لماذا ندرس التسويق ؟
كلية العلوم الإدارية و المالية - الجامعة الوطنية الخاصة
مقدمة
تعتبر دراسة التسويق أساسية لنجاح الشركات في الأسواق والتي تمتاز بالتنافسية العالية. من خلال فهم احتياجات العملاء ورغباتهم، يمكن للشركات تطوير سلع وخدمات تلبي تلك الاحتياجات بشكل أفضل. وبفضل دراسة التسويق، يمكن للشركات إنشاء استراتيجيات تسويقية فعالة تزيد من مبيعاتها وتحافظ على ولاء العملاء. بالإضافة إلى ذلك، تساعد دراسة التسويق الشركات على فهم سلوك العملاء وتحليل البيانات الخاصة بهم لتحقيق نتائج إيجابية وزيادة تأثيرها في السوق.
وعلى عكس الاعتقاد السائد، المنتجات لا تبيع نفسها. وبشكل عام، لا تنجح فلسفة الفرضية القائلة بأن “العرض سوف يخلق الطلب الخاص به” أو أن “المنتج الجيد يبيع نفسه”. حيث أن التسويق الجيد يعمل على تثقيف العملاء حتى يتمكنوا من العثور على المنتجات التي يريدونها، واتاحة أفضل البدائل للوصول إلى القرار المناسب بشأن هذه المنتجات، واستخلاص أكبر قدر من القيمة منها. وبهذه الطريقة، يساعد التسويق في تسهيل التبادلات بين المشترين والبائعين لتحقيق المنفعة المتبادلة لكلا الطرفين. وعلى نحو مماثل، يوفر التسويق الاجتماعي الجيد للناس المعلومات ويساعدهم على اتخاذ قرارات أكثر صحة لأنفسهم وللآخرين بطريقة يراعى فيها سعادة ورفاهية المجتمع ككل.
وبالطبع، يجب على جميع طلاب إدارة الأعمال أن يفهموا جميع المجالات الوظيفية للشركات، بما في ذلك التسويق. فالتسويق لا يقتصر دوره على مجرد على المساهمة في نجاح الشركات فحسب بل إن التسويق له تأثير اقتصادي كبير على الشركات والاقتصاد بشكل عام، حيث يساعد في زيادة حجم المبيعات والإيرادات. فعندما تنفذ الشركات استراتيجيات تسويقية ناجحة، يمكن لهذا أن يؤدي إلى تحفيز النمو الاقتصادي وزيادة فرص العمل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتسويق أن يدعم الابتكار والتطوير من خلال دفع الشركات لابتكار منتجات جديدة لتلبية احتياجات الزبائن ورغباتهم المتجددة باستمرار بالطريقة التي تحقق القيمة الأفضل لجميع الأطراف. وبالتالي يساهم التسويق في دفع عجلة الاقتصاد وتعزيز التبادل التجاري والنمو الاقتصادي.
