ملخص
تُعد ظاهرة سن اليأس Menopause من الظواهر الفيزيولوجية الطبيعية ويُطلق عليها بالشيخوخة الإنجابية، يعود سببها الأساسي العامل الوراثي، وثمة أسباب أخرى لهذه الظاهرة مثل استئصال المبيضين Etiology، أو التداوي بالعلاج الكيميائي أو الإشعاعي لمرضى الأورام الخبيثة والتي تؤدي الى نوع آخر يُطلق عليه سن اليأس المُبكر؛ كلا النوعين يشتركان بأعراض معينة منها: فقدان الرغبة الجنسية، ارتفاع الحرارة، آلام مفصلية، آلام في الثديين فضلاً عن الصداع النصفي؛ وقد أجريت أبحاث عدة للتخفيف من هذه الأعراض باستخدام الهرمونات التجارية HRT إلا أن لها آثار جانبية خطيرة تجاوزت منافعها بسبب حدوث اضطرابات لبقية الهرمونات الجسدية، لذلك تم السعي بالأبحاث عن البدائل الطبيعية باستخدام الطب البديل بغية تحقيق التوازن الطبيعي بين هرمونات الجسم، ومن أهم البدائل الطبيعية جذور عشبة الجنسنغ الكوري الأحمر Panax ginseng.
الكلمات المفتاحية: سن اليأس/الشيخوخة الإنجابية/جذور الجنسنغ/الهرمونات الجنسية
مقدمة
في أوائل القرن الماضي لم تتجلىّ الوقاية من ظاهرة أعراض سن اليأس Menopause بشكل جليّ وواضح، لكن ومنذ زمن ليس ببعيد أصبحت الوقاية من هذه الظاهرة ضرورة ملحة خاصة مع ارتفاع المعدل الوسطي لعمر الانسان، إذ تحدث لدى حوالي نصف النساء اللاتي يتراوح متوسط أعمارهن بين 45-51 سنة، ويعود السبب الرئيس لسن اليأس هو العامل العائلي (وراثي) ونُطلق عليه سن اليأس الطبيعي أو الشيخوخة الإنجابية، كما ثمة حالات مرضية Etiology كاستئصال المبيضين، أو التداوي بالعلاج الكيميائي أو الشعاعي [1]، مؤدياً أيضاً إلى سن اليأس ويُدعى بسن اليأس المبكر، ولا تختلف أعراضه عن أعراض سن اليأس الناتج عن الشيخوخة.
من هذه الأعراض:
أكثر من 80% من النساء يعانين من هبات حروريَّة، تظهر في البداية كحرارة في أعلى الصدر والوجه، ثم تنتشر في جميع أنحاء الجسم؛ مع استمرارها من 2-4 دقائق تترافق مع تعرقات، وخفقان القلب، وقشعريرة البدن؛ تحدث هذه الأعراض عدة مرات في اليوم إلا أنها تزداد في ساعات الليل، وتمتد هذه الظاهرة لمدة 4-5 سنوات، وقد تستمر بعد سن 70؛ كما تشتكي 32-40% من النساء من اضطرابات النوم بسبب هذه الهبات الحروريّة [2].
من أعراضه أيضاً جفاف المهبل، وانخفاض الرغبة الجنسية، ويعود ذلك إلى انخفاض في سماكة ومرونة الغشاء المخاطي الذي يبطن المهبل مما يؤثر سلباً على انخفاض الرطوبة المهبلية عند الإثارة الجنسية مسبباً الآلام والحكة أثناء الجماع، كما يتغير لونه من المحمر إلى شاحب، مع تلاشي شعر العانة؛ كما يصل أثره إلى الأغشية المخاطية للجهاز البولي مسبباً حرقة أثناء التبول، وزيادة حدوث الإنتانات في المسالك البولية مع انخفاض تدفق البول مترافقاً في بعض الأحيان بسلس بولي.
كما تظهر عند 50-60% من النساء آلاماً مفصليةً خاصةً عند اللواتي يعانين من الوزن الزائد، مع هشاشة عظميّة، والتي تبلغ ذروتها في السنتين الأوليتين من سن اليأس بعدها تقل حدتها في السنوات الخمس التالية، فضلاً عن ضعف توازن الجسم مما يكثر من احتمالية السقوط ومن ثم الكسور.
أضافة إلى ذلك تظهر أيضاً آلام متقطعة في الثديين من بداية سن اليأس نتيجة احتقانهن؛ كما تظهر اضطرابات في الأنسجة الكولاجينية في أدمة الجلد مسبباً بذلك ظهور تجاعيد فيها.
