استخدام القوة الناعمة في تعزيز الصورة الذهنية للدولة السورية
كلية العلوم الإدارية و المالية - الجامعة الوطنية الخاصة
ملخص المقال
يمكن أن تتلخص أهداف هذا البحث بالنقاط الآتية:
وللوصول إلى هذه الأهداف تناول الباحث العناوين الآتية:
التسويق القائم على القيم, التسويق الرقمي, التسويق الاجتماعي, تسويق الهوية الوطنية كعلامة تجارية, التسويق لسوريا كعلامة تجارية.
8. استراتيجيات مقترحة لتحسين الصورة الذهنية:
إبراز الوجه الحضاري للإسلام في سوريا, تعزيز وسائل الإعلام والتواصل الرقمي, تفعيل الدبلوماسية الثقافية, تعزيز الدور الديني المعتدل, التفاعل مع المجتمع الدولي وبناء شبكة من التحالفات الدولية, قياس النجاح وتقييم فعالية استراتيجيات تسويق الصورة الذهنية, التركيز على اللغة الإيجابية غير الوعظية في المنتجات الإعلامية.
الكلمات المفتاحية: القوة الناعمة, مبادئ الشريعة الإسلامية, الصورة الذهنية.
مقدمة
تسعى الدول الحديثة إلى بناء صورة ذهنية إيجابية تعكس هويتها وقيمها، مما يعزز من مكانتها على الساحة الدولية. في حالة سوريا التي مرت بتحديات كبيرة في السنوات الأخيرة، يصبح من الضروري إعادة بناء هذه الصورة باستخدام أدوات فعّالة. وتُعد القوة الناعمة ومبادئ الشريعة الإسلامية من بين هذه الأدوات، خاصة عند دمجها مع مبادئ التسويق الحديثة التي تركز على بناء علاقات مستدامة مع الجمهور المستهدف حيث أن الصورة الذهنية للدولة تمثل التصور العام الذي يتكون في أذهان الأفراد والمجتمعات عن دولة معينة. وهي مزيج من الانطباعات والأفكار والمشاعر التي تتولد بناءً على المعلومات التي يحصل عليها الناس من خلال وسائل الإعلام، والتجارب الشخصية، والتاريخ، والعلاقات بين الدول. كما تُعد الصورة الذهنية للدولة عنصراً مهماً في تشكيل السياسة الداخلية والخارجية، فضلاً عن تأثيرها على العلاقات الدولية. حيث تواجه الدول تحديات عديدة في تعزيز صورتها الذهنية على المستوى الدولي، وتُعد القوة الناعمة من أبرز الأدوات التي يمكن استخدامها في هذا السياق. حيث إن كل دولة في هذه الأرض تسعى إلى تحصيل أسباب القوة والغلبة، وهذه الأسباب تتطور بتطور الزمان والأحوال. ومن أبرز التطورات في مفهوم تحقيق القوة والسلطة لدى الدول العظمى في هذا العصر ما اصطلح عليه باستعمال القوة الناعمة، وهي التأثير غير المباشر من خلال الثقافة، الإعلام، والتعليم، والتي يمكن أن تكون وسيلة فعّالة لتحسين الصورة الذهنية للدولة في العالم. وفي حالة الدولة السورية يمكن استخدام مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من هويتها الثقافية والدينية لتحسين صورتها في الساحة الدولية من خلال تقديم نموذج حضاري يعكس القيم الإسلامية السمحة. فالشريعة الإسلامية، التي تقوم على قيم مثل العدالة، التسامح، والرحمة، تمثل أساساً قوياً لبناء خطاب يعكس جوهر الاعتدال الذي تحتاجه سوريا في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الحالية. من خلال دمج القوة الناعمة مع هذه المبادئ، يمكن لسوريا تعزيز صورتها كدولة تسعى إلى السلام والتسامح والبناء. ومن خلال هذا الربط يمكن لسوريا, ليس فقط استعادة ثقة الداخل، بل الدخول إلى الوعي الدولي بصورة أكثر إيجابية وتنافسية.