ما هو التسويق:
عندما نسأل مجموعة من الناس ”ما هو التسويق؟“ سيجيب معظمهم ”الإعلان“ أو ”البيع“. لكن الصحيح أن كلتا هاتين الوظيفتين هي جزء من التسويق، لكن التسويق في الحقيقة أكثر من ذلك بكثير. حيث تُعرّف جمعية التسويق الأمريكية (AMA) التسويق بأنه ”النشاط، والمؤسسات، والعمليات المتعلقة بإنشاء وتوصيل وتقديم وتبادل العروض التي لها قيمة للعملاء والشركاء والمجتمع ككل.” ومن هذا التعريف يمكن القول أنه يتكون التسويق من كل عملية تنطوي على نقل منتج أو خدمة من المؤسسة إلى المستهلك. ويشمل ذلك تمييز احتياجات العملاء، وتطوير المنتجات أو الخدمات لتلبية تلك الاحتياجات، وتحديد من هم الأشخاص الذين من المحتمل أن يشتروا المنتجات أو الخدمات، والترويج لها، ونقلها عبر قنوات التوزيع المناسبة للوصول إلى هؤلاء العملاء. أي أن التسويق يتعلق بفهم ما يريده العملاء واستخدام هذا الفهم لدفع عجلة العمل. كما يمكن تعريف التسويق أيضاً على أنه مجموعة الأنشطة التي ينطوي عليها تحديد وتوقع احتياجات العملاء ثم محاولة تلبية تلك الاحتياجات بشكل مربح. ومن التعريف نجد أن دراسة التسويق تفيد في تحديد احتياجات العملاء, وهنا يأتي عادةً دور بحوث التسويق، كما أن أبحاث السوق تساعد الشركة على تطوير صورة مفصلة عن عملائها، بما في ذلك فهم واضح لرغباتهم واحتياجاتهم. ومن ثم توقع احتياجات العملاء, بعد تحليل البيانات التي تم جمعها، يمكن للمسوقين التنبؤ بكيفية تغيير المنتجات أو تكييفها أو تحديثها. ليتم بعد ذلك تلبية احتياجات العملاء. فإذا قام المسوقون بواجبهم بشكل صحيح وفهموا احتياجات عملائهم بشكل واضح، فسوف يسعد المستهلكون بشراء منتجاتهم وسيكونون أكثر عرضة لإجراء عمليات شراء إضافية. أخيراً فإن الربح أو الربحية مصطلح بسيط نسبيًا؛ وهو عندما تكون إيرادات الشركة أكبر من نفقاتها. لكن فيما يتعلق بالتسويق، فإن الطريق إلى الربحية يعني إضافة قيمة إلى المنتج بحيث يكون السعر الذي يدفعه العملاء أكبر من تكلفة صنع المنتج.
كما تتمثل فائدة التسويق الأساسية للمجتمع في أنه يدفع عجلة الاقتصاد الاستهلاكي. فالتسويق يؤدي إلى زيادة المبيعات والإيرادات للأعمال التجارية مما يمكّنها من توسيع عملياتها وخلق المزيد من الوظائف الداخلية والوظائف الخارجية للشركاء مثل الموردين. حيث تشير عملية التسويق إلى سلسلة الخطوات التي تساعد الشركات في تخطيط وتحليل وتنفيذ وتعديل استراتيجيتها التسويقية. ومن هنا نلاحظ أنه لتتم هذه العملية هناك خمس خطوات: فهم السوق والعملاء، وتطوير استراتيجية التسويق، وتقديم القيمة، وتنمية العلاقات مع العملاء، والحصول على القيمة من العملاء.
كما أن وظيفة التسويق هي في الأساس مسؤولة عن إدارة المزيج التسويقي الذي يتلخص في أبسط صوره في أربعة عناصر هي المنتج والسعر والمكان والترويج.
كذلك عندما يتم تطبيق التسويق بنجاح، فإن الطبيعة المتمحورة حول العميل التي يركز عليها نهج التركيز على العميل في التسويق لديها القدرة على خلق تسويق يكرّم حقًا مفهوم التسويق الذي طرحه روبرت، نائب الرئيس التنفيذي لشركة بيلسبري آنذاك، في عام 1960: ”المستهلك، وليس الشركة، في الوسط. ” تدور الشركات حول العميل وليس العكس”.
كما يؤدي التقدم في التقنيات الرقمية المقترن بتدفق البيانات إلى تغيير مشهد تعليم التسويق بوتيرة سريعة. ونظرًا لحجم وسرعة التطور الرقمي في الصناعة اليوم، يواجه أكاديميو التسويق تحديات مستمرة في معالجة الفجوة بين النظرية والممارسة، والتي ستتسارع وتيرتها.
