ديمومة المباني البيتونية المسلحة
الهندسة المدنية - الجامعة الوطنية الخاصة -
ملخص:
تهدف المقالة لتقديم دراسة عن استخدام البيتون في المباني التاريخية وتوضيح أسباب ديمومتها وبقائها بالرغم من الظروف التي تعرضت لها على مر الزمن كما تهدف لتعريف المهندس بمصطلح ديمومة البيتون والعوامل المؤثرة عليه وتحديد الطرق الأكثر فعالية لحماية المنشآت وضمان استمرار عملها لأطول مدة ممكنة مما يخفض من التكاليف ويزيد من فاعلية الأبنية القائمة في بلدنا سورية واستدامتها من خلال استخدام التقنيات المطلوبة لحماية المنشآت القائمة والحد من الأضرار التي تتعرض لها الأبنية وحسب التوقعات فإننا مقبلون على فترة إعادة الاعمار مما يتطلب ادخال هذا المصطلح ضمن معايير البناء نظراً لأهميته الكبيرة وما يحققه من منافع تعود على الحركة العمرانية المتوقع حدوثها في المرحلة القادمة .
كلمات مفتاحية: الديمومة، البيتون، حماية المنشآت، معايير البناء، اعادة الاعمار.
1-مقدمة تاريخية:
اُستخدمت الخرسانة منذ العصور القديمة ويعود الاستخدام الأول للملاط الى حضارات ما بين النهرين منذ الالف الرابع قبل الميلاد حيث استخدمت المواد المحلية كالكلس والطين لربط العناصر الحجرية مع بعضها كما استخدم الطين مع الألياف النباتية كمادة بناء في العديد من الحضارات القديمة ونتيجة ضعف هذه المواد تجاه العوامل الجوية فقد اختفت معظم هذه المباني مع مرور , وحدث التطور في مواد البناء نتيجة الحاجة الى استمرار عمل العديد من المنشآت في حضارات بلاد الرافدين حيث ظهر القرميد المشوي في الافران والذي أعطى البداية في استدامة المباني وخاصة القصور وبقايا المباني التي وصلت لنا في منطقتنا العربية كالحضارة البابلية والاشورية ومنها بقايا مدينة بابل كما هو موضح في الشكل (1) .
الشكل(1) : استخدام القرميد المشوي في بناء مدينة بابل وبوابتها لشهيرة في متحف برلين
واستخدمت الحضارة المصرية القديمة والحضارة اليونانية الملاط الخاص بها الذي يعتمد على سحق أنواع معينة من الرمل والكلس مع بعض الإضافات وهو ما سمح باستمرار العديد من مباني هذه الحضارات ووصولها سليمة حتى يومنا الحالي.
تعتبر الحضارة الرومانية أول من صنع البيتون في شكله البدائي من الرماد البركاني (البوزولاني) من جبل بيزوف إضافة للجير المائي وقد تفوقت الخرسانة الرومانية على الوصفات الخرسانية الأخرى التي تتكون من الرمل والجير فقط المستخدمة في الثقافات الأخرى [1] وأضافوا لاحقاً لخليط الرماد البركاني والكلس المائي غبار الطوب الحروق فتشكل أول شكل للخرسانة بشكلها البدائي، كما اخترع الرومان الخرسانة الهيدروليكية أيضًا والتي صنعوها من الرماد البركاني والطين وكان أهم مبانيهم التي بقيت حتى يومنا هذا مبنى البانثيون (Pantheon) الموضح في الشكل (2) والذي تأسس عام 27 قبل الميلاد حيث يعد من أوائل المباني التي عبرت عن مفهوم ديمومة البيتون بالمعنى المعاصر حيث يملك أكبر وأقدم قبة مصنوعة من البيتون غير المسلح في العالم حتى يومنا الحالي .
