الملخص
تهدف هذه المقالة إلى تعريف التغير المناخي وأهميته وتحديد آثاره وتؤمّن الإجابة عن جميع الأسئلة المتعلّقة بالتغير المناخي مثل: ماهي الآثار السلبية للتغير المناخي؟ ما دور الإنسان في التغير المناخي؟ كما تقدم المقالة الإجابات عن أسئلة لم يسبق لنا أن فكرنا بها من قبل مثل: لماذا يجب علينا أن نقلق بشأن التغير المناخي؟ وما هو التهديد المحتمل لكوكبنا؟ ما هو الخطر المترتب على زيادة درجة حرارة الأرض عما كانت عليه من قبل ولماذا علينا القلق بهذا الشأن؟
الكلمات المفتاحية: التغير المناخي، الأرض، الاحتباس الحراري، الدراسات المستقبلية.
1- مقدمة
أصبحت التغيرات المناخية وآثارها المحتملة هي الشغل الشاغل لدى دول العالم خلال السنوات الأخيرة، لا سيما بعد أن غدت واقعا ملموسا يعاني منه كل إنسان في هذا العالم، فلا تعوقها حدود جغرافية أو سياسية، ولا تقل خطرا عن الحروب والنزاعات المسلحة.
إن تغير المناخ يُعد أخطر نتائج العبث الإنساني بالبيئة فالأنشطة البشرية المتنامية وما نتج عنها من تدمير للبيئة أحدثت خلل التغير المناخي والتأثيرات السلبية التي نجمت عن هذا الخلل، من تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، وارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية، وتدهور التنوع البيولوجي، إلى الجفاف وندرة المياه وحرائق الغابات والأعاصير.
وانطلاقا من أهمية قضية التغيرات المناخية واستقطابها للاهتمام العالمي والمحلي على المستوى الأكاديمي والسياسي، تتناول هذه المقالة بعضاً من الجوانب المتعلقة بهذه القضية [1] [2].
2- المقصود بالتغيرات المناخية
يُقصد بالتغير المناخي: “أي تغير مؤثر وطويل المدى في معدل حالة الطقس يحدث لمنطقة معينة، يمكن أن يشمل حالة الطقس ومعدل درجات الحرارة ومعدل التساقط وحالة الرياح”.
ووفقا لتعريف وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” فإن تغير المناخ: ظاهرة عالمية واسعة الانتشار، تنشأ في الغالب عن طريق حرق الوقود، الذي يطلق إلى الغلاف الجوي غازات حابسة للحرارة (الغازات الدفيئة) (Greenhouse gases)
(بخار الماء، وثاني أكسيد الكربون، والميثان وأكسيد النيتروز)، وتشمل الظاهرة تغييرات أخرى مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، وفقدان الكتلة الجليدية في القطب الشمالي وأنتاركتيكا والجبال الجليدية في جميع أنحاء العالم، وتغير مواعيد تفتح الأزهار، وأحداث الطقس الشديدة [1] [2].
3- الفرق بين التغير المناخي والاحتباس الحراري:
عادةً ما يُستخدم المصطلحين بالتبادل، على افتراض أنهما يدلان على الأمر نفسه، لكن تجدر بنا الإشارة هنا إلى وجود فرق بين المصطلحين، حيث يعتبر الاحتباس الحراري أحد ظواهر التغير المناخي، ويشير إلى ارتفاع متوسط درجة الحرارة قرب سطح الأرض، فظاهرة الاحتباس الحراري تصف ظاهرة الاحترار العالمي بسبب تراكم غازات الدفيئة
Greenhouse Gases أمّا التغير المناخي يشير إلى التغير طويل المدى لأنماط الطقس على مستوى العالم، وتشمل جميع عناصر الطقس من حرارة وأمطار ورياح، وغيرها من التغيرات. لذا، يُفضل استخدام مصطلح التغير المناخي عند الإشارة إلى تأثير عوامل أخرى غير ارتفاع درجة الحرارة [1] [2].
4- آثار التغير المناخي:
على مدار نصف القرن الماضي، أدى التغير المناخي إلى تفاقم التفاوت بين دول العالم، إذ عرقل النمو في الدول الأكثر فقرا، بينما ساهم بدرجة كبيرة في زيادة معدلات الرفاهية لدى بعض الدول الأكثر ثراءً.. وكشفت دراسة حديثة عن أن الفجوة بين الدول الأشد فقرا وتلك الأكثر ثراء تزيد الآن بنسبة 25% عما كانت ستصبح عليه لو لم تشهد الأرض ظاهرة التغير المناخي، وما ينتج عنها من ارتفاع لدرجة حرارة الكوكب [1] [2].