كذلك يمكن لاستراتيجيات التسويق المحددة جيدًا أن تفيد الشركة بعدة طرق. قد يكون من الصعب وضع الاستراتيجية الصحيحة أو تنفيذ الخطة، ولكن عندما يتم التسويق بشكل جيد، يمكن أن يحقق التسويق النتائج التالية: توليد الجمهور, حيث يسمح التسويق للشركة باستهداف أشخاص محددين تعتقد الشركة أنهم سيستفيدون من منتجها أو خدمتها. يمكن أيضًا استخدام التسويق لإعلام العالم بما تقوم به شركتك، والمنتجات التي تبيعها، وكيف يمكن لشركتك أن تثري حياة الآخرين. يمكن أن تكون الحملات التسويقية تثقيفية، حيث تُعلِم من هم خارج شركتك لماذا يحتاجون إلى منتجك. بالإضافة إلى ذلك، تسمح الحملات التسويقية للشركة بالتعريف بنفسها وتاريخها ومالكيها ودوافعها لكونها الشركة التي هي عليها. كذلك يفيد التسويق في إنشاء العلامة التجارية, حيث يسمح التسويق للشركة باتباع نهج هجومي لإنشاء علامة تجارية. فبدلاً من أن يقوم العميل بتشكيل رأيه في الشركة بناءً على تفاعلاته، يمكن للشركة أن تشرك العميل بشكل استباقي بمحتوى أو وسائط معينة لإثارة مشاعر أو ردود أفعال معينة. وهذا يسمح للشركة بتشكيل صورتها قبل أن يتفاعل العميل مع منتجاتها. وأيضاً يمكن أن يكون للحملات التسويقية التي تتم بشكل صحيح تأثير طويل الأمد على العملاء. كذلك يساهم التسويق في تحسين الأداء المالي, حيث أن الهدف والفائدة النهائية للتسويق هي زيادة المبيعات. وعندما تكون العلاقات مع العملاء أقوى ومحددة بشكل جيد وإيجابي، من المرجح أن ينخرط العملاء في المبيعات. عندما يتم التسويق بشكل صحيح، يتجه العملاء إلى شركتك, وتكتسب ميزة تنافسية على منافسيك. حتى لو كان كلا المنتجين متماثلين تمامًا، يمكن للتسويق أن يخلق تلك الميزة التنافسية التي تجعل العميل يختارك دونًا عن غيرك.
ومع ازدياد انتشار دراسة التسويق على مدار القرن العشرين، سرعان ما أصبح من الواضح أن المنظمات والأفراد لا يقومون بتسويق السلع والخدمات فحسب، بل أيضًا تسويق الأفكار (التسويق الاجتماعي)، والأماكن (التسويق في الموقع)، والشخصيات (تسويق المشاهير)، والأحداث (تسويق الأحداث)، وحتى المنظمات نفسها (العلاقات العامة).
فهم تجزئة السوق
نحن نعيش في عالم متعدد الثقافات ومع تنوع شرائح المستهلكين، يتعين على العلامات التجارية أن تعكس بشكل صحيح مجموعة واسعة من الخلفيات والخبرات الحياتية من أجل التواصل الفعال مع المستهلكين. لذلك، يجب على المسوقين احترام التفضيلات الفردية بشكل متزايد والاحتفاء بالاختلافات وتعزيز تخصيص المنتجات والخدمات لتلبية احتياجات العملاء ورغباتهم وتفضيلاتهم. وفي الوقت نفسه، لإنتاج منتج أو خدمة قابلة للتطبيق وبيعها بشكل مربح، يجب على المسوقين تحديد مجموعات وأنواع العملاء المحتملين الذين لديهم خصائص مشتركة معينة، أي تقسيم السوق. حيث يتطلب التقسيم تخصيص الأفراد إلى فئات محددة مسبقًا بسلوكيات يمكن التنبؤ بها، بناءً على افتراضات موحدة. كما تعتبر تجزئة السوق أحد أهم المفاهيم في نظرية التسويق. ويساعد تطبيقه في الممارسة العملية المديرين في اختيار السوق المستهدفة المناسبة، والتي بدورها ضمان لنجاح صياغة وتنفيذ استراتيجية التسويق مما يساهم في نمو الشركة. وتعني تجزئة السوق تقسيم سوق المنتجات غير المتجانسة إلى مجموعات متجانسة نسبياً من المستهلكين تسمى شرائح السوق. حيث تنشأ فرص تجزئة السوق عندما تكون هناك اختلافات في تفضيلات المستهلكين للمنتج وسماته. والغرض من تجزئة السوق هو تحديد مجموعات المستهلكين المميزة التي يشترك أعضاؤها في الاحتياجات والرغبات والأولويات المشتركة. وبهذه الطريقة يمكن للشركة أن تقدم مزيجًا تسويقيًا محددًا لكل شريحة سوقية على حدة، وبالتالي التكيف مع احتياجات المستهلكين ورغباتهم وأولوياتهم بطريقة أكثر كفاءة وملاءمة من الناحية المالية. وهذا بدوره يؤدي إلى تعريف أوضح للميزة التنافسية وزيادة المبيعات والولاء ومشاركة العملاء. حتى عندما تبيع الشركة نفس المنتج لشرائح مختلفة من المستهلكين، يمكنها تطوير استراتيجيات تسويقية محددة لكل شريحة من شرائح السوق، بالإضافة إلى عرض سلع وخدمات إضافية تلبي احتياجات المستهلكين المختلفين على أفضل وجه.
في الممارسة العملية، يتم تطبيق أربعة أنواع رئيسية من تجزئة السوق:
على سبيل المثال أحد المعايير الأكثر استخدامًا لتجزئة السوق في الممارسة العملية هو المعيار الديموغرافي العمر. وينشأ ذلك من ظروف مثل:
وحسب قاموس كامبردج تعرَّف الشريحة بأنها ”مجموعة من الأشخاص الذين يشتركون في سمة معينة، وعادةً ما تكون في العمر“. وفي مجال التسويق، من الشائع جدًا إجراء استطلاعات لرأي المستجيبين الذين هم في سن معينة, مثل الطلاب الذين أعمارهم 18 عام أو الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و25 عام. وهذه أيضاً إحدى الوظائف الأساسية للنشاط التسويقي التي يمكن فهمها من خلال دراسة التسويق.
حيث يمكن عرض بعض الجوانب الرئيسية المتعلقة بأهمية التجزئة من وجهة نظر التسويق:
ووفقًا لقاموس كامبريدج فإن الجيل هو ”جميع الأشخاص من نفس العمر تقريبًا داخل مجتمع ما أو داخل عائلة معينة“. لذلك يجب مراعاة التحول من جيل إلى آخر في استراتيجية التسويق. وإلا فإن ذلك يعني أننا نساوي بين الشخص (أ) الذي بلغ سن 15 عامًا في عام 1995 والشخص (ب) الذي بلغ نفس العمر في عام 2024. وهؤلاء مستخدمون مختلفون تمامًا، وممثلون لأجيال مختلفة، ولديهم تفضيلات مختلفة. فالافتراض بأن كلاهما شاب في سن 15 عامًا غير كافٍ على الإطلاق. فالرسالة التي طورناها للوصول إلى المستهلك (أ) لن تكون ذات صلة بالمستهلك (ب)، بغض النظر عن أنهم من نفس العمر.
فكل جيل يختلف عن الجيل الآخر. ويرتبط ذلك ارتباطًا مباشرًا بالعصر والأحداث التاريخية والحركات الاجتماعية التي تمر به. حيث تتشكل الأجيال إلى حد كبير بظروف الحياة التي يوفرها العصر الذي يعيشون فيه، وتتأثر الأجيال في بنائها كأفراد بعوامل مختلفة ومترابطة منها:
العوامل الثقافية, الاجتماعية, الاقتصادية, السياسية, والتطور التكنولوجي الذي يؤثر بشكل مباشر على التنمية الاقتصادية.
لذلك يجب أن يعرف المسوقون ما هو مميز في كل جيل من أجل معرفة كيفية الوصول إليهم, حيث تتعايش في المجتمع أجيال مختلفة، ويؤدي كل منهم دورًا اجتماعيًا مختلفًا.
فليس كل العملاء في سوق محدد لديهم نفس الاحتياجات, لذلك ينظر إلى تجزئة السوق على أنه أمر صعب, حيث تنبع مشاكل كثيرة من التجزئة السيئة للأسواق فمن المفترض أن تساعد دراسة التسويق المختصين في هذا المجال من خلال تقديم فهم واضح للأمور التالية:
يسعى المسوقون جاهدين للوصول إلى الفئة المستهدفة من المستهلكين. ولهذا الغرض، يستخدمون معايير مختلفة للتقسيم تسمح لهم بتحديد ملامح المستهلكين المستهدفين بدقة أكبر.
التسويق يقدم القيمة
في الوقت الحالي يوجد لدى العملاء خيارات وبدائل شراء لا تعد ولا تحصى. وبالنظر إلى ذلك، كيف يمكن للشركة أن تجذب عملاءها والأهم من ذلك أن تحافظ عليهم؟ الإجابة من خلال دراسة التسويق بسيطة نسبيًا: أن تقدم لهم قيمة مقابل أموالهم. وبحسب التعريف، فإن قيمة العميل هي النسبة بين الفوائد المدركة والتكاليف التي تكبّدها العميل في الحصول على المنتج أو الخدمة. ولكن ”القيمة“ من وجهة نظر العميل مصطلح معقد، لأننا في الحقيقة نأخذ بعين الاعتبار أربعة أنواع مختلفة من القيمة:
يتم زيادة القيمة من خلال زيادة الفوائد (في شكل منتج أو مكان أو عرض ترويجي) أو تقليل التكاليف.
ومن الملاحظ أن التسويق لا يقدم قيمة للعملاء فحسب، بل تترجم هذه القيمة أيضاً إلى قيمة خاصة بالشركة مع تطوير قاعدة عملاء موثوقة وزيادة المبيعات والأرباح والحصة السوقية. لذا عندما نقول إن التسويق يقدم قيمة، فإن التسويق يقدم قيمة لكل من العميل والشركة على حدٍّ سواء. وبالتالي ينهي التسويق المهمة من خلال ضمان أن ما يتم تقديمه ذو قيمة لجميع الأطراف. حيث لا يوجد عمل تجاري ينجو من دون خلق قيمة للعملاء فهذا هو ما تفعله الشركات وتشكيل هذه القيمة يتم من خلال التعرف إلى حاجات ورغبات العملاء ودرجة قدرتهم على تلبية هذه الاحتياجات والرغبات من خلال تقديم القيمة. الفكرة هي أن القيمة الواجب ايصالها للعميل ليست شيئاً يمكن إنشاؤه في غضون يوم واحد, إنه ابتكار استراتيجي ينتج عن طريق تقديم مزيج من القيمة الاجتماعية والجودة والقيمة العاطفية والأسعار المناسبة للمنتجات والخدمات التي يرغب العملاء في دفعها لتلبية احتياجاتهم ورغباتهم الحالية والناشئة غير المحدودة.
وقد أظهرت الكثير من الدراسات أن القيمة التي يدركها العميل لها التأثير الأقوى على الكلام المتناقل، فقد أصبح إنشاء قيمة مدركة للعميل ضرورة استراتيجية في بناء الميزة التنافسية والحفاظ عليها.
كما أن القيمة المدركة يحددها الفرق بين ما اشتراه العميل وما دفعه العميل. وفقا لذلك، العملاء الذين يعتقدون أنهم فقدوا شيئًا ما للحصول على خدمة أو سلعة ما سيميلون إلى أن يكونوا أكثر ولاءً لشركة تقدم خدمة تجعلهم يشعرون بكسب المزيد مقابل خسارتهم. وهنا يجب الأخذ في الاعتبار بأن هذه الخسائر ليست مالية فحسب، بل هي أيضًا خسائر غير نقدية مثل الوقت الضائع والجهد المبذول وغير ذلك من تكاليف. وبالنظر إلى كل هذا، يتبين أن القيمة المدركة هي بنية متعددة الأبعاد. حيث يمكن أن تشمل التكلفة الإجمالية للعميل كلٍّ من العناصر التالية: التكلفة النقدية: السعر الذي يدفعه العميل للمنتج أو الخدمة, تكلفة الوقت: التكلفة التي يتحملها العميل في الوقت الذي يقضيه في اتخاذ القرار وعملية الشراء مثل البحث والتقييم والشراء والاستلام, تكلفة الطاقة: درجة الجهد البدني الذي يبذله العميل أثناء البحث عن المنتج وتقييمه وشرائه واستخدامه واستلامه. التكلفة النفسية: التكلفة المتعلقة بأي استياء وإحباط يعاني منه العميل أثناء رحلة التقييم والشراء. فعلى سبيل المثال الاضطرار إلى الذهاب إلى متجر بعيد للحصول على مشتريات يزيد من التكلفة المدركة، في حين أن التوصيل المجاني للمنازل يتجنب هذه التكلفة الإضافية.
وفي الواقع، يُقال إن القيمة التي يدركها العميل هي مفهوم ديناميكي يعتمد على الوقت. ويقول Woodall,2003)): “لا يقدّر كل منا الأشياء نفسها بشكل مختلف فحسب، بل إننا نقدر الأشياء المختلفة بشكل فردي وفي أوقات مختلفة بطرق مختلفة”. كما وجِد أن العوامل الداخلية تجعل الأفراد يقدرون نفس الأشياء بشكل مختلف وتسمى هذه الدوافع الشخصية “القيم الإنسانية” أو “القيم الشخصية” أو “قيم المستهلك”.
كذلك تقول نظرية قيمة العميل الخاصة ب (Weinstein, 2012)، أو ما يسميه “القيمة الفائقة للعملاء” أن العملاء يريدون أكثر من مجرد قيمة بسيطة, يريدون أن تجذبهم الأعمال وتفاجئهم بالذهاب إلى ما هو أبعد من المعتاد لتلبية احتياجاتهم ورغباتهم. كما أن تصميم وتقديم قيمة فائقة للعملاء يعتبر أكثر من مجرد استراتيجية بل إنها ضرورة، وتلك الشركات التي لم تدرك ذلك بعد بغض النظر عن مجال عملها ستفشل بالتأكيد. فعندما تكون المؤسسات قادرة على تقديم قيمة أعلى، يكون عملائها أقل تقييدًا بالقوى الاقتصادية والمالية في قرارات الإنفاق والشراء، حيث يكون هؤلاء العملاء على استعداد للإنفاق أكثر والتوفير بشكل أقل من أجل الحصول على تلك القيمة.
وهكذا يرى الباحث أن القيمة التي يدركها العميل قادرة على المساعدة في اكتساب فهم أفضل لسلوك العميل المرتبط بالشراء وصنع القرار, وهذا المفهوم ضروري في مجالات التسويق فعندما يرى العملاء منتجًا ذا قيمة، فإنهم على استعداد لدفع سعر أعلى, وبخلاف ذلك فهم لا يشترون أو يرغبون فقط في دفع سعر منخفض بالنسبة للمنتجات ذات القيمة المنخفضة، كما أن رأي العميل في قيمة المنتج قد يكون له علاقة بسيطة وأحيانا لا علاقة له بسعر السوق للمنتج، ويعتمد على قدرة المنتج على تلبية احتياجات أو متطلبات العميل. وبالتالي قيمة العميل هي إظهار قيمة المنتج وما تقدمه العلامة التجارية من قيم وظيفية ورمزية والتأكد من أن القيمة المذكورة يتم توصيلها بوضوح ومرغوب فيها من قبل الجمهور المستهدف. وبالتالي عندما تزداد القيمة المدركة لمنتج أو علامة تجارية ما، يمكن للشركة تسعيرها بسعر أعلى نسبياً أو بيع المزيد من الوحدات، وكلاهما يؤدي إلى أرباح أعلى. هذا يعني أن مدراء التسويق ينبغي أن يحاولوا زيادة القيمة المدركة للسلع والخدمات التي تقدمها العلامة التجارية من خلال تحديد ما يقدّره عملاؤهم أكثر.
كما يعتبر إنشاء قيمة فائقة للعميل شرط ضروري لشركة تريد أن تؤمن مكانة في بيئة تنافسية، ناهيك عن مكانتها القيادية في السوق. وفي دراسة أخرى أشار الباحثون أنه يوجد ستة أنواع من احتياجات العملاء التي يجب مراعاتها عند قياس القيمة المدركة وهي الحاجة إلى وظيفة المنتج (الحاجة إلى حل مشكلة ما لدى العميل)، والحاجة إلى المتعة، والحاجة إلى القبول، والحاجة إلى المجاملة، وحاجة العميل إلى أن يكون معتمداً على نفسه، والحاجة إلى فعل الخير. ومن خلال هذا المنظور يمكن رؤية القيمة كمنصة للقيام بأشياء جيدة في الحياة.
وقد تم الوصول إلى مجموعة من التعريفات للقيمة ومنها:
في حين يمكن تعريف القيمة المدركة حسب (2012) Kotler & Kellerعلى أنها “تقييم العميل المحتمل للفرق بين جميع المنافع والتكاليف للمنتج أو الخدمات والبدائل المدركة”
ويرى الباحث أنه من الضروري أن ندرك أن تنفيذ مفهوم القيمة يشكل تحدٍ صعب لأن القيمة المدركة للعميل ديناميكية للغاية ويمكن أن تتغير لمجموعة متنوعة من الأسباب، بما في ذلك ما يلي: قد تتغير تفضيلات العملاء وتصوراتهم بمرور الوقت، وقد يتغير المنافسون فيتغير ما يقدمونه للعملاء. فالتحدي يكمن في فهم احتياجات العملاء المتغيرة باستمرار والابتكار لتلبية تلك الاحتياجات، وتجدر الإشارة إلى أن ثقافة التركيز على العملاء من العوامل الهامة في تحقيق المكاسب المستدامة. وبالتالي أبسط مفهوم يشير إلى القيمة المدركة للعميل هي أن الأفراد يقيّمون الفوائد المدركة لبعض المنتجات أو الخدمات ثم يقارنون ذلك بالتكلفة المدركة للحصول على هذا المنتج أو الخدمة، فإذا كانت الفوائد تفوق التكلفة، يُنظر إلى المنتجات على أنها مرضية وجذّابة. أي أن القيمة المدركة هي مصطلح تسويقي يشير إلى الطريقة التي ينظر بها العميل إلى المنتج. ومن الجدير بالذكر أن Holbrook اقترح أيضاً أن القيمة المدركة للعميل يمكن أن تشير إلى الخبرة والتفضيل النسبي اعتماداً على الفرد أو الموقف أو المنتج. لكن الكثير من الدراسات تدعم استخدام بناء متعدد الأبعاد في دراسة القيمة المدركة للعميل، وقد تم اعتماد مقياس PERVAL على نطاق واسع في دراسات مختلفة والتي تبين من خلالها أنه الأكثر جدارة في قياس القيمة المدركة للعميل وذلك من خلال أربعة أبعاد وهي السعر والجودة والقيمة العاطفية والقيمة الاجتماعية. حيث تشير القيمة الاجتماعية إلى القدرة على تعزيز مفهوم الذات الاجتماعية. كما ترتبط القيمة الاجتماعية بالتفاعل الاجتماعي للعملاء مع الأصدقاء، الأسرة والعملاء الآخرين فيما يتعلق بتجربة الخدمة أو المنتج ويعرف (2001، Sweeney and Soutar) القيمة الاجتماعية بأنها المنفعة المستمدة من قدرة المنتج على تعزيز مفهوم الذات الاجتماعية. أما فيما يتعلق ببعد قيمة الجودة فإنها تشير قيمة الجودة إلى المنفعة المستمدة من الجودة المدركة والأداء المتوقع للمنتج. ويعرف القيمة العاطفية بأنها المنفعة المشتقة من المشاعر، أو الحالات العاطفية التي يولدها المنتج. أما بالنسبة لبعد قيمة السعر فهي المنفعة المستمدة من المنتج نتيجة لانخفاض تكاليفه المتوقعة على المدى القصير والطويل, وعلى الرغم من أن العملاء يستخدمون هذا السعر عادةً كإشارة خارجية للحكم على جودة المنتج، فإن قيمة السعر وقيمة الجودة مستقلتان عن بعضهما البعض, لذلك يتم قياسها بشكل منفصل. وتعرّف القيمة العاطفية على أنها الفائدة المدركة المستمدة من قدرة البديل على إثارة المشاعر أو الحالات العاطفية.
ويذكر الباحث أنه غالباً ما يعتمد العملاء على الممتلكات المادية كالسيارة مثلاً للتعبير عن الوضع الاجتماعي بصرف النظر عن أي فوائد وظيفية، فإن منتجات مثل السيارات بما تحمله من علامة تجارية تعتبر كمؤشر يدل على الحالة الاجتماعية وذلك بسبب معانيها الرمزية حيث يكون الغرض من امتلاكها تعزيز وتأكيد الشعور بالانتماء الاجتماعي. فمن الممكن أن تربط القيمة الاجتماعية مستخدمي السيارات من علامة تجارية معينة بمجموعة اجتماعية توحي بجوانب عديدة مثل الصورة الاجتماعية للعميل، ومفهوم الذات الاجتماعي، والتعبير عن الشخصية والسعي وراء عضوية الطبقة الاجتماعية. كما أن مصدر القدرة التنافسية يتحول إلى القيمة العاطفية، ممثلة بالتصميم وتجربة المستخدم, وبالتالي هي قيمة يختبرها العملاء بشكل شخصي, حيث أن البشر بطبيعتهم باحثون عن المتعة وعادة ما يرغبون في الشعور بالمتعة تجاه تجربة الاستهلاك, علاوة على ذلك تلعب التجربة العاطفية دوراً رئيسياً في خلق رضا العميل عن التسوق وبالتالي التجربة المصحوبة بالمتعة والإثارة تزيد من الميل والمشتريات غير المخطط لها ومن قيمة التسوق, ويمكن أن يقنع عرض القيمة ذي الصلة بالعاطفة العملاء بالتغاضي عن السعر, إن جعل العملاء يشعرون بأنهم مسموعون ومفهومون ومهتمون هو أحد أكثر الطرق فعالية لتأسيس روابط عاطفية عميقة. كذلك فإن السعر النقدي أحيانا ًيمثل التضحية الكبرى المقابلة للقيمة المدركة حيث أن تقييم السلعة أو الخدمة يتم وفقًا لمقدار استعداد العملاء لدفع ثمنها، وليس بناءً على تكاليف الإنتاج والتسليم. فقد يساعد استخدام تقنية تسعير القيمة المدركة بشكل كبير في التسويق الفعال للمنتج لأنه يحدد سعر المنتج بما يتماشى مع قيمته المدركة من قبل العملاء المحتملين, حيث يُقدم العملاء على سلوكهم الشرائي بناءً على التكلفة النقدية وغير النقدية فبينما يشير السعر إلى ما يجب على الفرد دفعه يُنظر إلى التكاليف غير النقدية على أنها تكلفة الوقت وغيرها من التضحيات, فكلما كان السعر معقولاً كلما زاد رضا العملاء عن نتائج سلوكهم الشرائي, فبالنسبة للعملاء فإن السعر هو تقييم رقمي لمدى تقديرهم لما يحصلون عليه من منافع. إضافة إلى ذلك، يرى الباحث أن القيمة المدركة للعميل تشير إلى أي مدى يمكن أن يلبي المنتج متطلبات ومعايير العميل مقارنة بتكاليفه.
الاستنتاجات:
مما تقدم ومن خلال استعراض الدراسات والأبحاث في مجال التسويق توصل الباحث إلى ما يلي: