الملخص
تعد الواجهات المعمارية المتكيفة إحدى أهم التطورات في مجال العمارة المعاصرة ، إذ تمثل استجابة ذكية لاحتياجات المستخدم والمناخ المحيط . وقد انطلقت الفكرة جذرياً من العمارة التقليدية لتتكيف مع الظروف المناخية بوسائل بسيطة مثل المشربيات والأسقف العالية وغيرها حيث تعتمد على فهم حسي عميق للبيئة المحلية ، ومع تطور الثورة الصناعية اتجهت العمارة نحو واجهات ثابتة تعتمد على التكنولوجيا الصناعية دون اعتبار للعوامل البيئية مما تسبب في ارتفاع باستهلاك الطاقة ، غير أن أزمات الطاقة العالمية في سبعينيات القرن العشرين أعادت تسليط الضوء على أهمية دمج الاستجابة البيئية في تصميم المباني، مما دفع إلى تطور استراتيجيات تصميم الواجهات. اليوم، ومع التقدم الهائل في تقنيات المواد الذكية والحساسات الرقمية، أصبحت الواجهات قادرة على التفاعل لحظياً مع الظروف المناخية، إذ يمكن أن تتحكم تلقائياً بمقدار الضوء الداخل وتحسن التهوية الطبيعية وتقلل الحمل الحراري على المباني، وتشمل الواجهات المتكيفة حلولاً متنوعة مثل الواجهات المزدوجة ، المشربيات المتحركة ، الزجاج الكهروكرومي والأنظمة الحيوية المستوحاة من الطبيعة.تسعى الواجهات المتكيفة لتحقيق أهداف رئيسية تشمل تعزيز الراحة الحرارية والبصرية ، خفض استهلاك الطاقة وتحقيق استدامة بيئية متكاملة ، ومع تزايد الحاجة إلى مبانٍ ذكية ومستدامة يتوقع أن تصبح الواجهات المتكيفة معياراً أساسياً في العمارة المستقبلية ، حيث تتكامل الجماليات المعمارية مع الأداء البيئي المتطور.
الكلمات المفتاحية: الواجهات المتكيفة، الاستدامة، الابتكار.
مقالة استقرائية تحليلية لمبادىء تصميم الواجهات المتكيفة.
مقدمة
تواجه العمارة المعاصرة تحديات متزايدة مرتبطة بتغير المناخ ، أزمة الطاقة وضرورة تحقيق استدامة بيئية واقتصادية
وفي هذا السياق ظهرت الواجهات المعمارية المتكيفة كحلول ديناميكية تجمع بين الوظيفة الجمالية والذكاء البيئي، فلم تعد الواجهة مجرد عنصر ثابت يفصل الداخل عن الخارج ، بل أصبحت نظاماً تفاعلياً قادراً على التغير كاستجابة للضوء ،
الحرارة، حركة الهواء وحتى سلوك المستخدمين. وأصبحت جزءاً رئيسياً من العمارة المستدامة وهي ليست حل تقني فقط، بل لغة معمارية تعبر عن التفاعل مع الطبيعة بذكاء وتستخدم في جميع أنواع المباني السكنية ، التجارية ، الدينية ،
الصحية وغيرها
هدف البحث
التعريف بمفهوم الواجهات المعمارية المتكيفة وأسس نشأتها التاريخية واستكشاف التقنيات والمواد المستخدمة في تطوير هذه الواجهات وانعكاس ذلك على الوضع التصميمي للمباني في تحسين أداء الطاقة والراحة الحرارية والبصرية وذلك من أجل التشجيع على الاهتمام بدراسة واعتماد هذه الواجهات كحلول مستدامة.
منهجية البحث
يعتمد البحث على إطارين :إطار نظري عبارة عن دراسة استقرائية للكتب والدراسات الأكاديمية وعملي عبارة عن مراجعة مشاريع معمارية قائمة عربية وعالمية تطبق مبادىء الواجهات المتكيفة مع تحليل العلاقة بين متطلبات الاستدامة والسياق
المناخي الثقافي والأداء الوظيفي والتطبيق العملي لمثالين في مناخين مختلفين.
1-النشأة التاريخية للواجهات المتكيفة
مرت الواجهات المعمارية المتكيفة بعدة مراحل كالتالي :
2- استراتيجيات الواجهات المعمارية المتكيفة
: [7]تتنوع طرق استجابة الواجهات المتكيفة كالتالي
(Climate-responsive facades 2-1)- الواجهات المتجاوبة مع الضوء والحرارة
تتحكم الواجهة بكمية الضوء والحرارة الداخلين للمبنى حسب الوقت والموسم ويتم ذلك باستخدام مظلات متحركة تتجه
تلقائيًا لتقليل أو زيادة الظل حسب أشعة الشمس أو تفتح وتغلق حسب الحاجة أو زجاج ذكي تتغير درجة شفافيته حسب شدة الإضاءة.