إن آثار التغير المناخي واسعة النطاق وغير مسبوقة، وأهمها: [2]
هذا ويحذر تقرير صادر عن البنك الدولي من أن التغيرات المناخية تهدد بوقوع أكثر من 100 مليون شخص في براثن الفقر بحلول عام 2030.
1.4 تأثير التغيرات المناخية على الدول النامية:
لا توجد دولة في منأى عن تبعات ظاهرة التغير المناخي، ولكن تبقى البلدان النامية في صدارة الدول الأكثر تضررا بآثار التغيرات المناخية، وصاحبة النصيب الأكبر من الأخطار والتهديدات التي تطال معظم قطاعات الحياة.
وقبل البحث في تداعيات تغير المناخ على الدول النامية وأكثر الدول تأثرا بها، تجدر الإشارة إلى اعتماد هذه الدول بشكل أساسي ومحوري على درجات الحرارة وثبوتها في الإنتاج والمعيشة ونمو الاقتصاد، لما لها من تأثير كبير على كافة القطاعات، ومع تغير درجات الحرارة عن المعتاد، تنوء اقتصادات الدول النامية بحمل ثقيل [2] [3].
2.4 ما هي أكثر الدول النامية عرضة لخطر التغير المناخي؟
اتفقت معظم الدراسات البحثية التي تناولت تأثير التغيرات المتوقعة في درجات الحرارة على المناطق الجغرافية في العالم، أن أكثر تلك التغيرات ستحدث في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، حيث يعيش نحو نصف سكان العالم، والذين يصنفون كشعوب فقيرة أو أكثر فقراً [4].
ووفق هذه الدراسات، فإن الموقع الجغرافي وطبيعة المناخ يسهمان – وبشكل حتمي – في تأثر العديد من الدول النامية بآثار التغير المناخي، كالمنطقة العربية، ومنطقة جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى، وجنوب شرق آسيا، حيث توجد مدن معرضة بالكامل لخطر الفيضانات، والأعاصير ودرجات الحرارة المرتفعة [5] [6].
3.4 كيف يؤثر تغير المناخ على البلدان النامية؟
إن حقيقة الأمر تتمثل في أن الدول النامية – على عكس الدول المتقدمة – لا تمتلك الوسائل الكافية التي تمكنها من مواجهة الآثار السلبية لتغيرات المناخ، وتُعد الأقل قدرة واستعدادا للتكيف مع مخاطر التغير المناخي، فمن الصعب عليها القيام بتطوير محاصيل مقاومة للجفاف، والاستعانة بوسائل ري حديثة، وغير ذلك من وسائل التصدي لتغير درجات الحرارة.
وأرجعت دراسة أجراها فريق من الباحثين بجامعة “ستانفورد” الأمريكية عن “تنامي تأثير التغيرات المناخية على الدول الفقيرة” إلى أن اقتصاد هذه الدول يعتمد على القطاعات المتأثرة بالمناخ، مثل الزراعة واستخراج الموارد الطبيعية، محذرةً من أن “ذلك من شأنه أن يؤدي إلى خفض متوسط معدل النمو السنوي في المناطق الفقيرة من 3.2٪ إلى 2.6٪، مما يعني أنه بحلول عام 2100، سيكون نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أقل من الوضع الحالي بنسبة 40٪” [7].
4.4 التغيّر المناخي ومناطق النزاع:
تؤثر الأزمات المناخية والبيئية الحالية على جميع مناحي حياتنا، ورغم أن الجميع يتأثر بها، فإن أثرها يكون أشد على المجتمعات الأكثر فقرًا وتهميشًا. [7] [8].
سبب التغير المناخي تفاقم في مشكلة ندرة المياه، التي تؤثر على الصحة والغذاء والأمن الاقتصادي، أضف إلى ذلك الأضرار المباشرة التي تُلحِقها النزاعات أيضًا بالنظم البيئية نفسها التي يعتمد عليها السكان للبقاء على قيد الحياة.
والأمّر أن من يعانون من النزاعات ليسوا فقط من بين الأكثر ضعفًا في مواجهة الأزمات المناخية والبيئية، بل هم أيضًا من بين الأكثر إغفالًا في العمل المتعلق بالمناخ، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التحديات التي يفرضها العمل في مثل هذه المناطق.
5- من المسؤول عن تغير المناخ؟
إن جواب السؤال أعلاه هو المفتاح لإيجاد الحلول اللازمة للحد من الانبعاثات.