الإطار النظري
1-القــوة الناعمــة power Soft
مفهــوم صاغه جوزيــف ناي من جامعــة هارفارد في تسعينيات القرن الماضي، وأوضح أنها تتجسد في القدرة على جذب الآخرين بدلاً من الإكراه أو الدفع، أي جعـل الآخـر يفعـل مـا نريـد مـن دون إرغـام. وتشمل: الثقافة, القيم السياسية, السياسات الخارجية. مما يميزها عن استراتيجيات القوة الصلبة القسرية، حيث تظهر القوة الناعمة كقوة قادرة على إقناع الرأي العام العالمي وصنع القرار من خلال الجاذبية الثقافية والمعايير السياسية والسلوك القائم على هذه القيم.
وقد لاحظ (بيتر بومان وجيزيلا كرامر) مؤخراً في هذا الصدد, “أن نجاح مصطلح القوة الناعمة بين عامة الناس يشير إلى وجود حاجة إليه”. ومن خلال الاستعانة بنماذج وصيغ من تخصصات أخرى، يُمكن توضيح مفهوم القوة الناعمة من خلال الإشارة إلى وجود أوجه تشابه مع الإعلان أو التسويق، حيث يُشبهان آليات القوة الناعمة بشكل ملحوظ في بعض الجوانب المهمة، حيث يُمكن تعريف التسويق، وفقاً لجمعية التسويق الأمريكية، بأنه “النشاط، ومجموعة المؤسسات، والعمليات اللازمة لإنشاء، وتوصيل، وتقديم، وتبادل العروض ذات القيمة للعملاء، والمستهلكين، والشركاء، والمجتمع ككل”. وقد أشار رائد الإعلان Lewis (1872–1948) أن مهمة الإعلان هي جذب القارئ، لينظر إليه ويبدأ بقراءته؛ ثم إثارة اهتمامه، ليواصل قراءته؛ ثم إقناعه، ليصدقه بعد قراءته. إذا اتسم الإعلان بهذه الصفات الثلاث للنجاح، فهو إعلان ناجح.
وفي أغلب الدراسات تم تحديد موارد القوة الناعمة المتمثلة بالثقافة والقيم والسياسات إضافةً إلى الشخصيات, حيث تُعدُّ الثقافة والمبادئ التي تنبثق منها هوية الدولة أحد الركائز الأساسية للقوة الناعمة، مما يجعل الشريعة الإسلامية، التي تمثل جزءاً كبيراً من الهوية الثقافية لسوريا، عنصراً مهماً في هذا السياق.
ومن التجارب الحديثة في تفعيل القوة الناعمة العربية نلاحظ أن بعـض الـدول العربيـة بـدأت فـي اسـتيعاب مفهـوم «القـوة الناعمـة»، وبـدأت فـي استكشـاف مصـادر هـذه القـوة، واتخـاذ خطـوات جـادة فـي تمكـن قوتهـا الناعمـة مـن الترويـج لهـا، ومـن أمثلـة هـذه الـدول الإمـارات العربيـة المتحـدة الـي وضعـت الاستراتيجية الوطنيـة للقـوة الناعمـة لدولـة الإمارات عـام 2017، وتمـت صياغتهـا وبلـورة رؤيتهـا ورسـم سياسـاتها العامـة ووضـع آليـات تنفيذهـا، وفـق الهـدف الرئيـس الـذي حـدده الشـيخ محمـد بـن راشـد آل مكتـوم، والمتمثل فـي تعزيز سمعة دولة الإمارات إقليمياً ودولياً وترسـيخ احترامهـا ومحبتهـا بيـن شـعوب الأرض، وإبـراز صـورة الإمارات الحضاريـة وإرثهـا وهويتهـا وثقافتهـا المميزة.