(Breathable or ventilated facades 2-2- الواجهات ذات التهوية المتحركة )
وهي الواجهات التي تسمح بتدفق الهواء لتقليل الحمل الحراري داخل المبنى من خلال واجهات مزدوجة تسمح بتدفق الهواء بين الطبقتين أو فتحات ذكية تفتح وتُغلق تلقائيًا حسب درجات الحرارة الداخلية والخارجية أو عناصر تتحرك لتحسين [8]التهوية الطبيعية
(Smart facades2-3- الواجهات الذكية )
وهي عبارة عن واجهات تدار بواسطة حساسات وأنظمة تحكم إلكترونية لمراقبة شدة الإضاءة والحرارة ومن ثم اتخاذ قرارات . [8]لحظية ( فتح مظلة ، تغيير زجاج ، تهوية) والتكامل مع نظام إدارة المبنى
(Adaptive materials2-4- المواد المتكيفة )
وهي مواد تغير خصائصها تلقائيًا استجابةً للمؤثرات وهي مواد حرارية ذكية تمتص الحرارة وتطلقها عند الحاجة أو مواد
(Biomimetic facades2-5- الواجهات الحيوية )
وهي واجهات تستلهم من الطبيعة وتتكيف معها ( مثل النباتات أو الحيوانات كواجهات تتفتح مثل الزهور عند وجود الشمس .[6]أو فتحات مستوحاة من تنفس الفطر أو جلد الزواحف لتنظيم التهوية والرطوبة)
3-الأسس التصميمية للواجهات المعمارية المتكيفة
3-1- تحليل المناخ المحلي : وهي عبارةعن دراسة شاملة لظروف الموقع ( الإشعاع الشمسي، درجات الحرارة، الرطوبة،
.[5]اتجاهات الرياح) من أجل تحديد عناصر التصميم المتغيرة حسب احتياجات المناخ( تظليل ، تهوية ، عزل)
3-2- فهم سلوكيات المستخدم داخل المبنى: أي تحديد نوع الأنشطة داخل المبنى( سكني ، تعليمي، مكتبي…)وتحديد متى وأين يحتاج المستخدم إلى الإضاءة أو الظل أو التهوية ومن ثم ترجمة هذه السلوكيات إلى متطلبات فنية تؤثر تصميم الواجهة.
3-3- توظيف الأنظمة التكيفية المناسبة : كتحديد نوع التكيف السلبي المطلوب ( فتحات تهوية، مظلات ثابتة، واجهات مزدوجة) مع أنظمة ذكية مختلفة( حساسات، محركات ، زجاج ذكي)يتم اختيارها بناءاً على كفاءة الأداء ، استجابة الزمن ،الصيانة والتكلفة.
3-4- أنظمة التحكم الذكي :وهي الأنظمة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين الأداء بمرور الوقت بحيث يتكامل
عمله مع نظام إدارة المبنى ( برمجة واجهات لتستجيب يشكل تلقائي للتغيرات المناخية مثل تحريك المشربيات في أبراج
.[9]البحار )
3-5- اختيار المواد الذكية: أي مواد تغير خواصها حسب درجة الحرارة أو الرطوبة ( زجاج كهروكرومي أو حراري ، طحالب أو مواد بيولوجية حية).
3-6- الجمال المعماري والتكامل البصري: يجب أن يكون التكيف مندمجاً ضمن الشكل العام ولا يفسد الطابع الجمالي كتصميم العناصر المتحركة بأسلوب مستوحى من الثقافة أو الطبيعة .
3-7- الاستدامة طويلة المدى: وتتم من خلال دراسة تكلفة التركيب والصيانة مقابل العائد البيئي والاقتصادي .
تتم باستخدام برامج لمحاكاة أداء الواجهات مثل :(Simulation & Prototyping)3 من أجل اختبار التظليل ، الإضاءة والتهوية قبل تنفيذ المشروع. Rhino، Ecotect، EnergyPlus، Grasshopper
4- أمثلة عربية وعالمية
1- برج العرب ( دبي)
استخدم واجهة مزدوجة الطبقة حيث صنعت الطبقة الخارجية من قماش وكانت بلون أبيض تعكس أشعة الشمس وتقلل الحمل الحراري وحققت إضاءة طبيعية ناعمة داخل الفندق وقللت الاعتماد على التكييف.
2- المعهد العربي ( باريس)
وهي عبارة عن واجهة تحتوي على مشربية ( نقوش عربية معدنية) حيث تتحرك فتحات صغيرة حسب شدة الضوء الخارجي وحققت تقليل لوهج الشمس تحكم مثالي في الإضاءة.
3- برج البحار( أبو ظبي- الإمارات)
وهي عبارة عن شبكة مثلثات متحركة مستوحاة من المشربية تنفتح وتغلق تلقائياً استجابة لأشعة الشمس وقد حققت واجهة حيوية متغيرة طوال اليوم وعملت على تقليل الحرارة الداخلة بنسبة 50% وتحسين الراحة الحرارية داخل المبنى بالإضافة
لتقليل استهلاك الطاقة.
