أهمية الذكاء الاصطناعي في إدارة الموارد المائية
الهندسة المدنية - الجامعة الوطنية الخاصة -
ملخص
شهدت السنوات الأخيرة ظهوراً للتقنيات القائمة على الذكاء الاصطناعي مع تطوره الهائل الذي يظهر قدرته على تغيير حياتنا بشكل كبير حيث تم تقديم آلات يمكنها أداء مهام أكثر تعقيداً وتنوعاً لاستخدامها على نطاق واسع في مجموعة من القطاعات مثل التعليم والطاقة والتصنيع….، حيث تؤدي درجات الحرارة العالية إلى الحاجة المتزايدة للتقنيات المبتكرة لمعالجة تحديات المياه ومواجهتها لتحسين إدارة الموارد المائية، وتبني مجموعة من الاستراتيجيات في تحليل البيانات ومعالجتها وتحليتها وتحسين كفاءة استخدامها وتطوير أنظمة الري الذكية لتحقيق الأمن المائي وضمان استدامة الموارد المائية على المدى الطويل بطريقة مبتكرة وفعالة.
الكلمات المفتاحية: الذكاء الاصطناعي، إدارة الموارد المائية، أنظمة الري الذكية.
1- مقدمة: يعدُ التغير المناخي من أخطر القضايا التي تواجه كوكب الأرض حيث ترتفع درجات الحرارة العالمية بسبب الانبعاثات المستمرة للغازات الدفينة. وهذا التغير له تأثيرات كارثية تشمل ذوبان الجليد القطبي وارتفاع مستوى سطح البحر، مما يهدد التجمعات الساحلية والنظم البيئية الهشة. إضافة إلى ذلك يعاني العالم من مشكلة التصحر، حيث تفقد الأراضي الزراعية خصوبتها نتيجة الأنشطة البشرية غير المستدامة مثل إزالة الغابات والرعي الجائر والاستغلال المفرط للمياه الجوفية ويصاحب هذا التصحر فقدان التنوع البيولوجي. إنَ إدارة الموارد المائية هي واحدة من أكبر التحديات التي تواجه العالم اليوم، خاصة مع النمو السكاني السريع، التغيرات المناخية، وتزايد الطلب على المياه. في ظل هذه التحديات يصبح الذكاء الاصطناعي أداة رئيسية في تعزيز الكفاءة في استخدام الموارد المائية وتحسين توزيعها والحفاظ على جودتها، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في إدارة المياه من خلال دمج البيانات البيئية والموارد المائية مع الخوارزميات الذكية لتقديم حلول استباقية للعديد من المشكلات المتعلقة بالموارد المائية. [1]
تتراوح التطبيقات المحتملة للذكاء الاصطناعي في هذا المجال من مراقبة جودة المياه إلى التنبؤ بالأزمات مثل الجفاف والفيضانات وصولاً إلى تحسين أنظمة التوزيع واستهلاك المياه وذلك باستخدام تقنيات مثل تعلم الآلة، تحليل البيانات الضخمة والتعلم العميق. وبالتالي إدارة الموارد المائية بشكل أكثر فعالية، مما يسهم في تعزيز الاستدامة وحماية البيئة.[2]
2- مفهوم الذكاء الاصطناعي:
الذكاء الاصطناعي: هو أحد فروع علوم الحاسب التي تركز على تطوير أنظمة قادرة على محاكاة القدرات الذهنية البشرية وأداء مهام معقدة تتطلب ذكاء وفهماً. تعود جذور الذكاء الاصطناعي إلى منتصف القرن العشرين، حيث بدأ العلماء في تطوير نماذج رياضية وخوارزميات تساعد الآلات على تنفيذ المهام التي تتطلب التفكير البشري. شهد هذا المجال قفزات نوعية مع ظهور الحواسيب الحديثة وازدياد قدرتها. يشمل هذا العديد من التقنيات مثل التعلم الآلي (Machine Learning) الذي يتيح للأجهزة تعلم الأنماط من البيانات وتحسين أدائها بمرور الوقت. والتعلم العميق (Deep Learning) الذي يعتمد على الشبكات العصبية الاصطناعية المستوحاة من طريقة عمل الدماغ البشري. بالإضافة إلى ذلك تلعب معالجة اللغة الطبيعية (Natural Language Processing) دوراً حيوياً في تمكين الأنظمة من فهم اللغة البشرية والتفاعل معها. ومن بين هذه التقنيات الأخرى المهمة:
3- مفهوم الأمن المائي:
الأمن المائي هو مفهوم يشمل توافر الموارد المائية وإمكانية الوصول إليها واستدامتها ويتناول التحديات المتعلقة بنوعية المياه وكميتها والتوزيع العادل لهذا المورد الحيوي، ويتعلق الأمن المائي في جوهره بحصول جميع الأفراد والمجتمعات المحلية على المياه الكافية والمأمونة والميسورة التكلفة لتلبية احتياجاتهم الأساسية ويأخذ بعين الاعتبار متطلبات الزراعة والصناعة، ولا يتعلق الأمن المائي بالوجود المادي للمياه فحسب بل أيضاَ بإدارتها المستدامة وتوزيعها العادل وحمايتها من التلوث والاستنزاف.
يتم تعزيز الأمن المائي من خلال مجموعة من الإجراءات:[4]
الحصول على موارد مائية متجددة من الاستثمار في تحويلات الأنهار والسدود وبرامج ضخ المياه الجوفية، حيث تهدف الاستثمارات الحصول على المياه بشكل أكثر كفاءة ومعدات الري وإعادة تدوير المياه واستخدامها حيث تكون تكلفة الأمن اقتصادية.
4- التطبيقات المحتملة للذكاء الاصطناعي لتحقيق التنمية المستدامة للموارد المائية:
1-4- مراقبة جودة المياه باستخدام الذكاء الاصطناعي:
تعتبر جودة المياه من القضايا الأساسية في إدارة الموارد المائية، حيث إنَ التلوث الذي ينتج عن النشاط البشري مثل تصريف المياه العادمة أو المبيدات الزراعية يشكل تهديداً حقيقياً للمياه العذبة. لكن التحدي يكمن في القدرة على رصد وتحديد مستويات التلوث في الوقت الفعلي، خاصة في المناطق الريفية والنائية التي تفتقر إلى محطات المراقبة التقليدية. في السنوات الأخيرة أصبح الذكاء الاصطناعي قادراً على تحسين قدرة أنظمة مراقبة جودة المياه باستخدام تقنيات الاستشعار عن بعد، حيث يمكن جمع البيانات من الأنظمة المائية المختلفة مثل الأنهار، البحيرات، والخزانات. تستخدم هذه البيانات في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي للكشف عن التغيرات الدقيقة في مستويات التلوث التي قد لا تكون مرئية عبر الفحوصات التقليدية. فعلى سبيل المثال تم تطبيق الذكاء الاصطناعي في الهند لمراقبة جودة المياه في الأنهار. حيث يستخدم الذكاء الاصطناعي هناك لتحليل البيانات التي يتم جمعها بواسطة الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار لتحديد مستويات التلوث في مناطق نائية. من خلال تحليل الصور الملتقطة، يتمكن الذكاء الاصطناعي من رصد تلوث المياه في الوقت الفعلي مما يسمح باتخاذ إجراءات فورية لتخفيف تأثيرات التلوث قبل أن يمتد إلى نطاق أوسع. في مشروع آخر في كندا يتم استخدام خوارزميات التعلم الآلي لتحليل بيانات نوعية المياه التي يتم جمعها من مصادر متقدمة. هذه الخوارزميات لا تقتصر على التنبؤ بجودة المياه المستقبلية فحسب، بل تقوم أيضاً بتحديد العوامل المؤثرة التي قد تؤدي إلى تدهور المياه مثل زيادة مستويات النترات أو الملوثات الكيميائية.
2-4- إدارة شبكات المياه باستخدام الذكاء الاصطناعي:
تعمل العديد من المدن على دمج الذكاء الاصطناعي في شبكات توزيع المياه لتحسين كفاءة التشغيل باستخدام تقنيات مثل الاستشعار الذكي، يمكن للذكاء الاصطناعي مراقبة تدفق المياه في الأنابيب وتحديد مواقع التسربات أو الانقطاعات في النظام، كما يمكنه تحديد أولويات الصيانة والإصلاح بناء على بيانات حية. على سبيل المثال في مدينة برشلونة الاسبانية، تم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين شبكات توزيع المياه، حيث يتم تحليل هذه البيانات باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي لتحديد المناطق التي تحتاج إلى تدخل فوري، مثل الكشف عن التسربات أو تحسين ضغط المياه في بعض الأحياء. هذا ساعد في تقليل الفاقد المائي بنسبة كبيرة.
3-4- تحسين توزيع المياه وإدارتها في المناطق المختلفة:
تعتبر مشكلة توزيع المياه من التحديات الكبرى في المناطق التي تعاني من شح المياه، خاصة في المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية. يمكن أن يؤدي سوء إدارة الموارد المائية إلى تبذير المياه في بعض المناطق، في حين يعاني البعض الآخر من ندرتها. تستفيد العديد من المناطق، خاصة تلك التي تعاني من مشاكل في التوزيع من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوجيه المياه بشكل أكثر كفاءة. على سبيل المثال، في المملكة العربية السعودية حيث تعتبر الموارد المائية شحيحة جداً تمَ تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في أنظمة الري الذكية للتحكم في استهلاك المياه. تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الطقس، خصائص التربة، وحالة النباتات لتحديد كمية المياه المطلوبة وتوزيعها وفقاً لذلك. إضافة لذلك يتم توظيف الذكاء الاصطناعي في تطوير حلول مبتكرة لتوزيع المياه في المناطق التي تعاني من نقص المياه. ففي الأرجنتين تم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين توزيع المياه في المناطق الريفية من خلال تحديد الأنماط المثلى لتخزين وتوزيع المياه في الأوقات الأكثر احتياجاً، خاصة في ظل الظروف المناخية المتقلبة. من خلال هذه الأنظمة الذكية، استطاعت الحكومة المحلية ضمان وصول المياه إلى أكبر عدد ممكن من الناس بدون تبذير.
4-4- التنبؤ بالجفاف أو الفيضانات وتوفير الحلول التكنولوجية:
الجفاف أو الفيضانات هما من أكثر الكوارث الطبيعية تأثيراً على الموارد المائية ورغم التقدم في التنبؤات المناخية إلا أنَ التنبؤ الدقيق بمثل هذه الأحداث لا يزال يمثل تحدياً كبيراً. ومع ذلك فإنَ الذكاء الاصطناعي قد وفر حلولاً جديدة لتحسين قدرة الدول والمجتمعات على الاستعداد لهذه الكوارث.
1-4-4- التنبؤ بالجفاف باستخدام الذكاء الاصطناعي: يعدَ التنبؤ بالجفاف أحد المجالات الحيوية التي استفادت من الذكاء الاصطناعي باستخدام الخوارزميات المتقدمة، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات المناخية وخصائص التربة واحتياطات المياه لتقديم تنبؤات دقيقة بشأن احتمالات الجفاف في مناطق معينة. في مشروع تم تنفيذه في الولايات المتحدة، تعاون العلماء مع مهندسي الذكاء الاصطناعي لتطوير نماذج قادرة على التنبؤ بحدوث الجفاف على مدار الأشهر المقبلة بناء على مجموعة واسعة من البيانات البيئية، هذه النماذج لا تقتصر على تقديم تنبؤات بل تشمل أيضاً الحلول المقترحة للتخفيف من آثار الجفاف مثل تعديل استراتيجيات الري وتوزيع المياه.
2-4-4- التنبؤ بالفيضانات باستخدام الذكاء الاصطناعي: تعدَ الفيضانات من الكوارث الطبيعية المدمرة التي تحدث نتيجة التغيرات في منسوب المياه في الأنهار أو البحيرات. في هذا الصدد يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الطقس، هطول الأمطار، وتدفق المياه لتوقع أماكن الفيضانات المحتملة. ففي الهند على سبيل المثال تم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الجوية وبيانات الأنهار لضبط التنبؤات حول الفيضانات في المناطق المعرضة للخطر. خوارزميات التعلم العميق مثل الشبكات العصبية الاصطناعية، يمكنها تحديد الأنماط والتفاعلات المعقدة بين العوامل المختلفة التي تؤدي إلى الفيضانات. بفضل هذه التقنيات، يتمكن المسؤولون من اتخاذ إجراءات وقائية مبكرة مثل إخلاء المناطق المعرضة للخطر أو تعزيز الهياكل المائية لتقليل الأضرار. [5]
5- التحديات والفرص المستقبلية:
1-5- التحديات: تواجه إدارة الموارد المائية باستخدام الذكاء الاصطناعي عدة تحديات كبيرة تؤثر على فعاليتها وهي: [6]
2-5-الفرص المستقبلية: توجد العديد من الفرص التي يمكن أن يسهم فيها الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في تحسين إدارة الموارد المائية. من بين هذه الفرص التوسع في استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد وأجهزة أنترنت الأشياء. حيث أصبحت هذه التقنيات قادرة على جمع بيانات دقيقة ومحدثة بشكل مستمر عن الموارد المائية، مما يسهم في تقديم حلول دقيقة وفعالة كما يعزز الذكاء الاصطناعي قدرات التنبؤ بالكوارث البيئية مثل الفيضانات والجفاف حيث يمكن تحسين نماذج التنبؤ لتحديد المناطق المعرضة للخطر مسبقاً وبالتالي اتخاذ إجراءات استباقية لحماية الموارد المائية. كما أنَ هناك فرصة أخرى تكمن في تطوير أنظمة ري ذكية في الزراعة باستخدام الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على البيانات الفورية وعن حالة التربة والمناخ واحتياجات النبات مما يقلل من هدر المياه ويحسن الإنتاجية الزراعية، كما أنَ هناك فرص لتطوير حلول تكنولوجية لتحسين تخزين المياه، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل أنماط تدفق المياه وظروف التخزين المثلى لمواجهة فترات الجفاف. كما أنَ التعاون الدولي في إدارة الموارد المائية يعزز من استخدام الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن للدول المتجاورة تحسين توزيع المياه في المناطق الحدودية، مما يساهم في تقليل النزاعات حول هذه الموارد، أخيراً تتيح البيانات الضخمة المتزايدة المتعلقة بالموارد المائية فرصة كبيرة للاستفادة من التحليلات المتقدمة والذكاء الاصطناعي لإدارة المياه بشكل أكثر استدامة. [7]
6- الخاتمة: في السنوات الأخيرة أصبح الذكاء الاصطناعي أداة قوية وسريعة التطور في حل المشاكل العملية إذ يتمتع بالعديد من المزايا ويستخدم على نطاق واسع في مختلف المجالات، حيث لعب دوراً مهماً في تعزيز الكفاءة من خلال أتمتة المهام والحد من الخطأ البشري، إذ يتعامل بسلاسة مع البيانات الضخمة لكن له عيوباً وقيوداً لا يجب تجاهلها كالطلب على البيانات الضخمة وسوء إدارتها وتفسيرها وضعف استنتاج النموذج. إنَ استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة الموارد المائية يعزز الكفاءة والاستدامة من خلال تطبيق تقنيات متطورة على عمليات مراقبة وتحليل المياه مما يؤدي إلى تحسين جودتها والتنبؤ بالتحديات المستقبلية واتخاذ قرارات استراتيجية دقيقة لضمان الأمن المائي، كما لا يزال تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال المياه محدوداً مقارنة باستخدامه في القطاعات الأخرى حيث تتعرض الموارد المائية لضغوط شديدة بشكل متزايد بسبب تغير المناخ.
التوصيات:
المراجع:
1-Shivaprakash, K. N., Swami, N., Mysorekar, S., Arora, R., Gangadharan, A., Vohra, K., … & Kiesecker, J. M. (2022). Potential for artificial intelligence (AI) and machine learning (ML) applications in biodiversity conservation, managing forests, and related services in India. Sustainability, 14(12), 7154.
2-Catherine E, Richards, A Tzachor, S Avin, R Fenner, Rewards. (2023). risks and responsible deployment of artificial intelligence in water systems, nature water. nature water, 1, 423.
3- Kamilia. (2024, 5 5). What Is Artificial Intelligence: Definition & Sub-Fields Of AI. Consulté le 7 22, 2024, sur https://www.softwaretestinghelp.com/what-is-artificial-intelligence/.
4-Javaid, M., Haleem, A., Khan, I. H., & Suman, R. (2023). Understanding the potential applications of Artificial Intelligence in Agriculture Sector. Advanced Agrochem, 2(1), 15- 30.
5-Maheshwari, Rashi. (2023, 8 24). Adavantages of Artificial Intellegence (AI) In 2024. Consulté le 7 4, 2024, sur https://www.forbes.com/advisor/in/business/software/advantages-of- ai/.
6-Pachot, A., & Patissier, C. (2022). Towards sustainable artificial intelligence: an overview of environmental protection uses and issues. arXiv preprint arXiv:2212.11738.
7-Leal Filho, W., Wall, T., Mucova, S. A. R., Nagy, G. J., Balogun, A. L., Luetz, J. M., … & Gandhi, O. (2022). Deploying artificial intelligence for climate change adaptation. Technological Forecasting and Social Change, 180, 121662