق دمشق للأوراق المالية، ليس فقط كمنصة تداول، بل كأداة فعّالة لتمويل النمو الاقتصادي وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي. (1)

1- الفرص المتوقعة بعد رفع العقوبات :

  • تحفيز النمو الاستثماري وزيادة السيولة: مع رفع القيود المفروضة على التحويلات المصرفية والاستثمار الأجنبي، يصبح السوق أكثر جذبًا للمؤسسات المالية وصناديق الاستثمار الإقليمية والعالمية، مما يؤدي إلى زيادة السيولة اليومية، وتوسيع قاعدة المستثمرين، وتعزيز التقييمات السوقية. مثال على ذلك، سوق طهران للأوراق المالية، الذي شهد بعد توقيع الاتفاق النووي في 2015 ارتفاعًا ملحوظًا في قيم التداول اليومية بنسبة تجاوزت 150% خلال ستة أشهر، نتيجة دخول رؤوس أموال أجنبية وخليجية.
  • إستقطاب الشركات الأجنبية للإدراج أو الشراكة: تُتاح الفرصة أمام الشركات متعددة الجنسيات لدخول السوق عبر شراكات مع شركات مدرجة، أو عبر الإدراج المشترك، وهو ما يُعزز من تنوع السوق ويرفع مستوى الحوكمة. على سبيل المثال، سوق العراق للأوراق المالية بعد تخفيف العقوبات في 2003 شهد إدراج شركات مصرفية واتصالات أجنبية على المدى المتوسط، مثل شركة “آسياسيل”.
  • إعادة تقييم الأصول المحلية: غالبًا ما تكون الأصول والأسهم المحلية مسعّرة بأقل من قيمتها الحقيقية خلال فترات العقوبات. وعند رفعها، تحدث موجة من “إعادة التسعير”، ما يجذب مستثمرين يبحثون عن فرص ذات مخاطرة مرتفعة وعوائد محتملة كبيرة. هذا ما حصل في بورصة السودان عام 2020 بعد تخفيف العقوبات الأميركية، حيث تضاعف تقييم عدد من البنوك وشركات الاتصالات بفعل الإقبال على شراء الأصول الرخيصة.(2)
  • التكامل مع الأسواق الإقليمية: قد تُمهّد المرحلة التالية لربط سوق دمشق مع أسواق المال العربية أو إقامة صناديق استثمار مشتركة، كما فعلت بورصة بيروت بعد الحرب الأهلية، حين ارتبطت بالصناديق الخليجية ومؤسسات التمويل الفرنسية، ما أعاد تنشيط القطاع المالي اللبناني لفترة من الزمن.
  • تطوير أدوات مالية جديدة: رفع العقوبات يفتح الباب لتفعيل أدوات استثمارية متقدمة مثل المشتقات المالية، الصكوك الإسلامية، والسندات السيادية، وهي أدوات لا يمكن تشغيلها في بيئة معزولة دوليًا. هذا التطور تم تطبيقه تدريجياً في سوق مصر المالية بعد استقرار الوضع السياسي وعودة المستثمرين في 2014–2015، ما ساهم في تنويع المحافظ الاستثمارية

2- العوامل التي قد تساعد في تحويل سوق دمشق للأوراق المالية إلى قناة رئيسة لتمويل إعادة الإعمار:

    • تحسين البنية التحتية التكنولوجية  : كإدخال منصات التداول الإلكتروني وتطبيقات الهواتف الذكية لزيادة الكفاءة وجذب مستثمرين جدد, وتفعيل خدمات مثل فتح الحسابات الإلكترونية وإدارة الاستثمار عن بُعد، مما يسهل مشاركة المستثمرين المحليين والدوليين . 
    • تنويع الأدوات المالية وجذب الشركات:  إن إدراج المزيد من الشركات الحكومية والخاصة عبر خصخصة جزء من القطاع العام، ويمكن النظر في تقديم حوافز للشركات العائلية والخاصة الصغيرة والمتوسطة للإدراج في السوق. يمكن أن تشمل هذه الحوافز تخفيضات ضريبية مؤقتة أو تسهيلات في متطلبات الإدراج الأولية. هذا سيُساهم في توسيع قاعدة الشركات المدرجة وتنويع القطاعات الممثلة في السوق. إضافة إلى  توسيع نطاق الأدوات المالية المدرجة، مثل إصدار سندات بالعملات الأجنبية والصكوك الإسلامية، والتي تُعتبر أدوات جاذبة للاستثمارات الخارجية . 
    • تعزيز الشفافية والحوكمة: حيث أن الالتزام بمتطلبات الإفصاح الدوري والتدقيق المحاسبي للشركات المدرجة، يعزز من ثقة المستثمرين ويضمن تسعيرًا عادلًا للأوراق المالية . يضاف لذلك تطبيق إصلاحات تشريعية، مثل قانون الصكوك الإسلامية وقانون الضريبة الموحد، لتحسين البيئة الاستثمارية . 
    • دعم السيولة عبر سندات الخزينة:  إن  استخدام سندات الخزينة المدرجة في السوق لتمويل العجز الحكومي دون التسبب بالتضخم هو أحد أدوات التمويل مع فتح باب الاكتتاب في السندات لشركات الوساطة والأفراد، مما يزيد من مشاركة القطاع الخاص . 
    • الشراكات الإقليمية والدولية:بتعزيز التكامل مع الأسواق المالية الإقليمية عبر الانضمام إلى مؤشرات استثمارية خليجية أو آسيوية، مما يعزز السيولة ويجذب الاستثمارات الخارجية . حيث أن التعاون  المتوقع مع مؤسسات مثل البنك الدولي لدعم البنية التحتية المالية وتقديم ضمانات للمستثمرين الأجانب تسهم في جعل السوق فرصة واعدة للاستثمارات.(3) 
    • التحفيزات الضريبية والإعفاءات: بما يضمن منح إعفاء لتوزيعات الأرباح النقدية والسهمية من الضرائب، مما يجعل الاستثمار في السوق أكثر جاذبية مقارنة بالبنوك التي لا تغطي عوائدها معدلات التضخم يشمل ذلك  تقديم استثناءات لعمليات سحب الأموال من السوق لتسهيل حصول المستثمرين على السيولة النقدية . 

3- التحديات المحتملة أمام سوق دمشق للأوراق المالية :

    • البنية التحتية المالية الهشة: لكون أنظمة التداول الحالية في سوق دمشق تعتمد على تقنيات قديمة غير قادرة على مواكبة الأسواق العالمية، ذلك  يُضعف من الكفاءة  المرجوة ويحد من جذب المستثمرين الأجانب. كما أن غياب منصات التداول الإلكتروني المتطورة يُقلل من سيولة السوق .حيث  يحتاج القطاع المصرفي إلى تحديثات جوهرية، مثل إعادة الاتصال بمنظومة “سويفت” الدولية للتحويلات المالية، والتي كانت مُعلّقة بسبب العقوبات .
    • عدم الاستقرار السياسي والأمني: رغم رفع العقوبات، تبقى المخاطر الجيوسياسية عالية بسبب التوترات الإقليمية فالمستثمرون الأجانب يحتاجون إلى ضمانات ضد تقلبات الأوضاع الأمنية.
    • الفجوة بين السعر الرسمي والسوق السوداء للعملة: بلغت الفجوة بين سعر صرف الليرة السورية الرسمي والموازي مستويات قياسية  مما يُضعف ثقة المستثمرين ويعيق تدفق العملات الأجنبية . حتى مع تحسن سعر الصرف مؤقتًا بعد رفع العقوبات، تبقى التوقعات التضخمية مرتفعة بسبب عدم استقرار السياسات النقدية .
    • الديون الخارجية الثقيلة والالتزامات المالية:   تُقدَّر ديون سوريا الخارجية بأكثر من 50 مليار دولار، بما في ذلك مطالبات من إيران وروسيا لدعم نظام الأسد السابق. هذه الديون قد تُعتبر “ديونًا رديئة” تُعقّد إعادة الهيكلة المالية . فسورية تعاني  أيضًا من نقص حاد في الاحتياطيات الأجنبية (حوالي 200 مليون دولار فقط)، مقارنة بـ 18.5 مليار دولار قبل الحرب بحسب التصريحات الرسمية. (3)
    • ضعف الشفافية والحوكمة:إن  تاريخ الفساد وغياب الإفصاح المالي الدقيق للشركات المدرجة يُقلل من ثقة المستثمرين. مما يعزز من ضرورة إجراء إصلاحات تشريعية عاجلة لتعزيز حوكمة الشركات ومكافحة الاحتكار وعليه فإن غياب تشريعات حماية المستثمرين وعدم وضوح القوانين الضريبية يُشكل عائقًا أمام جذب الاستثمارات الخارجية .(5)
    • المنافسة الإقليمية والاعتماد على القطاعات التقليدية:   تواجه سوريا منافسة من أسواق مالية إقليمية أكثر نضجًا، مثل الأردن وعُمان، التي تتمتع ببيئة تنظيمية أفضل . فالاقتصاد السوري يعتمد بشكل كبير على قطاعات تقليدية مثل النفط والزراعة، والتي تعاني من تدهور بنيتها التحتية.
    • الاعتماد على العملة المحلية وضعف التمويل: معظم الإصدارات المالية في السوق تعتمد على الليرة السورية ذات القوة الشرائية المنخفضة، مما يحد من جاذبية الأدوات الاستثمارية مثل السندات.

4- تحليل SWOT لسوق دمشق للأوراق المالية بعد رفع العقوبات :  

يوضح الجدول التالي نقاط الضعف و القوة و التحديات و الفرص المتوقعة لسوق دمشق للأوراق المالية بعد رفع العقوبات الموضوعة على الاقتصاد السوري وهي كما يلي:

الجدول رقم (1) تحليل Swot لسوق دمشق للأوراق المالية بعد رفع العقوبات

نقاط القوة (Strengths)

نقاط الضعف (Weaknesses)

وجود سوق منظم للتداول الرسمي
 إمكانية التطوير التشريعي
 بعض الشركات المدرجة رابحة
 دعم حكومي محتمل

ضعف الشفافية والإفصاح المالي
 بنية تحتية تقنية متقادمة
 قلة تنوع الشركات المدرجة
 ضعف السيولة وانخفاض حجم التداول

الفرص (Opportunities)

التهديدات (Threats)

تدفقات محتملة لرؤوس الأموال
 تطوير أدوات مالية جديدة
 خصخصة شركات وفتح سوق الاكتتاب
 شراكات دولية لتعزيز السوق

استمرار التوترات السياسية
 فجوة سعر الصرف وعدم الاستقرار النقدي
 منافسة من أسواق مالية مجاورة
 ضعف ثقة المستثمرين الأجانب

5- الدروس المستفادة من تجارب الدول المماثلة :

وفقًا لتقرير البنك الدولي تُعد تجربة سيراليون من أبرز النماذج التي نجحت في إعادة تشغيل أسواقها المالية بعد حرب أهلية مدمرة (1991–2002). فقد قامت بإصلاح شامل للقطاع المالي بدعم من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وعملت على تأسيس بيئة قانونية وتنظيمية جديدة و إنشاء بنك تنمية حكومي متخصص بتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة ودعمها في الإدراج بالبورصة.

حيث تلقت سيراليون مساعدات تقنية من مؤسسات مثل:البنك الدولي و مؤسسة التمويل الدولية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي  حيث تم تزويد السوق بتقنيات إلكترونية حديثة للتداول ومراقبة الأسعار، وتم تدريب الكوادر المحلية على استخدامها. إما النتائج بعد خمس سنوات من التطبيق تمثلت بزيادة عدد الشركات المدرجة في البورصة بحسب التقرير المنشو تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا وعليه فإن البدء بإصلاح تشريعي عميق للقطاع المالي. وتطوير وتأهيل العاملين في هيئة الأوراق المالية  من خلال التعاون الوثيق مع المؤسسات الدولية لبناء القدرات التقنية والبشرية و تحسين الوعي الداخلي بأهمية ثقافة التداول تنعكس بشكل إيجابي على واقع السوق في المرحلة القادمة. (6)

الخاتمة :

إن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا يشكل نقطة تحول محورية في المسار المستقبلي لسوق دمشق للأوراق المالية، ويفتح المجال أمام فرص حقيقية لإعادة هيكلة السوق وتعزيز فعاليته وجاذبيته الاستثمارية. وعليه أن مرحلة ما بعد العقوبات قد تشهد تدفقات محتملة لرؤوس الأموال، وعودة تدريجية للثقة لدى المستثمرين المحليين والدوليين، إلى جانب إمكانية تحديث البنية التشريعية والتقنية للسوق.

مع ذلك، فإن تحقيق هذه الفوائد يظل مرهونًا بمدى قدرة الدولة والمؤسسات المعنية على معالجة التحديات البنيوية المتراكمة، مثل ضعف الشفافية، ومحدودية السيولة، وغياب التنوع القطاعي في الأوراق المالية المطروحة. وبالتالي، فإن الاستفادة من تجارب الدول الخارجة من النزاعات، كسيراليون ورواندا، قد يوفّر خارطة طريق لتعزيز التعافي وبناء سوق مالي أكثر كفاءة واستدامة.

إن الاستثمار في بيئة قانونية وتنظيمية مستقرة، وتعزيز دور المؤسسات المالية الوسيطة، وتفعيل أدوات الحوكمة، تُعد جميعها شروطاً أساسية لضمان انتقال السوق من حالة الجمود إلى ديناميكية النمو. وعليه، فإن مرحلة ما بعد رفع العقوبات تمثل فرصة تاريخية لصياغة عقد اقتصادي جديد، تكون فيه سوق دمشق للأوراق المالية رافعة حقيقية للتنمية والاستقرار.

المراجع :

  1. Word Bank (2021). “Financial Market in post conflict zones”.
  2. IMF (2022). Press release No 24/402.
  3. IMF (2023). “Country report”, No 24/321.
  4. World Bank Group. (2025). Debt Sustainability in Emerging Economies. Washington, D.C.: World Bank.
  5. European Council (2025). “Syria: EU suspends restrictive measures on key economic sectors”.
  6. UNECA Report (2024). “Pioneering the future strengthening capital markets in Guinea and Sierra Leone”.

تنفيذ إدارة المواقع الالكترونية في الجامعة الوطنية الخاصة 2025

أهلا وسهلا بكم في الواحة الأكاديمية للجامعة الوطنية الخاصةانقر لزيارة الموقع الرسمي للجامعة الوطنية الخاصةانقر لزيارة موقع الواحة الطلابية للجامعة الوطنيةانقر لزيارة موقع المكتبة الالكترونية للجامعة الوطنية الخاصة
Scroll to Top