( برشلونة- إسبانيا)The Media-TIC Building4-
تعتبر من الواجهات المتكيفة مع المناخ المعتدل وقد غطيت الواجهة بغشاء مزود بحساسات تتحكم في كمية الضوء والحرارة الداخلة حسب تغيرات المناخ وقد حقق المبنى تكيفاً مع احتياجات المستخدم. (مانشستر- بريطانيا) One Angel Square5-
تحتوي الواجهات على زجاج ثلاثي الطبقات مع نظام تهوية طبيعي ( استخدام الحرارة الناتجة من أجهزة الكمبيوتر والتكييف الداخلي لتدفئة المبنى ويعتبر هذا المبنى من أقل المباني استهلاكاً للطاقة في أوروبا.
( هامبورغ- ألمانيا)BIQ House6-
وهي واجهة مبتكرة تستخدم طحالب حية في ألواح الواجهة لتوليد الطاقة الحيوية وتوفير الظل والعمل كفلتر طبيعي
وقد حققت الواجهة تكيف طبيعي مع البيئة ومبنى ينتج طاقته بنفسه.

الشكل (1) واجهات متكيفة لمباني عربية وعالمية
نماذج تطبيقية -5
سيتم تصميم واجهة معمارية متكيفة إحداهما في مناخ حار وجاف والأخرى في مناخ معتدل .
5-1- نموذج تطبيقي في مناخ حار وجاف
تحديد المكان : الرياض, السعودية .
نوع المشروع : مبنى إداري .
تحليل المناخ : أشعة شمس قوية معظم السنة ( خاصة الواجهة الجنوبية والجنوبية الغربية) ودرجات حرارة مرتفعة تصل إلى 45 درجة مئوية مع رياح شمالية جافة ورطوبة نسبية منخفضة.
تحديد أهداف الواجهة المتكيفة: تقليل الإشعاع الشمسي المباشر بنسبة لاتقل عن 60% والسماح بتهوية طبيعية لخفض استهلاك التكييف واستخدام الضوء الطبيعي بدون وهج مع إضافة طابع محلي عصري.
تصميم مبدئي للواجهة: تتألف الواجهة من العناصر التالية :
العنصر | وظيفة التصميم | التكيّف |
مشربيات متحركة | ظل + تخفيض الإشعاع الشمسي | أوتوماتيكية (تتحرك حسب الشمس) |
واجهة مزدوجة (Double-skin) | عزل حراري + تهوية طبيعية | مفعّلة بالحساسات |
زجاج عاكس ذكي | تقليل اكتساب الحرارة + وضوح بصري | زجاج حراري متغير (Smart Glass) |
5-2- نموذج تطبيقي في مناخ معتدل
تحديد المكان : لندن ، انكلترا.
نوع المشروع : مبنى إداري.
تحليل المناخ : معتدل بحري ( صيف معتدل وشتاء بارد وأمطار طوال أيام السنة).
تحديد أهداف الواجهة المتكيفة: تقليل استهلاك الطاقة وتحسين الراحة الحرارية .
تصميم مبدئي للواجهة: تتألف الواجهة من العناصر التالية :
العنصر | وظيفة التصميم | التكيّف |
واجهة مزدوجة (Double-skin) | إضاءة نهارية+ تهوية طبيعية | مفعّلة بالحساسات |
الشكل الحلزوني | مقاومة الرياح | انسيابية مع اتجاه الرياح |
النتائج:
أظهرت الواجهات المعمارية المتكيفة نجاحاً في عدة نقاط منفردة أو مجتمعة أهمها:
– تقليل استهلاك الطاقة بنسبة 30-35 % مقارنة بالواجهات التقليدية.
– تطورت استراتيجيات التصميم من حلول سلبية بسيطة إلى أنظمة نشطة تعتمد على الحساسات والذكاء الاصطناعي.
– أصبح تكامل الجماليات المعمارية مع الأداء الوظيفي ممكناً بفضل التطور في مواد البناء الذكية .
– تحقيق الاستدامة البيئية مع مراعاة الطابع الثقافي للمكان.
– تحتاج الواجهات المتكيفة بالمناخ الحار إلى وسائل تلاءم أكبر منها في المناخ المعتدل.
التوصيات:
لدراسة فعالة للواجهات المتكيفة لابد من تحليل السياق المناخي والثقافي لموقع المشروع قبل اختيار الأنظمة المناسبة ودعم البحث في تطوير استخدام مواد وأنظمة ذكية متكاملة مع العمارة البيئية وتعزيز الوعي بأهمية تحقيق واجهات الأبنية
المختلفة للاستدامة والاهتمام بالتصاميم المستوحاة من الطبيعة في المشروعات المستقبلية.
المراجع:

كلية العمارة والتخطيط العمراني- الجامعة الوطنية الخاصة