إنترنت الأشياء – رحلة من المفهوم إلى بلدنا
دكتور في هندسة الكمبيوتر | متخصص في الشبكات الذكية و الذكاء الاصطناعي التطبيقي
“إن فهمنا العميق لإنترنت الأشياء اليوم هو بوابة عبورنا نحو مستقبل رقمي أكثر تكاملًا وذكاء ، فـإنترنت الأشياء ليس تقنية عابرة… بل هو فلسفة جديدة تُعيد تعريف علاقة الإنسان بالعالم من حوله .”
إنترنت الأشياء (Internet of Things – IoT): شبكة هائلة من الأجهزة والمكونات الذكية المتصلة بالإنترنت، حيث تقوم هذه الأجهزة بجمع البيانات وتحليلها ومشاركتها فيما بينها، مما يُحدث ثورة في طريقة تفاعل الإنسان مع العالم المحيط به. لقد أسهم التطور الهائل في تقنيات الرقائق الإلكترونية منخفضة التكلفة والتوسع الكبير في الشبكات اللاسلكية بجعل الربط بين الكائنات المادية والإنترنت أمرًا ممكنًا وسهلًا. اليوم، يمكن أن يكون كل شيء – بدءًا من كبسولة دواء دقيقة وصولًا إلى طائرة ضخمة – جزءًا من منظومة إنترنت الأشياء، ما يعزز تكامل العالمين الرقمي والمادي ويمنح الأشياء من حولنا “وعياً رقمياً” غير مسبوق.
“في عالم تتسارع فيه التكنولوجيا، لم يعد الاتصال بين الأشياء رفاهية، بل أصبح حجر الأساس لبناء مجتمعات ذكية ومتقدمة .”
فهرس المحاور الأساسية
كيف يمنح الاتصال بالإنترنت الأشياء ذكاءً رقمياً؟
إن ربط الأشياء بالإنترنت و تزويدها بالحساسات (Sensors) يُضفي عليها بُعداً ذكياً غير مسبوق، حيث تتمكن من التفاعل مع محيطها، تبادل البيانات، واتخاذ القرارات في الوقت الفعلي دون تدخل بشري مباشر. هذه القدرة التحليلية والاستجابية الفورية تجعل العالم من حولنا أكثر ذكاءً وكفاءة، إذ تندمج البيئة الفيزيائية مع الفضاء الرقمي في منظومة ديناميكية واحدة. في هذا المقال، سنقدم إجابة علمية وشاملة عن سؤال “ما هو إنترنت الأشياء؟”، ونستعرض مجالاته وتطبيقاته التي بدأت بالفعل في تغيير ملامح المستقبل
❝ الثورة الحقيقية ليست في الحوسبة أو الإنترنت، بل في الأشياء التي باتت تملك القدرة على التفكير نيابة عنا❞
ما هو إنترنت الأشياء؟ – المفهوم والأبعاد العلمية:
يمثل إنترنت الأشياء (IoT) تطوراً جذرياً في مسار الإنترنت، حيث لم يعد مقتصرًا على الحواسيب والهواتف الذكية، بل توسّع ليشمل مجموعة واسعة من الكائنات والآلات والبيئات والعمليات. اليوم، يُدرك العالم أن هذه التقنية تُعيد رسم خريطة القطاعات المختلفة، من الزراعة والرعاية الصحية إلى الصناعة والطاقة، مرسّخةً بذلك مبدأ “كل شيء متصل”.
ورغم أن بعض التعريفات الفنية قد تبدو معقدة، إلا أن جوهر الفكرة بسيط:
“إنترنت الأشياء هو منظومة مترابطة من الأجهزة الذكية والآلات الرقمية التي تمتلك معرّفات فريدة (UIDs)، قادرة على جمع ونقل البيانات عبر الشبكة دون الحاجة إلى تدخل بشري مباشر“.
يتيح هذا الترابط بناء بيئات ذكية قادرة على اتخاذ القرارات وتحسين الأداء بشكل ذاتي ومستمر.