2. الشريعة الإسلامية
الشريعة الإسلامية هي النظام التشريعي الذي وضعه الله سبحانه وتعالى لتنظيم حياة الإنسان، وتشمل القواعد التي تحكم سلوكيات الأفراد والجماعات في مختلف جوانب الحياة، سواء كانت دينية أو دنيوية. الشريعة الإسلامية تستند إلى القرآن الكريم والسنة النبوية، ولها تأثير بالغ في تنظيم العلاقات الإنسانية وتحقيق العدالة والمساواة، وتحث على الرحمة والتسامح بين الناس. هذه المبادئ يمكن أن تكون أساساً قوياً لبناء صورة إيجابية للدولة السورية. الشريعة ليست فقط مجموعة من الأحكام الفقهية، بل هي رؤية شاملة للحياة تؤكد على التسامح، العدالة، الرحمة, الكرامة الإنسانية, إعمار الأرض, وحفظ حقوق الإنسان، وهي قيم يمكن تسويقها كجزء من رسالة سوريا إلى العالم.
مفهوم الشريعة الإسلامية
الشريعة الإسلامية هي “ما شرعه الله تعالى لعباده من عقائد وعبادات، ومعاملات، وأخلاق، لتنظيم شؤون حياتهم وتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة”. وتعني الشريعة في اللغة “الطريقة أو المنهج”، وفي الاصطلاح، هي الأحكام الإلهية التي تشمل جميع جوانب الحياة البشرية. كما يتفق العلماء على أن الشريعة تتمثل في المصادر الأساسية مثل القرآن الكريم، والسنة النبوية، بالإضافة إلى الإجماع والقياس.
وفي تعريف آخر لها، قال الإمام الشاطبي: هي “الخطاب الإلهي المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع” (الموافقات، الشاطبي، ج1، ص33).
فالله سبحانه وتعالى لم يخلق هذا الكون عبثاً ولم يتركه سدى، بل خلق الإنسان لعبادته وحده لا شريك له. وسخر هذا الكون لأداء هذه المهمة وتسهيلها العظيمة فقال تعالى: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{ .] الذاريات: 56[.
ومن مظاهر تكريم الله تعالى للإنسان، كما قال تعالى:} وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا{. ]الإسراء: 70[
وشرع له الشرائع التي تهدف إلى مصلحته الدنيوية والأخروية وتسهل عليه القيام بأداء المهمة التي من أجلها خلق.
مبادئ الشريعة الإسلامية
فقد بينت هذه الآية الكريمة، أن إرسال الرسل جميعاً، وإيتاءهم البينات، وإنزال الكتاب والميزان، إنما كان لأجل مقصد واحد هو: إقامة القسط بين الناس. وقوله: (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ): ليعمل الناس بينهم بالعدل. و(القيام) في الآية: مجاز في صلاح الأحوال واستقامتها؛ لأنه سبب لتيسير العمل. و(القسط): العدل في جميع الأمور، فهو أعم من (الميزان) المذكور؛ لاختصاصه بالعدل بين متنازعين، وأما (القسط) فهو إجراء أمور الناس على ما يقتضيه الحق، فهو عدل عام. ويكون المراد بقوله سبحانه: {ليقوم الناس بالقسط}: أمر الناس بالعدل في معاملاتهم؛ وطريق ذلك، اتباع الرسل فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا به، فإن الذي جاؤوا به هو الحق المبين. ثم هنا ينبغي التنبيه على أن (القسط) لا ينحصر في الحكم بين المتخاصمين، وفي إعطاء الناس حقوقهم فحسب، بل هو مطلوب في كل شيء، وفي كل مجال، وعلى المستويات كافة. فـ (القسط) يكون بين العبد وربه، وبين المسلم وأخيه، وبين المسلم وعدوه، وبين الحاكم والمحكوم، وبين الرئيس والمرؤوس، وبين الغني والفقير، وبين الضعيف والقوي. قال الآلوسي: “القسط: لفظ جامع مشتمل على جميع ما ينبغي الاتصاف به معاشاً ومعاداً”.