المتهم رقم 1: شركات الوقود الأحفوري
تدين أكبر 21 شركة بمبلغ 209 مليارات دولار سنويا للمجتمعات بسبب الأضرار التي تؤثر على تغير المناخ [1] [2].
المتهم رقم 2: الأغنياء
في 86 دولة يستهلك أغنى 10% من السكان طاقة تزيد بنحو 20 مرة عما يستهلكه أفقر 10% من السكان [1] [2].
المتهم رقم 3: الدول الغنية
تتحمل هذه الدول دينا تاريخيا بسبب إطلاقها للغازات الدفيئة لفترة طويلة [1] [2].
المتهم رقم 4: جميعنا
إن البشر من خلال الانبعاثات التي يصدرونها يغيرون المناخ بطرق غير مسبوقة [1] [2].
من الممكن تجنب الكارثة إذا تصرفنا بشكل أسرع معا حيث أن 3.6 مليار شخص يعيشون بالفعل في مناطق تعد عرضة بشكل كبير للتغير المناخي ومن المتوقع أن يتسبب التغير المناخي في 250 ألف حالة وفاة إضافية سنويا بين عامي 2030 و2050.
ثمّة دورٌ مهم أمام المنظمات الإنسانية تقوم به في مواجهة هذه الأزمات. حيث يجب دعم السكان في مواجهة الصدمات المزدوجة بسبب مخاطر المناخ والنزاعات.
6- أزمة المناخ تغير الأطفال:
يشكل تغير المناخ تهديداً مباشراً لقدرة الطفل على البقاء والنماء والازدهار. حيث يؤدي الجفاف والتغيّر العالمي في نسق سقوط الأمطار إلى فشل المحاصيل وزيادة أسعار الأغذية، مما يعني انعدام الأمن الغذائي والحرمان من الأغذية للفقراء، وهذا قد يؤدي إلى تأثيرات تمتد مدى الحياة، إضافة إلى تدمير سبل العيش، وزيادة الهجرة والنزاعات، وكبح الفرص للأطفال واليافعين [1] [2] [9].
الأطفال هم الأكثر عرضة للأمراض التي ستزداد انتشاراً نتيجةً لتغير المناخ، من قبيل الملاريا والكوليرا ويتحمل الأطفال دون سن الخامسة قرابة 90 في المئة من عبء الأمراض التي يمكن عزوها إلى تغير المناخ [10].
إن مسببات تلوث الهواء هي نفسها ما يتسبب بتغير المناخ. ويعيش حوالي مليوني طفل في مناطق تتجاوز فيها مستويات تلوث الهواء المعايير التي وضعتها منظمة الصحة العالمية – مما يجبرهم على تنفس هواء سامّ ويعرّض صحتهم وتطور أدمغتهم للخطر. ويتوفى أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخامسة سنوياً من جراء أسباب متعلقة بتلوث الهواء. وسيعاني عدد أكبر منهم من أضرار دائمة تلحق بنماء أدمغتهم ورئاتهم.
ويواجه الأطفال المستضعفون أصلاً خطراً أكبر، إذ تواجه الأسر الأشد فقراً صعوبة أكبر في تحمل الصّدمات. ويفتقر قرابة 785 مليون شخص إلى خدمات المياه الأساسية. وبحلول عام 2040، من المتوقع أن يعيش 600 مليون طفل في مناطق يتجاوز الطلب على المياه فيها كمية الموارد المتوفرة [10].
ووفقاً لآخر الأبحاث من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أمامنا أقل من 11 سنة لإجراء التحوّل الضروري لتجنب أسوأ تأثيرات تغير المناخ. ويلزم تخفيض مستوى ثاني أكسيد الكربون في الجو بمقدار 45 في المئة بحلول عام 2030 لمنع تجاوز الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية — وبمعنى آخر، العتبة التي يمكننا تجنب أسوأ تأثيرات تغير المناخ إذا لم نتجاوزها [1] [2].
وهذه هي المرة الأولى التي سينشأ فيها جيل عالمي من الأطفال في عالم أكثر خطورة بكثير وأقل يقيناً، وذلك نتيجة لتغير المناخ والتدهور البيئي. إن التصدي لتغير المناخ والحد من تأثيراته هما أمران ضروريان لحماية أطفال العالم وضمان حقوقهم [11].
7- في المواجهة: الشباب وتغير المناخ:
إن شباب اليوم في طليعة من يتأثرون بتغير المناخ، ففي أماكن متفرقة من العالم أدت التغيرات المناخية إلى تغيرات مفاجئة ومؤلمة في حياة الشباب مثل حرائق الغابات التي أدت إلى تهجير الكثير منهم وتركهم لمدارسهم وأصدقائهم، وقد يواجه الكثير
منهم صعوبة في التأقلم مع تلك التغيرات.
كما حذر خبراء في تأثير المناخ على الصحة النفسية للمراهقين أن عقول المراهقين لا زالت في مرحلة النمو مما يجعلهم أكثر عرضة للأمراض النفسية نتيجة التغيرات المناخية، وحذروا من أن ضرر تغير المناخ على الصحة النفسية قد يحدث بسبب إحساس الشباب بإهمال الأجيال السابقة لقضية المناخ مما يبعث على الشعور بالغضب والحزن والاستياء والكراهية للأجيال السابقة ويزيد من الإحساس بالخطر الداهم نتيجة اللامبالاة.
ولكن ربما لحسن الحظ فإن الشباب يلعبون وسيلعبون دوراً أساسياً في معالجة مشكلة تغير المناخ، ولهذا فهناك أهمية حاسمة لتمكينهم وإشراكهم في الاستجابة لتغير المناخ، فالإجراءات التي تتخذ اليوم من قبل الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني ستحدد ما سوف يواجهونه في المستقبل، ومدى حسن استعدادهم للقاء ما قد يأتي. وعليه ينبغي منح الشباب فرصة للمشاركة على نحو فعال في عملية صنع القرار على الصعيد المحلي والوطني والعالمي ويمكنهم أن يكونوا سندا قويا للمبادرات التي من شأنها أن تفضي إلى اعتماد تشريعات بعيدة الأثر [1] [2].
8- مواجهة التغير المناخي…رهان نستطيع الفوز به..
يُعتبر تغير المناخ قضية من قضايا حقوق الإنسان، وذلك ليس فقط لكونها تتسبب في تآكل الحقوق في الحياة والصحة والمسكن والغذاء والمياه والصرف الصحي، بل لأنها ظاهرة من صنع البشر تستطيع الدول التخفيف من حدتها، فالدول ملزمة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان باتخاذ إجراءات فورية للحد من الآثار المدمرة للتغير المناخي، والتأكد من أن الجميع يتمتعون بالوسائل اللازمة للتكيف مع هذا التغير [11].
لقد آن الأوان لإحداث تغيرات لمواجهة التغير المناخي، وإعادة النظر في نظمنا الصناعية والخاصة بالطاقة والنقل وطريقة حياتنا ككل، وتهيئة مستقبل أخضر تضيق فيه دائرة المعاناة، وتسود العدالة، وذلك قبل أن نصل إلى نقطة اللاعودة حيث نجد أنفسنا عاجزين عن إصلاح ما آلت إليه الأمور وعلينا أن نؤمن دائماً بأن حالة الطوارئ المناخية هي سباقٌ نحن نخسره في الوقت الحالي – ولكنه سباق يمكننا الفوز به إذا أردنا [1].
9- المراجع:
1-Reports from websits (United Nations-World Health Organization-UNICEF-Food and Agriculture Organization-Intergovernmental Panel on Climate Change IPCC)
2- Intergovernmental Panel on Climate Change. Climate change 2014: mitigation of climate change. Contribution of Working Group III to the Fifth Assessment Report of the Intergovernmental Panel on Climate Change. Cambridge: Cambridge University Press; 2014.
3- Davies M, Oswald K, Mitchell T. Climate change adaptation, disaster risk reduction and social protection.2017.
4- Bouzid M, Hooper L, Hunter PR. The effectiveness of public health interventions to reduce the health impact of climate change.2013.
5- Barrientos A, Hulme D. Social protection for the poor and poorest in developing countries.2009.
6- Remais JV, Hess JJ, Ebi KL, Markandya A. Estimating the health effects of greenhouse gas mitigation strategies: addressing parametric, model, and valuation challenges.2014.
7- Costello A, Abbas M, Allen A, Bellamy R. Managing the health effects of climate change.2009.
8- Patz JA, Campbell-Lendrum D, Holloway T, Foley JA. Impact of regional climate change on human health.2005.
9- Commission on Social Determinants of Health. Closing the gap in a generation: health equity through action on the social determinants of health. Geneva: World Health Organization 2008.
10- Heltberg R. Helping South Asia cope better with natural disasters: the role of social protection.2007.
11- Universal declaration of human rights. New York: United Nations; 1978.
12- Robertson L, Mushati P, Eaton JW, Dumba L, Mavise G, Makoni J. Effects of unconditional and conditional cash transfers on child health and development.2018.