ونلاحظ أيضاً ازدياد آلام الصداع النصفي (الشقيقة)عند %20 خاصةً عند اللاتي يعانين مسبقاً منه أثناء الدورة الشهرية؛ فضلاً إلى تزايد احتمالية الإصابة بالاكتئاب خاصة عند اللواتي يعانين سابقاً من الاكتئاب ما بعد الولادة؛ مع حدوث ضعف في الإدراك مع تشوشات ذهنية، وضعف بالذاكرة نتيجة اضطرابات فيزيولوجية عصبية هرمونية.
كما تتعدى أعراض سن اليأس إلى تغيرات نسب الدهون في الدم إذ ترتفع قيم الكولسترول السيئ منخفض الكثافة (LDL) وتنخفض قيم الكولسترول الجيد عالي الكثافة(HDL) مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض الأوعية الدموية والنوبات القلبية [3,4].
يعود سبب هذه الأعراض إلى تغيرات هرمونية مبيضية متمثلةً بالهرمونات Estrogens، إذ يعد المبيض غدة مختلطة الافراز Mixed Gland يَكْمن جزؤها داخلي الإفراز بالجريبات المبيضية Ovarian follicles التي تفرز الهرمونات Estrogens المتعددة ، والأجسام الصفراء Corpus luteum التي تفرز هرمون Progesterone، وكلا هذان الهرمونان يساهمان في حدوث الإباضة والحمل والتحكم في تنظيم الدورة الطمثية Menstrual Cycle, فضلاً عن هرمونات الفص الأمامي للغدة النخامية (هرمون المنشط للجريبات FSH , وهرمون الإباضة أو الملوتنLH ) [5]؛ لكن أي خلل يحدث بسوية هذه الهرمونات الجنسية سواءً نتيجة نضوب الجريبات المبيضية (الشيخوخة),أو استئصال مبيضي، أو علاج كيميائي أو اشعاعي يؤثر على الانقسامات الخلوية للخلايا الجريبية المنتجة للهرمونات الاستروجينية (سن يأس مبكر) محدثاً بذلك تغيرات في الدورة المبيضية مؤثرةً على بقية الهرمونات من خلال آلية التغذية الراجعة (السلبية أو الإيجابية)Feedback mechanism ، مؤدية إلى ما يعرف بأعراض سن اليأس؛ علماً بأن جسم الإنسان يخضع تحت سيطرة عصبية هرمونية معاً.
الشكل (1): يوضح آلية التنسيق بين الهرمونات المبيضية وهرمونات الوطاء والنخامية بآلية التغذية الراجعة
الطرق العلاجية
في بادئ الأمر كانت العلاجات المستخدمة للحد من تلك الأعراض هرمون Estrogens التجاري كبديل لنقص الهرمون الطبيعي (دواء ESTROFEM)، إلا أن الباحثين من كلية Québec الكندية حذرت من استخدام الهرمونات البديلة التجارية (HRT) كما أجرت الجمعية الأمريكية (FDA) عام 2002م [6] دراسة سريرية حول الهرمونات البديلة وجدت فيها آثاراً جانبية خطيرة تجاوزت منافعها، منها سرطان الرحم والمبيض والثدي والكولون، وقد تصل للسكتة الدماغية نتيجة نقص تدفق الدم إلى الدماغ، إضافةً إلى الأخطار القلبية والوعائية كالجلطات والنوبات القلبية وارتفاع ضغط الشرياني، والنزوفات المهبلية، فضلاً عن اضطراب وظائف الكبد، وآلام في الثدي تتعدى إلى ظهور إفرازات منه، وصداع مستمر، وتساقط الشعر، والغثيان، والتقيؤ، وآلام في البطن؛ إضافة إلى آلام الظهر، وآلام في العضلات مع تورم الساقين، والاكتئاب، والدوخة مع اضطرابات في الكلام والرؤية، والحمى حتى الإغماء، واصفرار الجلد والعينين وزيادة في الوزن؛ كل ذلك ناتج عن عدم تقبل الجسم للهرمونات التجارية فضلاً عن صعوبة الحصول على النسبة الصحيحة للجرعة الهرمونية البديلة؛ مما يعرقل الرسائل المتبادلة بين الهرمونات الأخرى مُحدثاً بذلك اضطرابات هرمونية أخرى، إضافة ًإلى تكسل الغدة المسؤولة عن إنتاج الهرمون الطبيعي واتكالها مع مرور الوقت كلياً على الهرمون التجار المعطى[7,8].
لذلك التفت الباحثين إلى إيجاد آلية تتضمن التخلص من أعراض سن اليأس دون احداث تأثيرات جانبية للهرمونات البديلة التجارية مع تحقيق التوازن الطبيعي بين هرمونات الجسم باستخدام الطب البديل complementary and alternative medicine (CAM) فقد تم استخدام العديد من الأعشاب النباتية التي تنشط هرمون Estrogens أو تقلده بالنشاط الوظيفي، وليس لها تأثيرات جانبية كالهرمونات التجارية [9]. ومن أهم تلك الأعشاب جذور عشبة الجنسنغ الكوري الأحمر [10].
عشبة الجنسنغ
تعد عشبة الجنسنغ من أقدم المواد الطبيعية وأكثرها انتشاراً في كوريا، حيث كانت تستخدم منذ أكثر من 7000 سنة كنوع من المنكهات الطبيعية التي تضاف للطعام، وسرعان ما اكتشف مفعولها السحري إذ تمتلك القدرة على شفاء عدد كبير من الأمراض؛ لذلك تم تسميتها من قبل الصينيين واليابانيين بالوصفة السحرية. من هنا تم تسميتها باليونانية Panax Ginseng ، وتعني الدواء لكل داء، وإلى يومنا هذا يتم اكتشاف فوائدها العلاجية المختلفة[11]؛ ومنذ عام 1990م تم وضع عشبة الجنسنغ ضمن قانون المتممات الغذائية؛ لتُلحق بمجموعة الفيتامينات والمعادن والبروتينات حسب قانون المتممات الغذائية DSHEA، وقانون التوسيم والتثقيف الغذائي NLEA (التابعة لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية في حكومة الولايات المتحدة الأميركية)؛ فضلاً عن تجهيز هذه العشبة بأشكال صيدلانية مختلفة كأن تجفف وتوضع في أكياس كأكياس الشاي، أو على شكل كبسولات دوائية . [12]
تعيش هذه العشبة أكثر من ألف سنة، ويتم جمع محصولها كل 6-7 سنوات، إذ تمتلك جذوراً طويلة غليظة متفرعة على هيئة جسم إنسان يمد ساقيه وذراعيه في الهواء (لذلك تُسمى عشبة جذر الإنسان)، تتمتع بلون يشبه لون الجزر الأحمر، وعندما تجف يصبح لونها أميل إلى البني؛ تتركز مركباتها الفعالة في جذورها المجففة [13]
الشكل (2): صور توضح عشبة ىالجنسنغ مع ثمارها وجذورها
من أهم مركباتها الفعالة:
أحماض الجنسينغ Ginsenoside Triterpene: تحتوي على أكثر من 30 نوعاً معظمها يمتلك قابلية الانحلال في الماء، ويتم امتصاصها في الأمعاء الدقيقة [14].
مركبات Saponin: تحتوي على أكثر من 25 نوعاً قابلة للانحلال في الماء[15].
مركبات Glycosides الستروئيدية: إذ تمتلك هذه العشبة وبالأخص جذورها المجففة قدرة علاجية لاضطراب مستوى الهرمونات الجنسية ذات الطبيعة الاستروئيدية، وبالأخص هرمونات Estrogens [16,17]، فقد تبين لنا في بحث أجريناه عام 2023 [18] أن لجذور عشبة الجنسنغ قدرة على زيادة نسب الهرمونات الجنسية وتحفيزها من خلال ما تمتلكه من عناصر فعالة تعمل على تحفيز اصطناع هذه الهرمونات حيث تحتوي على Saponine وGycosides (معقدات من 3- OHإلى 17-OH ) التي تلعبت دوراً بشكل غير اعتيادي في تحفيز هرمونات الفص الأمامي للغدة النخامية Pituitary Gland منشطةً بذلك وبشكل أكبر خلايا دلتا الأساسية الحاثة للمناسل Gonadotrophs Cells التي تنتج الهرمون الحاث لتطور الجريباتF.S.H ، وهرمون الاباضة الليتوئيني L.H، وبدورهما يؤديان إلى زيادة تحريضيّة (وفقاً لآلية التغذية الراجعة الإيجابيةFeed-back Positive التي تم ذكرها سابقا) على الجريبات المبيضية المنتجة لهرموني الاستراديول Esteroidal والبروجسترون Progesterone مُستدعياً بذلك تعويض النقص الهرموني؛ فضلاً عن ذلك أن جذور عشبة الجنسنغ تمتلك عناصر أخرى فعالة تدعى أحماض Ginsenoside وأهمها حمضRh1 الذي بدوره يرتبط بأحد مستقبلات الاستروجينية بتا β في الغشاء البلاسمي في الخلايا الجريبية مما يحث على تحفيز المورثة المسؤولة عن اصطناع هرمونات الاستروجينات لتشكيل mRNA فينشطه بدلاً من المعقد الحقيقي الطبيعي لينتج عند ترجمته في Ribosomes هرمونات الاستروجينات ومنها هرمون الاستراديول بالتالي تعويض هذا النقص الهرموني، وكذلك الأمر في هرمون البروجسترون؛ إضافة إلى وجود التشابه في البنية الفراغية بين معقدات أحماض Ginsenosides وهرمونات Oestrogens إذ تُحاكي هذه الأحماض البنية الفراغية للهرمون الطبيعي وبالتي تؤثر ببنيتها الفراغية على المستقبلات الخلوية المعتمدة على الشكل الفراغي (GPCRs) بارتباطها بمستقبلات الرحمية (تدعى مستقبلات الإستروجينية ألفا ERalpha) فتنشطها بدلاً من هرمون Estrogens الطبيعي نفسه. لذلك يمكن لجذور الجنسنغ تعويض نقص أو غياب هرمونات الإستروجينية بشكل طبيعي دون التعرض لمخاطر الهرمونات التجارية.
أخيراً وبخلاصة التجربة التي قمنا بها ننصح السيدات اللواتي بلغن سن اليأس أو أشرفن على بلوغه بتناول جذور عشبة الجنسنغ بنسبة لا تزيد عن 200mg/Kg/Day لتنشيط خلايا بطانة الرحم والقضاء على التجفاف والنزوف الرحمية والمهبلية والتغلب على أغلب الأعراض الناتجة عن سن اليأس، وتنشيط فيزولوجية الجسم.
المراجع
1-Wallace A,. Thomas A, and Gardner E. (2004) OVARIAN TOXICOLOGY. Patricia B.Hoyer, editor , CRC Prees 248 pp.
2-Nelson H,. Vesco K, and Haney E.(2006) Nonhormonal therapies for menopausal hot flashes: systematic review and meta-analysis. JAMA ;295(17):2057-71. PMID: 16670414.
3-Evidence-based Practice Center Systematic Review Protocol. (2012) Menopausal Symptoms: Comparative Effectiveness Review of Therapies, J. effective Health Care, aheq. April (3)
4-Desaulniers J. (2011) menopause,des. gynecologist, Centre hospitalier Fleury in Le college Québec Canada.
5-Lawrence V.(2012) God’s Design – The Glandular System, Partnering with God in Health and Wellness Series Class Seven. J: spirit of health, 901-913.
6-Tsai A,. Stefanick ML, and Stafford S.(2010) Trends in menopausal hormone therapy use of US office-based physicians, 2000-2009. J: Menopause ,18(4):385-92. PMID: 21127439.
7-Rossouw E,. Anderson L, and Prentice L. (2002) Risks and benefits of estrogen plus progestin in healthy post menopausal women: principal results from the Women’s Health Initiative randomized controlled trial. JAMA; 288(3):321-33. PMID: 12117397.
8-Prentice L., Langer R, and Stefanick L. (2005) Combined post-menopausal hormone therapy and cardiovascular disease: toward resolving the discrepancy between observational studies and the Women’s Health Initiative clinical trial. Am J Epidemiol;162(5):404-14. PMID: 16033876.
9- Fakim A (2006) Medicinal plants: Traditions of yesterday and drugs of tomorrow, Molecular Aspects of Medicine. Faculty of Science, University of Mauritius, Reduit, Mauritius 27, 1–93.
10-American herbal products association safety rating system.,(2004) erbals Complementary and Alternative. J: Medicines. 27(2):223-228
11-The Natural Medicines Comprehensive Database. (2007) GINSENG, PANAX. Pharmacists LETTER, Stockton.
12-Heli J., Roy D, and Kalicki B. (2007) Ginseng, J: Pennington Nutrition Series, Division of Education from Pennington Biomedical Research Center, in Baton Rouge, Louisiana ,No 8, 2007 ,Oct.
13-رشدي، محمود.(2010) موسوعة العلاج بالأعشاب، مكتبة مشكاة الإسلامية
WWW.W4host.com/forums/forumdisplay.php
14-Leung W, and Tsai Wong A,. (2010) Pharmacology of ginsenosides. J: Chinese Medicine, 5:20 Pp7.
15-Lee J,. Jin R,. Lim C,. Ji M,. Choi S,. Jang S, and Lee SK. (2003) A ginsenoside-Rh1, a component of ginseng saponin, activates estrogen receptor in human breast carcinoma MCF-7 cells. J: Steroid Biochem Mol Biol, 84:463-468.
16-Amato P,. Christophe S, and Mellon PL (2002) Estrogenic activity of herbs commonly used as remedies for menopausal symptoms. J: Menopause, 9:145-150.
17-Liu J, Burdette E,. Xu H,. Gu C,. Bhat L,. Booth N, and Bolton L.(2001) Evaluation of estrogenic activity of plant extracts for the potential treatment of menopausal symptoms. J: Agric Food Chem, 49:2472-2479.
18-Taweelh A. (2023) The Use of Ginseng to Treat Disturbances of Sexual Hormones in the Ovaries Caused by Chemical Doses of Doxorubicin (Drug).The Scientific Journal of King Faisal University: Basic and Applied Sciences, Vol 2 Issue 24, July , ISSN:1658-0311.