الشكل (2): مبنى البانثيون وقبته البيتونية المشهورة من الداخل – روما
صمد البانثيون نتيجة استخدام مواد وتقنيات بناء اعتبرت ثورة في مجال الانشاء في ذلك العصر ومازالت مصدر للدراسات في أيامنا الحالية وذلك من خلال استخدام خمسة أنواع من البيتون في بناء القبة والعناصر الحاملة لها كما هو موضح في الشكل (3) وان الاستخدام المكثف للخرسانة المصبوبة بين واجهات الطوب تجعل مبنى البانثيون كتلة متماسكة تضمن صلابتها ومقاومة جيدة لقوى التشوه الناتجة عن وزن القبة الهائل وارتفاع المبنى الكبير، حيث تحوي الخرسانة المستخدمة على ركام حبيبي مختلف مناسب لاحتياجات القوة أو الخفة بدءًا من الأسفل، هناك خمسة أنواع مختلفة من الخرسانة كما يلي: [2]
الشكل (3): مقطع عرضي في مبنى البانثيون وقبته البيتونية وطبقات البناء الرئيسية
يمكن القول إن الرومان لم يستخدموا الاسمنت المعروف في يومنا هذا وانما شكل بدائي من المونة مع مواد وإضافات خاصة بينما يصنع الاسمنت عن طريق حرق الطين والحجر الجيري بدرجات حرارة عالية (أكثر من 1300 درجة)، وهذه التقنية لم تكن متوفرة لدى الرومان، وتم اختراع الاسمنت البورتلاندي المعروف في النصف الثاني من عام 1800 من قبل الإنجليزية جوزيف اسبدين (Joseph Aspdin)، ومن خلال إضافة الماء والرمل والحصى للإسمنت البورتلاندي يتم الحصول على الخلطة البيتونية. [3]
يعود استخدام البيتون المسلح بشكله الأولي الى العالم جوزيف لامبوت ،حيث قام باختراع الفيروسمنت كشكل أولي من الخرسانة المسلحة من خلال استخدام الشبك المعدني مع المونة الاسمنتية [4], وبعدها تطورت أساليب الانشاء من خلال استخدام البيتون المسلح المصبوب بالقوالب وبعد تصلبه يتحمل البيتون اجهادات الضغط والفولاذ اجهاد الشد وأول من استخدمها في البناء كان الإنجليزي وليام ويلكنسون (William Wilkinson) في عام 1854، ويعتبر أوجوست بيريه(Auguste Perret) من أوائل الباحثين في وضع علاقات التصميم للعناصر البيتونية المسلحة[3].
2-تعريف ديمومة البيتون:
تعرف الديمومة بأنها قدرة البيتون على تحمل الظروف التي صمم من أجلها لكي يعمل في محيطها فترة طويلة من الزمن (العمر الافتراضي) دون حدوث تلف أو تفتت به، بمعنى أنه يجب عليه مقاومة آليات التدهور والتآكل الناتجة عن مختلف التفاعلات الكيمائية الضارة مع الوسط المحيط بها. [5] وتتجلى ظاهرة تدهور الخرسانة من خلال التفاعلات التي يمكن أن تنجم عن تأثير العوامل الخارجية أو العناصر الداخلية لها، هذه التأثيرات يمكن أن تكون ميكانيكية وفيزيائية أو كيميائية ناجمة عن أفعال القلويات السيليكية والكربونية والتأثيرات الكيميائية الخارجية عند وجود الأيونات العدوانية مثل الكلوريدات، الكبريتات وغاز الكربونيك والعديد من الغازات والسوائل ذات الاَصل الطبيعي أو الصناعي. [6]
وبشكل عام تدل ديمومة البيتون على قدرته على تحمل الظروف التي صمم من أجلها، أو قدرته على أداء وظيفته المطلوبة طوال عمر المنشأ دون أن يتعرض للتلف أو فقدان أي من مقاومته أو متانته.
3-العوامل المؤثرة على ديمومة المنشآت البيتونية المسلحة:
تكتسب العناصر الإنشائية (بلاطات، جوائز، أعمدة، اساسات، جدران قص، أرصفة بحرية، قشريات، الخ) المكونة للمباني السكنية والصناعية والمنفذة بالبيتون المسلح صفة الديمومة عندما يتم تصميمها وتنفيذها بطرق صحيحة تضمن حماية قضبان التسليح الفولاذية من الصدأ والتآكل نتيجة العوامل الخارجية والأوساط الضارة، كما تضمن استمرارية هذه العناصر في تحقيق متطلبات الاستثمار والتشغيل التي صممت من أجلها خلال العمر التشغيلي لتلك المنشآت.
توجد العديد من العوامل التي تؤدي لتدهور البيتون المسلح وتلفه مما يؤدي لتقليل ديمومة المنشأت البيتونية المسلحة وهي :
3-1- العوامل الداخلية المؤثرة على ديمومة البيتون:
تعتمد ديمومة الخرسانة على عوامل متعددة مثل جودة المكونات المستخدمة في صنع الخرسانة، وعملية الخلط والتجانس، وعملية صب الخرسانة والتجفيف، وظروف التعرض للعوامل البيئية والتحميل القائم على الخرسانة. يعتبر الحفاظ على ديمومة الخرسانة أمرًا هامًا لضمان سلامة المنشآت المبنية من الخرسانة وتقليل حدوث التلف والتشققات وأهم هذه العوامل الداخلية:
2-3- العوامل الخارجية المؤثرة على ديمومة البيتون:
وهي كل العوامل المرتبطة بالوسط المحيط بالبيتون وما يحتويه من مواد ضارة تؤدي إلى تلفه أو تضرره وتشمل:
1-هجوم المواد الكيميائية الضارة مثل السلفات (الكبريتات) والكلوريدات للبيتون:
ان هجوم الكبريتات معقد جداً و مصدر الكبريتات يمكن أن يكون خارجياً مثل الموجود في المياه الجوفية والسطحية أو التربة المحيطة بالبيتون، أو داخلياً مثل الموجود ضمن تراكيب المواد الداخلية في البيتون كالركام بنوعيه والاسمنت والماء والاضافات [7] , إن املاح الكبريتات الاعتيادية هي كبريتات الكالسيوم المائية )الجبس) (O2H4.CaSo) وكبريتات المغنيسيوم( 4MgSO) وكبريتات الصوديوم( 4(SO2Na وهذه الكبريتات تتفاعل مع عجينة الإسمنت حيث تتفاعل مع هيدروكسيد الكالسيوم 2(OHCa، معطية كبريتات الكالسيوم ثم يتفاعل هذا اَلخير مع الومينات ثالثي الكالسيوم ويسمى الومينات الكالسيوم الكبريتية المائية أو (الإترنجيت Ettrengite ) كما هو موضح في الشكل (4) وهو على شكل بلورات تحتل الفراغات الموجودة في البيتون وتكون هذه المركبات بحجم اكبر من حجمها قبل التفاعل، ولذلك فان التفاعلات مع الكبريتات تؤدي الى زيادة حجمية كبيرة في العجينة الإسمنتية المتصلبة مؤدية إلى حصول إجهادات داخلية تسبب تشققات في الكتلة الخرسانية مما يؤثر على مقاومتها. [11]
الشكل (4): صورة مجهرية للعجينة الاسمنتية وتشكل بلورات Ettrengite [11]
تعتبر الكلوريدات الموجودة فـي التربة والمياه ومواد البناء المستخدمة في العملية الإنشائية مساعداُ مهما في زيادة حدوث تآكل الخرسانة، حيث تشارك الكلوريدات في مهاجمـة أجزاء المنشأ خاصة حديد التسليح ويبدأ ذلك من لحظة اتحاد مكونات الخلطة الخرسانية وأثناء فتـرة التصلب والترطيب يتكون وسط مناسب من الحموضة PH تتمحور حول قضبان الحديد فيتأثر أو يصبح قادرا على الانحلال، وعموما نستطيع أن نتحدث عن آليتين لتدهور الخرسانة بفعل الكلوريدات:
الشكل (5): تآكل البيتون وتقشره وصدأ الفولاذ بفعل الكلوريدات
الشكل (6): مراحل وشكل التآكل لفولاذ التسليح بفعل الكلوريدات
2-تأثير مياه البحر:
تتعرض العناصر البيتونية المسلحة لنوعين من المؤثرات الناتجة عن مياه البحر وهي:
3-تأثير مياه المجاري والمخلفات الصناعية:
تؤثر المياه الملوثة بالمواد العضوية والمواد الكيميائية المختلفة والتي تتواجد في مياه الصرف الصحي وفي مخلفات المعامل على البيتون المسلح في المنشآت المتصلة مع هذا النوع من المياه مثل الانابيب البيتونية والأحواض المختلفة والخزانات حيث تسبب نخر البيتون العادي المنفذ بإسمنت بورتلاندي وليس مقاوم للكبريتات كما تسبب صدأ الفولاذ غير المحمي والمعزول.
3-3- العوامل الإنشائية المؤثرة على ديمومة البيتون:
يمكن للأخطاء الانشائية أن تكون عاملا مهماً في تقليل عمر المنشأة من خلال العديد من النقاط ومنها:
4-3- العوامل الخاصة الأخرى المؤثرة على ديمومة البيتون:
4-أهم اختبارات ديمومة البيتون:
تجرى العديد من التجارب اللازمة لتحديد ديمومة البيتون وأهمها:
1-اختبار نفاذية الماء:
يعتبر هذا الاختبار الأكثر شيوعاً في تقييم نفاذية البيتون وهو من المواصفات القياسية الألمانية (1048 (DIN وكما هو موضح في الشكل (6)، حيث يتم في هذا الاختبار ضخ الماء بضغط خمسة بار ولمدة ٧٢ ساعة من أسفل سطح مكعب بيتوني طول ضلعه (150mm). وبعد انتهاء فترة الاختبار، يتم فلق مكعب الخرسانة وقياس أقصى عمق لاختراق الماء في مكعب الخرسانة كما هو موضح في الشكل (7)، وقد حددت جمعية الخرسانة البريطانية [9] كيفية تقييم نفاذية الخرسانة باستخدام هذا الاختبار، كما هو موضح في الجدول (1).
الجدول رقم(1): تقييم نفاذية البيتون بناء على اختبار نفاذية الماء [9]
تقييم البيتون | عمق اختراق الماء |
منخفض النفاذية | أقل من 30 مم |
منخفض النفاذية | من 30 الى 60 مم |
منخفض النفاذية | أكثر من 60 مم |
الشكل (7): اختبار نفاذية البيتون للماء وفقاً للمواصفات القياسية الألمانية
2-اختبار نفاذية الكلورايدات:
يتم استخدام اختبار نفاذية الكلوريدات [10] حسب المواصفات الأمريكية AASHTO T277 و 1202 ASTM C، لتقييم مستوى أداء الخرسانة لمقاومة نفاذية الكلوريدات, اعتمادا على تعجيل نفاذية أيونات الكلوريدات, كما هو موضح في الشكل (8), وفي هذا الاختبار يتم وضع العينة البيتونية في خلية معرضة لفرق جهد كهربائي بمقدار ٦٠ فولت لمدة ٦ ساعات يتم خلالها احتساب الشحنة الكهربائية المارة – بالكولوم- خلال الخلية المحتوية على ٪3 من محلول كلورايد الصوديوم, وكلما زادت الشحنة الكهربائية المارة كان ذلك مؤشراً على الزيادة في نفاذية الكلورايدات في البيتون. ويوضح الجدول (٢) تقييم أداء الخرسانة من حيث مقاومتها لنفاذية الكلورايدات بناء على المواصفات AASHTO T-277 .
الجدول رقم(2): تقييم نفاذية البيتون بناء على اختبار نفاذية الكلورايدات [10]
تقييم البيتون تبعا لنفاذية الكلورايدات | الشحنة المارة (كولوم) |
مرتفع | اكثر من 4000 |
متوسط | 4000 الى 2000 |
منخفض | 2000 الى 1000 |
منخفض جداً | 1000 الى 100 |
معدوم | أقل من 100 |
الشكل (8): اختبار نفاذية الكلورايدات وفقاً للمواصفات القياسية الأمريكية
5-طرق زيادة ديمومة البيتون في المنشآت البيتونية المسلحة:
يعد البيتون من أهم مواد البناء في العالم، حيث يتميز بالمتانة وقدرته على التحمل، وبسبب تعرضه للعوامل البيئية المختلفة مثل الرطوبة، والحرارة، والمواد الكيميائية المختلفة وخاصة في البيئات الصناعية أو البحرية سوف يؤدي إلى تدهوره بمرور الوقت. لذلك، فإن تحسين ديمومة الخرسانة يعد أمرًا أساسيًا لزيادة عمر المنشآت، وفيما يلي أهم الطرق لزيادة ديمومة البيتون:
6-المقترحات والتوصيات لضمان ديمومة البيتون في المنشآت البيتونية المسلحة في سورية:
نظراً لتعرض المباني القائمة في الجمهورية العربية السورية للأضرار الكبيرة نتيجة الحرب والزلزال، ونتيجة الإهمال في عملية الصيانة الدورية من قبل القاطنين فيها بسبب قلة الموارد أو غيابهم عنها لفترات طويلة بفعل الحرب، فانه لا بد من تطوير الاهتمام بسلامة المباني القائمة، ويجب على نقابة المهندسين في سورية لحظ موضوع ديمومة المنشآت البيتونية المسلحة و إصدار ملحق خاص للكود العربي السوري يتضمن التوصيات الرئيسية لتأمين ديمومة البيتون وتحديد الاختبارات القياسية اللازمة بما يتوافق مع إمكانيات المخابر في الجمهورية العربية السورية , وإقامة الندوات اللازمة لتعريف المهندسين بأهمية هذا الموضوع وما ينتج عنه من تخفيض كبير في كلفة الاستثمار والصيانة على المدى الطويل مما ينعكس ايجاباً على مرحلة إعادة الاعمار القادمة .
7- المراجع: