مقدمة
لقد كشفت العديد من الدراسات أن الانهيارات المالية التي حدثت في عدد من الدول المتقدمة في شرق أسيا وأمريكا (مثال شركة enron) للطاقة تعود في معظمها إلى الفساد المالي والإداري بشكل عام والفساد المالي والمحاسبي بشكل خاص والذي يعود إلى دور مراقبي الحسابات ومصادقتهم على صحة القوائم المالية حتى لو اشتملت على معلومات غير صحيحة.
إضافة إلى غياب الشفافية وعدم الاهتمام بتطبيق المبادئ المحاسبية التي تحقق الإفصاح والشفافية.
وكان من أهم أسباب انهيار الشركات هو افتقار إداراتها إلى الممارسة السليمة في الرقابة والإشراف. ناهيك عن نقص الخبرة والمهارة، وكذلك اختلال هياكل التمويل وعدم القدرة على توليد تدفقات نقدية داخلية قادرة على سداد الالتزامات المالية في مواعيدها المحددة.
ولقد نتج عن هذه الانهيارات فقدان الثقة في الأسواق المالية المختلفة وابتعاد المستثمرين عنها. كما ترافق الأمر بفقدان الثقة في مكاتب المحاسبة والمراجعة.
ماذا تعني حوكمة الشركات
تعددت تعاريف الحوكمة حسب وجهات نظر الباحثين بين قانونيين أو ماليين أو اقتصاديين …
فمنهم من قال بأنها الآلية التي تساعد الشركة في الحصول على التمويل وتضمن تعظيم قيمة الشركة في الأجل الطويل ومنهم من قال بأنها العلاقة التعاقدية بين المساهممين وأصحاب المصالح من جهة والمديرين التنفيذيين من جهة أخرى.
أطراف حوكمة الشركات
يقوم مفهوم الحوكمة على تنظيم العلاقات بين الأطراف التالية:
وتهدف حوكمة الشركات إلى بناء جو من الثقة والشفافية والمساءلة اللازمة لتشجيع الاستثمار على المدى البعيد والاستقرار المالي ونزاهة العمل.
تعود جذور الحوكمة إلى الباحثين الأمريكيين Berle و Means عام 1932 اللذين تناولا ظاهرة انفصال الملكية عن الإدارة وفي عام 1976، ظهر مصطلح الحوكمة لأول مرة في الجريدة الرسمية الفيدرالية الأمريكية وكان محط اهتمام كبير من القطاع المالي الأمريكي.
ثم ظهرت محاولات عدة حول نظرية الوكالة والتعاقد بين الملاك والإداريين. غير إن صياغة مبادئ الحوكمة كانت على يد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ما بين 1999 – 2004.
ولقد تم بحث آليات مبادئ حوكمة الشركات في مجموعة G20 في نيسان عام 2015 وتم تدعيم مبادئ الحوكمة بالتجارب العملية و التحليلية .
مبادئ حوكمة الشركات [3]
كما نعلم تقوم الشركات المساهمة على الاعتبار المالي. ومن خصائصها أن ملكيتها تعود إلى عدد كبير من الأفراد لاتربطهم أية علاقة بخلاف الشراكة في شركات الأشخاص.
تقتصر مسؤولية المساهم في الشركات المساهمة على انتخاب من يمثله من أعضاء مجلس الإدارة من أجل تحقيق مصالح الملاك، وبناء عليه يفوض المساهمون مجلس الإدارة باتخاذ الإجراءات اللازمة ومتابعتها.
لكن هل هناك ضمانات بأن يسعى مجلس الإدارة لتحقيق مصالح الملاك؟
فقد يحصل تعارض بين مصالح الملاك ومصالح الإدارة. وقد تسعى إدارة الشركة للسيطرة على الشركة. كيف؟
يقوم الفريق الإداري بترتيبات ائتمانية مع أحد البنوك للحصول على قرض يستخدمونه في شراء أسهم الشركة. وهذا الأمر لا يتعلق بنقل ملكية جزء من الشركة إلى الفريق الإداري فحسب بل أيضا يقوم الفريق الإداري ببث إشاعات تدهور أداء الشركة من خلال تسريب معلومات مشوهة عن الشركة فتحدث انهيارات في أسعار الأسهم. فيشتري الفريق الإداري أسهم الشركة بأسعار زهيدة وهذا بالطبع يضر بمصلحة المالكين.
هناك إذن مشكلتين أساسيتين متعلقتين بمشكلة الوكالة.
الشكل الأول هو الخطر الأخلاقي والشكل الثاني هو عدم تماثل المعلومات.
يكمن الخطر الأخلاقي في تصرف المديرين بالشكل الذي يعظم منافعهم الشخصية مع الإضرار بمصالح المساهمين. ومشكلة عدم تماثل المعلومات أنه يتوافر لدى الفريق الإداري معلومات لا يعلم بها الملاك أو المساهمون. وعند عدم وجود شفافية وإفصاح فلن يستطيع ملاك الشركة تقييم أداء الفريق الإداري بسبب عدم توافر المعلومات. وهذه الظاهرة تحد من قدرة المساهمين في الرقابة على تصرفات الإدارة.
ولقد طرحت حلول للتغلب على مشكلات الوكالة. وكان هناك العديد من الصيغ:
كيف يتم تنفيذ حوكمة الشركات [4]
صدرت بعض التقارير التابعة للمؤسسات الدولية والبورصات العالمية تركز على مجموعة من الأدوات يمكن استخدامها في تنفيذ حوكمة الشركات منها:
يقصد بالإفصاح إتاحة كافة المعلومات المتوفرة عن أداء الشركة مثل الموقف المالي، خطة النمو، التوسعات المستقبلية، المشكلات التي تواجهها لكافة الأطراف المعنية في الشركة وهنا يمكن محاربة مشكلة عدم تماثل المعلومات.
ويقصد بالشفافية إتاحة المعلومات دون تعديل أو تغيير ودون حذف ودون تجميل أي إتاحة المعلومات كما هي لتكون ذات مصداقية.
معايير الحوكمة
حدد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP معايير الحوكمة كما يلي: [2]
أبعاد الحوكمة
مزايا حوكمة الشركات [5]
تسهم حوكمة الشركات في رفع مستوى كفاءة الاقتصاد نظراً لدورها في المساعدة في استقرار الأسواق المالية ورفع مستوى الشفافية وجذب الاستثمارات من الخارج والداخل بالإضافة إلى تقليص حجم المخاطر التي تواجه النظام الاقتصادي.
معوقات تطبيق الحوكمة في الشركات [4]
واقع حوكمة الشركات في سورية [6]
يمكن القول أن حوكمة الشركات ظاهرة حديثة العهد نسبياً في سورية. ويمكن تلمس حوكمة الشركات في سورية من خلال عدد من القوانين والمراسيم الصادرة خلال السنوات الماضية والمتعلقة بإعادة هيكلة آلية عمل قطاع الأعمال في سورية. وهذه القوانين ساهمت في إرساء الإطارالملائم لتطبيق مبادئ الحوكمة ومن أهم هذه القوانين:
كل هذه القوانين والقواعد أعطت الإمكانية لتطبيق قواعد الحوكمة في الشركات في قطاع الأعمال في سورية.
وتشير التقارير الصادرة عن الهيئات السابقة والدراسات المتعلقة بها أن الشركات المساهمة العامة في سورية قطعت شوطا في تطبيق قواعد الحوكمة ولقد ازدادت نسبة الشركات التي التزمت بتطبيق قواعد الحوكمة إلى 86% من الشركات السورية.
غير أن تصنيف البنك الدولي حول أداء الأعمال في سورية لعام 2008 يضع سورية تحت المعدل الإقليمي وتحت معدل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD لمؤشر حماية المستثمر حيث يبلغ 2 في حين أن مؤشر حماية المستثمر لدى OECD هو 6,5.
ويشير التقرير ذاته أن سورية حققت المعدل من حيث الإفصاح /6/ ومساءلة أعضاء مجلس الإدارة /5/ وهي معدلات قريبة من معدلاتOECD.
النتائج والتوصيات
وربما يعود ذلك لعدم فعالية مجالس الإدارة وإلى ضعف الرقابة الداخلية. إذ لا يتم عقد اجتماعات دورية لمجالس الإدارة بالشكل اللازم. وفي بعض الشركات لاتوجد لجان تدقيق داخلي كما أن مفتشي الحسابات لا يبدون رأيهم بالتقارير المالية بل يكتفون بتصوير الحالة فقط.
استناداً إلى النتائج السابقة يمكن القول:
إن نجاح تطبيق الحوكمة يتوقف على مدى توافر مستوى جودة مجموعتين من المحددات الخارجية والداخلية.
تشير المحددات الخارجية إلى المناخ العام للاستثمار في الدولة من قوانين تنظم النشاط الاقتصادي، وكفاءة القطاع المالي في توفير التمويل اللازم للمشروعات، ودرجة تنافسية أسواق السلع فضلا عن بعض المؤسسات الخاصة مثل مكاتب المحاماة والمراجعة والتصنيف الائتماني والاستشارات المالية.
بينما تشير المحددات الداخلية إلى القواعد والأسس التي تحدد كيفية اتخاذ القرارات وتوزيع السلطات داخل الشركة بين الجمعية العامة ومجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين.
ومن أجل نجاح تطبيق حوكمة الشركات في سورية فإن من الضروري:
الاستفادة من تجارب الدول الأخرى الإقليمية والعالمية.
المراجع :
1- الخضيري محسن محمد، حوكمة الشركات، مجموعة النيل العربية. للنشر بدون تاريخ نشر.
2- الصالحين، محمد العيش، حوكمة الشركات القانون واللائحة، المجلة الدولية للقانون بدون تاريخ نشر.
3- مجلس النقيد والتسليف في سورية دليل الحوكمة لدى المصارف التقليدية والإسلامية العاملة في الجمهورية العربية السورية، مصرف سورية المركزي 2009.
4- عبد الله عبد الكريم، الحوكمة والإدارة الرشيدة أداة الإصلاح وإدارة التطوير في المنطقة العربية بيروت 2009.
5- نهى أحمد الحايك، أثر تطبيق الحوكمة على تحسين الأداء في المؤسسات الحكومية (الجامعة الافتراضية السورية، سورية) 2016.
6- تقارير هيئة الأوراق والأسواق المالية منذ العام 2009 حتى 2022.