أمثلة عملية توضح قوة إنترنت الأشياء
أي كائن مادي مزوّد بقدرات اتصال ونقل بيانات يمكن اعتباره جزءًا من نظام إنترنت الأشياء. إليك أبرز الأمثلة التي تُجسّد هذا المفهوم:
حتى الأنظمة الضخمة مثل محركات الطائرات النفاثة تعتمد على آلاف الحساسات المدمجة لجمع البيانات وتحليلها لحظيًا، ما يضمن الأداء الأمثل ويزيد من عمر المعدات. أما على مستوى المدن، فتبرز مشاريع المدن الذكية التي تستخدم شبكات ضخمة من الحساسات لمراقبة البيئة، تحسين استهلاك الطاقة، تنظيم المرور، وتعزيز جودة الحياة
إنترنت الأشياء الصناعي (IIoT) – العمود الفقري للصناعة 4.0
يمثل إنترنت الأشياء الصناعي (Industrial IoT – IIoT) أحد الركائز الأساسية للثورة الصناعية الرابعة، حيث يتم توظيف تقنيات إنترنت الأشياء بشكل متخصص في القطاع الصناعي وبيئات الأعمال.
يستخدم IIoT مزيجاً متقدماً من الحساسات، والشبكات، وتحليل البيانات، والذكاء الاصطناعي، من أجل تحسين كفاءة العمليات الصناعية، تقليل التكاليف، وخلق مصادر دخل جديدة. تنتقل هذه التقنية من مجرد مراقبة الأنظمة إلى التحكم الذكي و الصيانة التنبؤية، مما يمكّن المصانع من تقديم خدمات مبتكرة مثل الصيانة الوقائية بدلًا من بيع المعدات فقط.
❝ الإنقلاب الصناعي الرابع ليس مجرد مرحلة جديدة، بل ثورة تصنع المصانع الذكية التي تتعلم وتُقرر وتُبدع في كل دقيقة.❞
على نطاق أوسع، يمتد تأثير IIoT ليشمل سلاسل الإمداد العالمية، حيث يتيح المراقبة والتحكم اللحظي في كل مرحلة من مراحل الإنتاج والتوزيع، بما يسهم في رفع الكفاءة والمرونة التشغيلية بشكل غير مسبوق.
توصيل الأشياء بالإنترنت: ثورة الاتصال بين العالمين الرقمي والمادي
يُشكّل ربط الأشياء بالإنترنت وإضافة الحساسات الذكية إليها قفزة نوعية نحو عالم أكثر ذكاءً وتفاعلاً. فالأجهزة المتصلة باتت قادرة على تبادل البيانات فيما بينها لحظيًا دون الحاجة إلى تدخل الإنسان، مما يجعل بيئتنا المحيطة أكثر استجابة وديناميكية. وهكذا، تتكامل العوالم الرقمية والفيزيائية لتخلق منظومة ذكية تتفاعل مع المتغيرات لحظة بلحظة.
رغم التشابه بين المصطلحين، إنترنت كل شيء (IoE) يُعد مفهوماً أشمل وأكثر تطوراً، صاغته شركة “سيسكو” ليمثل التكامل الكامل بين الأشخاص والبيانات والأشياء والعمليات.
مكونات إنترنت كل شيء (IoE):
❝ عندما تتحدث الآلات مع الآلات، يصبح الإنسان في مقعد القائد، يراقب عالمًا لا يعرف التعب ولا يغفل عن التفاصيل.❞
الفرق الأساسي:
لماذا يُعد إنترنت الأشياء ثورة حقيقية؟
يكمن جوهر إنترنت الأشياء في قدرته على تمكين الأجهزة من إرسال واستقبال البيانات باستمرار، مما يجعلها “ذكية” وقادرة على اتخاذ قرارات مستقلة.
تصنف الأجهزة في شبكات انترنيت الأشياء:
القيمة الحقيقية لإنترنت الأشياء لا تكمن في كمية البيانات التي تُجمع، بل في كيفية تحويل هذه البيانات إلى معرفة قابلة للاستخدام تُحدث فرقًا حقيقيًا في حياة الإنسان وبيئته. اسمحوا لي بالقول أن “إنترنت الأشياء” لم يعد مجرد رفاهية تقنية أو ابتكار هندسي معزول، بل أصبح حجر الأساس في بناء المدن الذكية والأنظمة الصحية المتقدمة والصناعات ذاتية التنظيم. إنه باختصار، الجسر الحقيقي الذي يربط بين الواقع المادي والعالم الرقمي، ليُشكّل بذلك واحدة من أعظم الثورات التكنولوجية التي عرفتها البشرية.
“كلما زادت قدرة الأشياء من حولنا على استشعار البيئة والتفاعل معها، اقتربنا خطوة أخرى من بناء عالمٍ ذكيّ قادر على استباق احتياجاتنا قبل أن ننطق بها .”
تاريخ الإنترنت للأشياء
بين عامي 1980 و1990، ظهرت فكرة دمج المستشعرات والذكاء الاصطناعي في الأشياء المادية، ولكن، رغم بعض المشاريع المبدئية مثل آلة البيع المتصلة بالإنترنت التي طورتها جامعة كارنيغي ميلون لصالح شركة كوكاكولا، إلا أن تقدم هذه التقنية كان بطيئًا جدًا في تلك الفترة. فقد كانت التكنولوجيا في مرحلة مبكرة جدًا، حيث كانت الرقائق الإلكترونية ضخمة وثقيلة، كما كانت الطرق المتاحة للتفاعل بين الأشياء شبه معدومة. كان هناك احتياج ماسة لمعالجات منخفضة التكلفة وموفرة للطاقة لتمكين ملايين الأجهزة من الاتصال ببعضها البعض لتحقيق مفهوم “الإنترنت للأشياء”.
بالتزامن مع هذا، قدم نظام “التعريف باستخدام موجات الراديو” (RFID) كحل للمشكلات التقنية، حيث كان يعد رقائق منخفضة استهلاك الطاقة وتوفر اتصالًا لاسلكيًا. في الوقت ذاته، شهدت القدرة على الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة (Broadband) والشبكات الخلوية واللاسلكية تطورًا كبيرًا، مما أسهم في دفع الإنترنت للأشياء للأمام.
إحدى المحطات الحاسمة التي ساعدت على توسع الإنترنت للأشياء كانت اعتماد “بروتوكول الإنترنت الإصدار السادس” (IPv6) الذي وفر عددًا كافيًا من عناوين الـ IP لكل الأجهزة في العالم. في عام 1999، استخدم “كيفن آشتون” لأول مرة مصطلح “الإنترنت للأشياء”، ولكن استغرق الأمر عقدًا كاملاً قبل أن تصل التكنولوجيا إلى المستوى الذي تصوره آشتون. وفي مقابلة له، وصف آشتون الإنترنت للأشياء قائلًا:
“إنترنت الأشياء يجمع و يربط بين الثقافات البشرية، حيث تتكامل الأشياء التي نمتلكها مع أنظمة المعلومات الرقمية“.
مدى انتشار الإنترنت للأشياء
يشهد الإنترنت للأشياء انتشارًا كبيرًا ويستمر في التوسع بسرعة في المستقبل. في الوقت الحالي، يتجاوز عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت عدد البشر، ومن المتوقع أن يصل عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت للأشياء إلى حوالي 41.6 مليار جهاز بحلول عام 2025، وفقًا لتوقعات شركة IDC. توفر المعدات الصناعية والأنظمة المؤتمتة فرصًا هائلة للاتصال بالأجهزة، كما أن المنازل الذكية والأجهزة القابلة للارتداء ستصبح شائعة بشكل متزايد في المستقبل القريب.
بحلول عام 2020، كان هناك حوالي 5.8 مليار جهاز متصل في مجالات الأعمال وصناعة السيارات، وفقًا لتحليل شركة “غارتنر”. يعد قطاع المرافق العامة أحد القطاعات التي استفادت بشكل كبير من الإنترنت للأشياء، وذلك بسبب استخدام العدادات الذكية. بالإضافة إلى ذلك، تُعد الأجهزة الأمنية مثل أنظمة كشف التسلل والكاميرات المراقبة عبر الإنترنت من أكبر مستهلكي أجهزة الإنترنت للأشياء.
القطاعات الأسرع نموًا في الإنترنت للأشياء تشمل:
مكونات الإنترنت للأشياء (الهيكل المعماري أو المستويات الستة للإنترنت للأشياء)
يتكون هيكل الإنترنت للأشياء من ستة مكونات رئيسية:
تساهم هذه المكونات في تعزيز قدرة الأنظمة على التعلم والتطور بمرور الوقت. من المتوقع أن يكون الإنترنت للأشياء جزءًا لا يتجزأ من العديد من التقنيات المستقبلية. يشمل نظام الإنترنت للأشياء شبكة من الأجهزة الذكية والمستشعرات والمحركات التي يمكنها التفاعل مع بعضها البعض.
كيفية عمل الإنترنت للأشياء
تعد “واجهة المستخدم” (User Interface | UI) أحد العناصر الحيوية في نظام إنترنت الأشياء، حيث تمثل الطبقة المرئية التي يتفاعل معها المستخدم. بالنسبة للمطورين، فإن تصميم “واجهة مستخدم سهلة الاستخدام” (User-Friendly UI) يعد من أولوياتهم لضمان تفاعل المستخدم مع النظام بكل سهولة وراحة.
بفضل التطورات التكنولوجية الحديثة، أصبحت تصاميم “الواجهات التفاعلية” (Interactive Designs) أحد أبرز معايير الراحة في استخدام الأجهزة الذكية. على سبيل المثال، استبدل الناس الأزرار التقليدية بلوحات اللمس الملونة (Touch Panels) للتحكم في الأجهزة المنزلية، ما يعزز تجربة المستخدم.
أصبح تصميم واجهات المستخدم عاملاً تنافسيًا رئيسيًا في سوق المنتجات الرقمية، حيث يفضل المستخدمون الأجهزة التي تقدم لهم تجربة استخدام سلسة وبسيطة، بالإضافة إلى دعم الاتصالات اللاسلكية مثل Wi-Fi وBluetooth.
“في عالم الغد، ستتحدث الأشياء بلغتنا… والأذكى ليس من يمتلك البيانات، بل من يعرف كيف يحوّلها إلى قرار.”
يعرب عبد الله
ما هي التحديات التي تواجه إنترنت الأشياء؟
رغم الفوائد الكبيرة التي تقدمها تقنية إنترنت الأشياء (IoT)، إلا أنها تواجه مجموعة من التحديات الأساسية التي تؤثر على فاعليتها وأمنها، ومنها:
تكمن المشكلة في أن تكلفة إنتاج الأجهزة الذكية المنخفضة تجعل من الصعب تنفيذ هذه المعايير، مما يساهم في انتشار الأجهزة غير الآمنة.
“إن التحديات التي تواجه إنترنت الأشياء ليست إلا محطات اختبار… ينجو منها من يمتلك العلم والإرادة، ليصنع من كل عائق سلمًا نحو المستقبل.”
يعرب عبد الله
2. الخصوصية وإنترنت الأشياء (IoT Privacy): تُعد حماية الخصوصية من أكبر التحديات التي تواجه إنترنت الأشياء بسبب الكم الهائل من البيانات التي يتم جمعها من الحساسات. على سبيل المثال، يمكن للمنازل الذكية تتبع أنماط حياة الأفراد مثل:
هذه البيانات تُجمع وتُستخدم من قبل الشركات لتحقيق أرباح، مما يثير تساؤلات حول كيفية التعامل معها وحمايتها من الاستغلال غير القانوني.
“كلما زاد اتصال الأشياء… ازدادت ثغرات العالم الافتراضي، وأصبح أمن البيانات معركة يومية تُحدد مصير الأفراد والمؤسسات .”
3. إدارة الكم الهائل من البيانات: تنتج أجهزة إنترنت الأشياء سيلًا متدفقًا من البيانات الضخمة، ومعالجتها في الزمن الحقيقي (Real-Time) يمثل تحديًا تقنيًا يحتاج إلى بنى تحتية متطورة وقدرات حوسبة هائلة.
4. استهلاك الطاقة وعمر البطاريات: تعمل معظم أجهزة الاستشعار لفترات طويلة في أماكن نائية، مما يجعل مسألة استهلاك الطاقة وإطالة عمر البطاريات أحد أكبر التحديات، خصوصًا مع زيادة حجم المعالجة المحلية (Edge Computing).
5. معايير التشغيل والتكامل بين الأجهزة: غياب المعايير الموحدة يجعل من الصعب تواصل أجهزة من شركات مختلفة ضمن شبكة واحدة، مما يخلق حالة من “الفوضى التقنية” قد تُعطل سير الأنظمة الذكية.
من الضروري معالجة تحديات الأمان وحماية الخصوصية لضمان قبول هذه التقنية بين المستخدمين، لكن و رغم هذه التحديات، يظل السباق نحو إنترنت الأشياء سباقًا لا مجال فيه للعودة… فالعقل البشري الذي صنع هذه الثورة قادرٌ على ترويض تحدياتها، وابتكار الحلول التي تجعل من الأشياء ذكية… ومن الإنسان سيّد هذا العالم لا عبده.
ما هي تطبيقات إنترنت الأشياء؟
لا حدود لتطبيقات إنترنت الأشياء، حيث تمتد استخداماته عبر العديد من القطاعات الحيوية، كما كان للإنترنت تأثير واسع على المستخدمين حول العالم، فإن إنترنت الأشياء سوف يؤثر بشكل كبير أيضًا على الأفراد، الشركات، وحتى المدن بأكملها. وتعتمد تأثيراته على حجم الاتصالات وعدد الأجهزة المتصلة. ومن أبرز تطبيقات إنترنت الأشياء
يستفيد الأفراد من أجهزة إنترنت الأشياء عبر التقنيات القابلة للارتداء (Wearable Technology) مثل:
يمكن التحكم في المنازل الذكية (Smart Homes) عن بُعد عبر أجهزة الكمبيوتر أو الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية، مما يسمح بإدارة الإضاءة والتكييف والأمن بسهولة.
تتيح المستشعرات الذكية (Smart Sensors) داخل المركبات جمع بيانات فورية عن السيارة وبيئتها المحيطة. كما أن السيارات ذاتية القيادة (Autonomous Vehicles) تستخدم مستشعرات متطورة وتقنيات تحكم متقدمة لفهم البيئة واتخاذ قرارات القيادة
“مستقبل إنترنت الأشياء ليس مجرد اتصال الأجهزة، بل هو انطلاق نحو عصر تصبح فيه البيانات قلب الحياة النابض… فتسبق الآلات احتياجات الإنسان، وتُبدع في تلبيتها .”
مع تطبيق إنترنت الأشياء، يمكن للمصانع:
يُعرف تطبيق إنترنت الأشياء في الصناعة بـ “إنترنت الأشياء الصناعي“ (Industrial Internet – IIoT). ترى شركات الأبحاث مثل “جارتنر” (Gartner) و**”سيسكو” (Cisco)** أن إنترنت الأشياء الصناعي يتمتع بإمكانات هائلة، رغم أنه لم يصل بعد إلى شهرة الأجهزة القابلة للارتداء أو المنازل الذكية، إلا أن استخدامه ينمو بشكل سريع.
تعتمد الشركات على إنترنت الأشياء لتحسين الكفاءة التشغيلية وخفض التكاليف، على سبيل المثال:
تساعد أجهزة إنترنت الأشياء في قطاع التجزئة (Retail) على:
تنفيذ استراتيجيات التسويق القائم على الموقع الجغرافي (Proximity-Based Advertising).
تُستخدم تقنيات إنترنت الأشياء في إدارة المدن الذكية (Smart Cities) لتحسين:
“عندما تتكلم المدينة… فاعلم أن إنترنت الأشياء هو من منحها الصوت والعقل معًا.”
يعرب عبد الله
يُحدث إنترنت الأشياء ثورة في القطاع الزراعي، حيث يمكنه:
رغم أن استخدام إنترنت الأشياء في الزراعة الذكية (Smart Agriculture) لم يصل إلى مستويات كبيرة بعد، إلا أن الدول الزراعية الكبرى تستثمر فيه بشكل متزايد.
“لقد تحوّلت الأرض من مصدر إنتاج إلى كائن ذكي… يعرف متى يعطش ومتى يشبع.”
يعرب عبد الله
يُستخدم إنترنت الأشياء في الرعاية الصحية (Healthcare IoT) تحت عدة مسميات مثل:
تُستخدم الأجهزة الطبية الذكية لمراقبة حالة المرضى في الوقت الفعلي، وتشير تحليلات IoT Analytics إلى أن الرعاية الصحية الذكية تتمتع بإمكانات ضخمة، ليست فقط على مستوى المؤسسات الصحية، بل أيضًا على مستوى الأفراد.
يتم استخدام إنترنت الأشياء في مجال الطاقة من خلال الشبكات الذكية (Smart Grids) التي تتيح:
يتم البحث عن هذا الموضوع بشكل واسع، حيث يتم تسجيل 41,000 عملية بحث شهرية على جوجل حول “الشبكات الذكية”، لكن التفاعل الاجتماعي حول الموضوع لا يزال محدودًا.
يُسهم إنترنت الأشياء في تحويل التعليم ليكون أكثر وصولًا وشمولية، حيث يمكن استخدامه في:
يمكن استخدام أجهزة الاستشعار الذكية في المشاريع الهندسية لمراقبة:
أصبح إنترنت الأشياء جزءًا رئيسيًا من إدارة سلسلة التوريد (Supply Chain Management) عبر:
إن مستقبل إنترنت الأشياء يحمل بين طياته إمكانيات لا حدود لها… إنه الوعدُ بعالمٍ تُصبح فيه المعلومة قوة لحظية، والقرار لحظة ولادة البيانات، والمستقبل مساحة تُشكّلها خوارزميات ذكية. وكلما غصنا في أعماق هذا العالم، أدركنا أننا أمام ثورة حقيقية ستعيد صياغة تفاصيل الحياة اليومية على نحوٍ لم يشهده التاريخ من قبل.
مستقبل إنترنت الأشياء
مع الانخفاض المستمر في تكلفة المستشعرات وتقنيات الاتصال، أصبحت إضافة أجهزة جديدة إلى شبكات إنترنت الأشياء أكثر اقتصادية من أي وقت مضى. ومع ذلك، ما زالت العديد من الشركات في مرحلة التجريب (Trial Stage)، حيث أن التقنيات الداعمة مثل شبكات الجيل الخامس (5G) وتحليل البيانات الضخمة لم تصل بعد إلى مراحل النضج الكامل. ورغم ذلك، من المؤكد أن إنترنت الأشياء سيشكل جزءًا جوهريًا من المستقبل التكنولوجي، مما سيحدث تحولًا في العديد من الصناعات.
“ليس المستقبل لمن يملك الأشياء… بل لمن يجعل الأشياء تفكّر وتتخذ القرار .”
لغات البرمجة لإنترنت الأشياء
توجد العديد من لغات البرمجة المستخدمة في تطوير تطبيقات إنترنت الأشياء، مثل:
من بين هذه اللغات، تعتبر Python وJava وC++ وGo من أكثر اللغات استخدامًا في مشاريع إنترنت الأشياء. شهدت لغة Python زيادة كبيرة في شعبيتها بسبب مزاياها الفريدة، ما جعلها واحدة من أهم خمس لغات برمجة تستخدم في مختلف المجالات، بما في ذلك إنترنت الأشياء.
الشركات العالمية في مجال إنترنت الأشياء
في الوقت الحالي، تمتلك العديد من الصناعات والشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، بالإضافة إلى المراكز الصحية والتعليمية والبحثية، أقسامًا متخصصة في إنترنت الأشياء أو تعمل على تطوير مشاريع إنترنت الأشياء. كما أُسست العديد من المزارع الذكية التي تستخدم إنترنت الأشياء لتصبح أكثر كفاءة. في ذات السياق، ظهرت العديد من الشركات المتخصصة في هذا المجال.
من أبرز الشركات العاملة في مجال إنترنت الأشياء عالميًا:
وضع إنترنت الأشياء في سوريا:
وضع إنترنت الأشياء (IoT) في سوريا لا يزال في مراحله المبكرة مقارنة بالدول المتقدمة، وذلك بسبب التحديات الكبيرة التي تواجهها البلاد، بما في ذلك الأوضاع الأمنية، الاقتصادية، والتقنية. و سأشارك بعض التحديات التي أراها حاليا تواجه إنترنت الأشياء في سوري و التي يجب حلها بسرعة بالتعاون بين الجامعات و الأكاديميين الخبراء و الصّناع و التجار:
أ. التحديات الأمنية والسياسية:
ب. التحديات الاقتصادية:
الأزمة الاقتصادية الشديدة، بما في ذلك انخفاض قيمة العملة وارتفاع التضخم، تجعل من الصعب تمويل مشاريع إنترنت الأشياء.
“حتى في أكثر البيئات تحديًا، تبقى التكنولوجيا بارقة أمل لبناء مستقبل أفضل لمن يملك الجرأة على استثمارها. “
“إن الاستثمار في إنترنت الأشياء في سوريا اليوم، رغم التحديات، هو استثمار في استعادة الحياة وتعزيز الاقتصاد.”
ج. التحديات التقنية:
د. التحديات التشريعية:
ذ . الإهمال الأكاديمي:
1) عدم اعتماد إنترنت الأشياء كبرنامج أكاديمي متكامل في الجامعات:
على الرغم من أن إنترنت الأشياء يُعتبر مجالًا متعدد التخصصات (Multidisciplinary) حيث يجمع بين أكثر من اثني عشر علمًا وتخصصًا تقنيًا، مما يجعله نظامًا بيئيًا متكاملاً (Ecosystem)، إلا أنه لم يتم اعتماده كبرنامج أكاديمي مستقل في الجامعات. هذا النظام البيئي يشبه إلى حد كبير النظم البيئية الطبيعية من حيث التفاعل والتكامل بين مكوناته المختلفة، مثل الحوسبة، الاتصالات، الهندسة، والعلوم التطبيقية. ومع ذلك، فإن عدم وجود برامج أكاديمية متخصصة في هذا المجال يُعد نقصًا كبيرًا في المنظومة التعليمية، خاصةً في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة
“حين تتأخر الجامعات عن مواكبة التكنولوجيا، تخسر المجتمعات عقولاً كانت قادرة على قيادة التغيير .”
2) ضعف الاهتمام بإنترنت الأشياء في برامج البكالوريوس الهندسية:
في العديد من برامج البكالوريوس الهندسية، يتم تدريس إنترنت الأشياء كمادة اختيارية وليست إلزامية ضمن الخطط الدراسية. هذا الوضع أدى إلى ضعف المعرفة والوعي بهذه الثورة التكنولوجية، والتي تُعد أحد الركائز الأساسية للثورة الصناعية الرابعة (Industry 4.0). نتيجة لذلك، فَقَدَ المجتمع السوري آلاف الفرص الوظيفية والخبرات التي كان من الممكن أن تساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي وتطوير القطاعات الصناعية والخدمية. إن عدم إدراج إنترنت الأشياء كمادة أساسية في المناهج الدراسية يُعد إغفالًا كبيرًا في ظل الحاجة الماسة إلى كوادر مؤهلة في هذا المجال الحيوي.
“لا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية دون إعادة صياغة التعليم ليصبح مصنعًا للعقول القادرة على التعامل مع تكنولوجيا الغد.”
3) تقصير الجامعات في تسليط الضوء على التكنولوجيا الجديدة:
لم تقم الجامعات بدورها الكافي في تعزيز الوعي بالتكنولوجيا الجديدة، مثل إنترنت الأشياء و الذكاء الإصطناعي، من خلال وسائل التواصل المتاحة، مثل المواقع الإلكترونية الرسمية، أو عبر تنظيم الندوات العلمية المتخصصة، أو عقد الدورات التدريبية قصيرة وطويلة الأمد. هذا التقصير أدى إلى محدودية انتشار المعرفة حول هذه التكنولوجيا بين الطلاب والخريجين، مما أثر سلبًا على قدرة المجتمع على مواكبة التطورات العالمية في هذا المجال و شكل عائق أمام التفكير بفتح مراكز أبحاث خاصة يدعمها أصحاب المصانع و التجار لتخفيف الإعتماد على الاستيراد. إن تعزيز دور الجامعات في نشر المعرفة وتقديم البرامج التدريبية يُعد خطوة ضرورية لسد الفجوة المعرفية وتمكين المجتمع من الاستفادة من الفرص التي توفرها هذه التكنولوجيا.
الخاتمة والرؤية المستقبلية:
في هذه المقالة التي نشرت عبر نقابة المهندسين – فرع حمص، تمت الإجابة على التساؤل المحوري: “ما هو إنترنت الأشياء؟”، حيث استعرضنا مزاياه وتحدياته وآفاقه المستقبلية، إضافة إلى تطبيقاته العملية في مختلف القطاعات الحيوية. كما تم تحليل مكونات نظام إنترنت الأشياء وآلية عمله بشكل شامل، مع التركيز على ارتباطه الوثيق بمفاهيم وتقنيات متقدمة مثل البيانات الضخمة (Big Data)، والمدن الذكية (Smart Cities)، وشبكات الجيل الخامس (5G)، والتي تشكل جميعها منظومة متكاملة تدفع عجلة التحول الرقمي نحو المستقبل.
إن الرؤية المستقبلية لإنترنت الأشياء في سوريا والمنطقة العربية ترتكز على ضرورة بناء بيئة علمية وتشريعية وبُنى تحتية تواكب هذا التطور المتسارع. ويكمن الأمل في أن تشهد السنوات القادمة نهضة حقيقية في هذا المجال من خلال تعزيز دور الجامعات والمراكز البحثية، وتشجيع الصناعات المحلية على الاستثمار في هذه التكنولوجيا، بما يسهم في بناء اقتصاد رقمي قوي ومستدام.
ويمثل إدماج تقنيات إنترنت الأشياء في القطاعات الزراعية، الصناعية، الخدمية، والصحية فرصة ذهبية لمعالجة الكثير من التحديات، خاصة في ظل الحاجة الملحّة لإيجاد حلول ذكية وفعّالة لتحسين الإنتاجية وتقليل الهدر وتعزيز جودة الحياة.
وفي سبيل تعميق المعرفة والاطلاع على أحدث التطورات في هذا المجال، يمكن للقراء الرجوع إلى المصادر التالية:
مصادر ومراجع غنية:
في ختام هذا المقال، يتّضح جليًا أن إنترنت الأشياء (IoT) لم يعد مجرّد تقنية حديثة، بل أصبح ركيزة أساسية في بناء المستقبل، ومحورًا رئيسيًا في رسم معالم الثورة الصناعية الرابعة. لقد وحّد IoT بين العالمين الرقمي والمادي، ليخلق بيئة تفاعلية ذكية تحاكي البشر في التفكير والتحليل واتخاذ القرار. ومع تسارع التطورات التقنية، سيظل إنترنت الأشياء هو القوة الدافعة نحو مدن أكثر ذكاءً، وزراعة أكثر إنتاجية، وصناعة أكثر كفاءة، وحياة أكثر رفاهية
وأمانًا. إنه المستقبل الذي لا ينتظر أحدًا… بل يُكتب الآن بيد من يملك الجرأة على استثماره وتطويره. لا شك أن مستقبل إنترنت الأشياء يحمل فرصًا واعدة، ومن الضروري أن نستثمر اليوم في بناء القدرات العلمية والتقنية لضمان مكانة قوية في عالم الغد الذكي والمتصل.