3. الصورة الذهنية
في التسويق، تُعرّف الصورة الذهنية للعلامة التجارية (Brand Image) بأنها:
“الانطباعات والتصورات التي تتكون في ذهن الجمهور عن منتج أو شركة بناءً على الرسائل الاتصالية، التجربة، السمعة، والقيم المتضمنة”.
بالمثل، فإن الصورة الذهنية للدولة (Country Image) تُشير إلى: “الانطباع العام الذي يشكّله المجتمع الدولي والمحلي عن الدولة، من حيث قيمها، ثقافتها، نظامها السياسي، سلوكها الخارجي، وإنجازاتها”. كذلك فإن الصورة الذهنية هي الانطباع العام الذي يترسخ في ذهن الفرد أو الجماعة حول دولة ما، وتُبنى هذه الصورة على مجموعة من العوامل المتنوعة مثل:
كما أن الصورة الذهنية لا تُعد مجرد عامل في التسويق التجاري، بل هي أيضاً جزء لا يتجزأ من العلاقات الدولية والاقتصاد العالمي. حيث تُمثل الصورة الذهنية للدولة مزيجاً من الانطباعات والمشاعر التي تتركها الدولة في أذهان الجمهور المحلي والدولي بناءً على تصرفاتها وأفعالها.
كما أن استخدام القوة الناعمة من خلال الصورة الذهنية التي تروج لها سوريا يمكن أن يعزز مكانتها في الساحة الدولية. على سبيل المثال، قوة الصورة الذهنية للدولة السورية يمكن أن تتشكل من خلال دبلوماسية الثقافة، الإعلام، والأنشطة الإنسانية التي تسهم في تعزيز صورتها كدولة تُعنى بالسلام والعدالة والإصلاح.
4. أهمية الصورة الذهنية للدولة في سياق إعادة الإعمار:
كما تحتاج العلامة التجارية التي مرت بأزمة إلى إعادة بناء سمعتها من خلال استراتيجيات العلاقات العامة والتسويق، فإن الدولة السورية بعد سنوات من النزاع تحتاج إلى:
حيث تتجلى أهمية الصورة الذهنية للدولة في النقاط التالية:
التأثير على العلاقات الدولية: الصورة الذهنية تؤدي دوراً كبيراً في العلاقات بين الدول، حيث يؤثر الانطباع الذي تكونه الدول عن بعضها في التعاون أو النزاع. دولة تتمتع بصورة ذهنية إيجابية قد تكون أكثر قدرة على تشكيل تحالفات استراتيجية، في حين أن دولة ذات صورة سلبية قد تواجه صعوبات في بناء علاقات دبلوماسية قوية.
الاستثمار والتجارة الدولية: الشركات والدول تتخذ قرارات الاستثمار والتجارة بناءً على التصورات العامة حول بيئة الأعمال في دول معينة. الصورة الذهنية للدولة يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على قدرة الدولة على جذب الاستثمارات الأجنبية.
السياحة والتبادل الثقافي: الصورة الذهنية للدولة تؤثر أيضاً على صناعة السياحة. إذا كانت صورة الدولة إيجابية، فهذا يعزز من تدفق السياح والزوار. بالإضافة إلى ذلك، قد تشجع الصورة الإيجابية على التبادل الثقافي.
التحفيز على الإصلاحات الداخلية: الصورة الذهنية السلبية قد تدفع الحكومة إلى تحسين صورتها من خلال إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. على العكس، الصورة الذهنية الإيجابية قد تمنح الحكومة مزيداً من الدعم الشعبي وتزيد من قوتها الداخلية.
5. العوامل المؤثرة في تكوين الصورة الذهنية للدولة
6. كيف تبني الدول صورة ذهنية إيجابية
لبناء صورة ذهنية إيجابية يمكن اتباع استراتيجيات متعددة ومتنوعة تشمل:
وعلى الرغم من أهمية بناء صورة ذهنية إيجابية، إلا أن هناك تحديات تواجه الدول في هذا المجال، مثل:
وبالتالي قبل التسويق، يجب تحديد ما نريد أن يراه العالم في سوريا الجديدة. أي يجب تحديد ملامح “الصورة الذهنية الجديدة” لسوريا. مثلاً: سوريا بلد السلام بعد الحرب, سوريا بلد التاريخ والثقافة والحضارة, سوريا تحترم قيم الإسلام المعتدل والعدالة والتعايش, سوريا تنفتح على العالم من غير تفريط في هويتها.
7. تطبيق مبادئ التسويق الحديثة في تعزيز الصورة الذهنية للدولة السورية
أولاً: التسويق القائم على القيم (Value-Based Marketing)
التسويق القائم على القيم هو أحد التوجهات الحديثة في التسويق التي تركز على التفاعل مع الجمهور عبر القيم الإنسانية والثقافية والأخلاقية، بدلاً من التركيز فقط على المنتجات أو الخدمات. يُعد هذا النوع من التسويق مهماً عندما يتعلق الأمر ببناء صورة ذهنية لدولة تتطلع إلى إعادة تعريف نفسها بعد الأزمات.
في حالة الدولة السورية الجديدة، يمكن تبني القيم الإسلامية المعتدلة كمرتكز رئيسي في بناء هذه الصورة، مثل العدالة، التسامح، والرحمة، مع التركيز على مبادئ الشريعة الإسلامية في سياسات الدولة الداخلية والخارجية. من خلال تسويق مشاريعها التي تعكس هذه القيم، مثل العدالة الانتقالية والمصالحة، يمكن لسوريا تقديم نفسها كدولة تسعى للسلام الداخلي وتعمل على بناء مجتمع منفتح ومتسامح.
مثالًا على ذلك، ماليزيا قامت بتسويق نفسها كدولة إسلامية معتدلة تروج لقيمها الثقافية والاجتماعية في السياحة والاقتصاد.
ثانياً: التسويق الرقمي (Digital Marketing)
يُعدُّ التسويق الرقمي أداة حيوية في العصر الحديث للوصول إلى الجمهور على نطاق عالمي. يعتمد التسويق الرقمي على استخدام الوسائط الإلكترونية والإنترنت عبر منصات مثل وسائل التواصل الاجتماعي، المواقع الإلكترونية، والبريد الإلكتروني لبناء الصورة الذهنية وتعزيزها.
في حالة الدولة السورية الجديدة، يمكن إطلاق حملات رقمية تُظهر الجوانب الإيجابية لسوريا من خلال تسويق قصص النجاح والتغيير بدلاً من التركيز على الخطاب السياسي أو العسكري. يمكن استخدام اللغات الأجنبية لتوجيه الرسائل نحو جمهور عالمي، مع إبراز التقدم الاجتماعي والاقتصادي، خاصة في السياق المحلي والعالمي.
منصات مثل يوتيوب وإنستغرام يمكن أن تكون مؤثرة للغاية في نشر رسائل جديدة ومحتوى مرئي يبرز الجوانب الثقافية والاجتماعية لسوريا. كما يمكن استخدام لينكدإن لعرض اسهامات السوريين في الخارج والداخل، وبالتالي تحسين الصورة الذهنية من خلال تسليط الضوء على التقدم الاجتماعي والاقتصادي.
فمن خلال المنصات الرقمية مثل تويتر وفيسبوك وإنستغرام، يمكن للدولة السورية نشر رسائلها وتبادل الأفكار والقصص التي تعكس القيم الإسلامية المعتدلة. على سبيل المثال، تسويق القصص الناجحة للمواطنين السوريين الذين عادوا إلى بلادهم بعد الحرب، والمشاركة في إعادة بناء المجتمع.
كذلك فإن استخدام الوسائط المتعددة (صور، فيديوهات) التي تُبرز التعايش بين الطوائف والأديان في سوريا يُسهم في تقوية صورة سوريا كدولة تعددية، وبالتالي تعزز من حضورها في الوعي العالمي كدولة ديمقراطية معاصرة. هذه الحملات الرقمية هي الأداة المثلى لتعريف المجتمع الدولي بالتقدم الذي تحقق في سوريا.
ثالثاً: التسويق الاجتماعي (Social Marketing)
يشمل التسويق الاجتماعي استخدام استراتيجيات التسويق لتغيير سلوكيات المجتمع إلى الأفضل دون الحاجة لتحقيق أرباح اقتصادية مباشرة. يعتمد التسويق الاجتماعي على توجيه الجهود التسويقية نحو تحقيق أهداف اجتماعية مشتركة تسهم في تحسين نوعية الحياة للمواطنين.
في سياق الدولة السورية الجديدة، يمكن تنفيذ حملات توعية اجتماعية تشجع الاندماج الوطني بعد سنوات من النزاع. مثالاً على ذلك، إطلاق حملات مثل “نحن سوريا الجديدة” أو “عدنا نبني معًا”، بهدف تحفيز الوحدة الاجتماعية وتحديد هوية وطنية مشتركة لجميع المواطنين. كما يمكن تسويق السلوكيات المدنية الإيجابية، مثل احترام القانون والتعايش السلمي بين الطوائف المختلفة.
كذلك يمكن تقوية العلاقة بين الدولة والمجتمع المحلي والعالمي، حيث إنه يمكن للتسويق الاجتماعي أن يكون وسيلة فعّالة في إعادة بناء الصورة الذهنية من خلال حملات توعية تُركّز على القيم الإنسانية والتعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية المختلفة في سوريا. على سبيل المثال، الحملات التي تدعو إلى التسامح واحترام التنوع الديني والثقافي من خلال أنشطة مجتمعية مثل: ورشات عمل عن التسامح الديني، مؤتمرات تروج للسلام الاجتماعي، مشاريع إعلامية تعرض قصص النجاحات المجتمعية.
رابعاً: تسويق الهوية الوطنية
تسويق الهوية الوطنية يعد من المفاهيم الحديثة التي تُستخدم لتحديد مكانة الدولة بين الدول الأخرى. في هذا السياق، تُعتبر الدولة نفسها علامة تجارية لها هويتها الخاصة التي تميزها عن باقي الدول.
في حالة الدولة السورية الجديدة، يجب تحديد سردية موحدة تمثل جميع أطياف الشعب السوري، مثل: “سوريا الحضارة، سوريا التعدد، سوريا الأمل”. كذلك، يجب تصميم هوية بصرية جديدة مع شعار وطني يعكس هذه القيم، وكذلك موسيقى وطنية معاصرة تبرز الهوية الثقافية السورية. يمكن بناء شخصية الدولة (Brand Personality) على قيم مثل “العدالة، والرحمة، والانفتاح”.
خامساً: التسويق لسوريا كعلامة تجارية
وفقاً لإطار Simon Anholt حول “Nation Branding”، فإن تسويق الدولة يشمل:
وكما تلتزم العلامات التجارية الناجحة بأخلاقيات الأعمال (مثل الاستدامة والشفافية)، فإن اعتماد الدولة السورية على مبادئ الشريعة الإسلامية المعتدلة (كالعدل، والإحسان، والمسؤولية الجماعية) يجعل من “العلامة السورية” نموذجاً أخلاقياً فريداً، خاصة في سوق الدول الإسلامية والعربية.
إن تطبيق مبادئ التسويق الحديثة والقوة الناعمة في تسويق الصورة الذهنية للدولة السورية الجديدة يُعد خطوة حيوية لإعادة بناء هذه الصورة على أسس من القيم الإنسانية والإسلامية المعتدلة. من خلال تبني استراتيجيات تسويق مبتكرة والتفاعل مع المجتمع الدولي، حيث يمكن لسوريا أن تُعزز مكانتها في العالم، وتُظهر للعالم أجمع أنها دولة تسعى إلى بناء مستقبل مزدهر قائم على العدالة، الرحمة، والتسامح.
.8 استراتيجيات مقترحة لتحسين الصورة الذهنية
معدل التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، التأثير على الرأي العام المحلي والدولي، التغيرات في السياسات الدولية تجاه الدولة السورية، الاستجابة للمبادرات الثقافية. كما يُستحسن إجراء استطلاعات رأي من خلال مراكز الدراسات البحثية لقياس مدى تطور الصورة الذهنية لدى الجمهور.
إن التركيز على اللغة الإيجابية غير الوعظية في المنتجات الإعلامية هو أسلوب فعال لتحسين الصورة الذهنية لدولة معينة، خصوصًا عندما يتبع هذا الأسلوب قيمًا مثل التسامح، العدالة، والاعتدال ومن الطرق الممكن اتباعها لتحقيق ذلك:
مثال: بدلاً من استخدام عبارات مثل “يجب علينا أن نكون متسامحين”، يمكن استخدام جمل مثل “نعيش معًا في مجتمع مزدهر، حيث يسود التسامح والسلام بين الجميع”. هذه العبارات توضح القيمة المطلوبة بشكل غير مباشر، مما يسمح للجمهور بالتفاعل معها بطريقة إيجابية.
مثال: تقديم تقارير أو أفلام قصيرة تروي تجارب حقيقية لأشخاص عابرين للطوائف أو الثقافات، قاموا بالمساهمة في إعادة بناء مجتمعهم بعد تحديات كبيرة. هذا النوع من السرد القصصي الإيجابي يظهر القيم بطريقة ملموسة.
وسائل الإعلام التقليدية (التلفزيون، الراديو): إعداد برامج وثائقية أو تقارير إخبارية تتناول قصص نجاح حقيقية لشخصيات سورية من مختلف الخلفيات.
الوسائل الرقمية (السوشيال ميديا): إنشاء حملات على منصات مثل فيسبوك، تويتر، وإنستغرام لعرض محتوى يحكي قصصاً عن التعايش السلمي والإنجازات الشخصية، مثل قصص نجاح الفتيات السوريات في التعليم أو الشباب الذين يسهمون في الأعمال الخيرية.
الفيديوهات القصيرة (TikTok/YouTube Shorts): استخدام الفيديوهات القصيرة لعرض لقطات تبرز الحياة اليومية الطبيعية والإيجابية للمواطنين السوريين، مع تسليط الضوء على الروح المجتمعية.
التركيز على اللغة الإيجابية غير الوعظية في كل هذه الأنشطة الإعلامية من شأنه أن يعزز صورة سوريا كدولة ذات قيم إنسانية غنية، ويخلق تأثيراً مستداماً في المخيلة العالمية بعيداً عن الخطابات السياسية التقليدية.
خاتمة
إن استخدام القوة الناعمة، بالتوازي مع المبادئ الأساسية في الشريعة الإسلامية، يمكن أن يسهم بشكل كبير في تحسين الصورة الذهنية للدولة السورية. من خلال الترويج للثقافة السورية والإسلام المعتدل، يمكن لسوريا أن تقدم نفسها كدولة ذات تاريخ غني بالعلم والحضارة، ويجب أن يتم التركيز على الرسائل التي تعكس السلام والاعتدال لضمان قبول عالمي أوسع. حيث إن إعادة تشكيل الصورة الذهنية لسوريا كعلامة تجارية يضع الأساس لاستراتيجية وطنية متكاملة تقوم على: القيم الأخلاقية الإسلامية، ومبادئ التسويق الحديث، وكذلك وسائل القوة الناعمة.
المراجع العربية:
المراجع الأجنبية: