الملخص
حسنت الرعاية الطبية المتطورة حاليًا نمط حياة الإنسان وخففت من آلامه، ولكنه لم يكن المستفيد الوحيد، بل وجدت العوامل الممرضة الأبواب مشرعًة للدخول والبيئة خصبًة للازدهار، فزادت ضراوتها وطورت مقاوماتها على الأدوية المستخدمة في العلاج. وأصبحت هذه العداوى هاجسًا في العمل الطبي يجري العمل على الحد من مخاطره.
الكلمات المفتاحية: أخماج مكتسبة، عدوى مستشفيات، مقاومة الصادات
مقدمة
يطلق مصطلح الأخماج المكتسبة في المستشفيات أو المرتبطة بالرعاية الصحية على الأخماج التي يكتسبها الفرد أثناء خضوعه للرعاية الطبية في المستشفى (1). بشرط حدوث الخمج بعد 48 ساعة من القبول في المستشفى أو 3 أيام من الخروج منها أو 30 يومًا بعد العمل الجراحي (2). وبالتالي لا تنطبق على أخماج الوليد المنتقلة عبر المشيمة (3). قد تصيب هذه الأخماج أيضًا طاقم المستشفى والعمال الصحيين أو الزوار. وتعتبر السبب في مشاكل صحية كبيرة قد تؤدي إلى الوفاة. وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، يعاني ما يقرب من 15٪ من جميع المرضى في المستشفيات من هذه العداوى. إن تواتر العدوى الإجمالية في البلدان المنخفضة الدخل أعلى بثلاث مرات منه في البلدان ذات الدخل المرتفع، في حين أن هذا الحدوث أعلى بنسبة 3-20 مرة عند الولدان.
تترافق هذه الأخماج بزيادة مدة الاستشفاء، وارتفاع معدل المراضة والوفيات، كما تترافق مع تطور مقاومة مضادات الميكروبات، وتسبب إعاقة طويلة الأمد للفرد، ونشوء الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية، وتحمل أعباء مادية وتكاليف زائدة، ولا يوجد حتى الآن أي حل لهذه المشكلة الدائمة (4).
تزيد خطورة حدوث أخماج المستشفيات في ظل سوء الظروف المحيطة بالرعاية الطبية (5)، كإهمال التعامل مع النفايات، وتردي الوضع الصحي للمريض وضعف مناعته، والإقامة المديدة في وحدة العناية المركزة وما يرافقها من استخدام مطول للمضادات الحيوية. ويلعب نقص المعلومات لدى الطاقم الطبي. والاستخدام غير السليم لتقنيات الحقن، والتطبيق غير المناسب للأجهزة الغازية كالقسطرة، وضعف المعرفة ونقص سياسات وتدابير مكافحة العدوى دورًا مهمًا في الانتشار وهذا ما يمكن ربطه بالفقر في البلدان النامية (6).
طرق العدوى
تنتقل العداوى غالبًا بالتماس مع جلد المصابين والسطوح المشتركة مثل مقابض الأبواب والمقاعد والمناشف والصنابير كما في حال العنقودية المذهبة، أو من خلال البيئة أو الماء والغذاء الملوث كما في جراثيم الأمعاء، كما يعتبر المرضى الذين يعانون من الإسهال مصدرًا مهمًا للخمج وخاصة بالمكورات المعوية المقاومة للفانكومايسين. وتعمل الأسطح والمعدات كمستودع للخمج. يزيد هذا الانتشار عندما يهمل أفراد طاقم الرعاية الصحية تنظيف أيديهم بعد فحص المريض (7)، ويمكن أن تكون أجهزة التنفس أو القسطرة أو الجروح المكشوفة مصدرًا لانتقال بعض الجراثيم مثل الكلبسيلة الرئوية، من المستودعات الشائعة للزائفة الزنجارية والسراتية الذابلة المضخات والحاضنات والمغاسل وأيدي موظفي المستشفى وصابون الأيدي. يمكن أن تبقى جراثيم المطثية العسيرة لعدة أشهر في الوسط الخارجي وتلوث المطهرات ومواد التنظيف. تعتبر الأجسام الجامدة والمرضى وطاقم ومعدات المشفى من أهم مستودعات المطثية العسيرة.
المسببات الخمجية
تعتبر الجراثيم مسؤولة عن حوالي تسعين بالمائة من الحالات، في حين أن الأوالي والفطور والفيروسات والمتفطرات تساهم بشكل أقل. فقد تنتقل الفيروسات عن طريق اليد، والطريق التنفسي، والطريق البرازي الفموي. كما ينتقل التهاب الكبد B وC عادة من خلال ممارسات الحقن غير الآمنة في المشافي. ومن الفيروسات المسببة الأخرى الأنفلونزا، وفيروس نقص المناعة البشرية، وفيروسات الروتا، وفيروس الحلأ البسيط (8).
تشارك الفطور ومنها المبيضات البيض Candida albicans، والرشاشيات Aspergillus والمستخفية المستحدثة Cryptococcus neoformans لكونها عوامل ممرضة انتهازية. ينتقل الخمج بالمبيضات بالطريق الداخلي بينما تحدث عدوى الرشاشيات بسبب استنشاق الأبواغ الفطرية من الهواء الملوث أثناء بناء أو تجديد مرافق الرعاية الصحية.
يمكن لجراثيم الميكروبيوم الطبيعي أن تسبب الخمج في حال تبدل موقعها الطبيعي، ومن أهم الجراثيم المسببة لأخماج المشافي المكورات المعوية Enterococcus، والعقديات Streptococcus، والعنقوديات Staphylococcus ومنها العنقودية المذهبة والعنقوديات سلبية المخثراز، العصوانيات الهشة Bacillus cereus، الفيلقيات Legionella، الإمعائيات مثل المتقلبة الشائعة Proteus mirablis، الكلبسيلة الرئوية Klebsiella pneumonia، الإشريكية القولونية Escherichia coli، السراتية الذابلة Serratia marcescens، الإمعائية المذرقية Enterobacter cloacae. والمطثيات العسيرة Clostridium difficile تمتلك الزائفة والعنقودية المذهبة والإشريكية القولونية الدور الأكبر بعد المكورات المعوية.
تعد المكورات المعوية من أهم مسببات الأخماج المكتسبة من المستشفيات في جميع أنحاء العالم (9). تشارك المكورات المعوية في إنتانات الدم. الإنتانات البولية وإنتانات الموقع الجراحي. تستعمر المكورات العنقودية المذهبة الفتحات الأنفية بشكل رئيسي لبعض الأشخاص. يعتبر مضعفي المناعة أكثر عرضة للخمج بها (10)، ومن أمراضها ذات الآلية الذيفانية التسمم الغذائي، والصدمة السمية ومتلازمة الجلد المسموط بالعنقوديات. أما في إنتانات الدم فتكون المكورات العنقودية سلبية المخثراز هي العامل المسبب الرئيسي. الإشريكية القولونية مسؤولة عن الإنتانات البولية وإنتان الدم والالتهاب الرئوي والتهاب السحايا الوليدي والتهاب الصفاق والتهاب المعدة والأمعاء. تساهم الزائفة الزنجارية في 11% من جميع حالات العدوى في المستشفيات (11) وخاصة لدى مضعفي المناعة، مواقع استعمارها موزعة على كامل الجسم وتسبب إنتانات الموقع الجراحي أو الجروح، والإنتانات البولية، وذات الرئة، والتليف الكيسي وإنتانات الدم. الكلبسيلة الرئوية تتورط في أمراض مثل إنتان الدم وخاصة عند الأطفال حديثي الولادة وذات الرئة والتهابات الجروح. المطثية الحاطمة تستعمر الأمعاء عادة وتعتبر كجزء من الميكروبيوم الطبيعي. الأمراض التي تسببها بآلية ذيفانية هي التهاب القولون وهي مسؤولة عن 15%-25% من حالات الإسهال (12).
أنواع الأخماج المكتسبة في المستشفيات
يمكننا تقسيم الأخماج المكتسبة في المشافي إلى:
المقاومة على المضادات الحيوية
حرض العلاج العشوائي بالصادات على زيادة المقاومة، وكذلك الجرعات غير الصحيحة، ومدة الاستعمال غير المضبوطة، وسوء التطبيق على الحيوانات في مجال الطب البيطري. تعد المكورات الرئوية المقاومة للبنسلين، والمكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين (MRSA)، والمكورات العنقودية والمعوية المقاومة للفانكومايسين، والإمعائيات المقاومة للكاربابينيمات، والسل المقاوم للأدوية المتعددة من الأمثلة الشائعة على الجراثيم المقاومة للأدوية المسببة لأخماج المستشفيات. مع تغير توزيع الجراثيم في عدوى المستشفيات بمرور الوقت. فأصبحت المكورات العنقودية المقاومة للميثسللين MRSA حاليًا مقاومة لجميع الصادات من زمرة البيتالاكتام. المكورات المعوية مقاومة لفئات مختلفة من المضادات الحيوية التي تشمل البنسلين، الأمبيسلين، الأمينوغليكوزيدات، التتراسيكلين، الكاربابينيمات، الفلوروكينولونات والماكروليدات. الزائفة الزنجارية أصبحت مقاومة لصادات السيفالوسبورينات، تريميثوبريم، الماكروليدات، الكلورامفينيكول، التتراسيكلين والفلوروكينولونات بآليات مختلفة. تظهر الكلبسيلة مقاومة للسيفالوسبورينات من الجيل الثالث والرابع. وأفادت الدراسات الحديثة أن الاستخدام غير السليم للمضادات الحيوية في علاج المطثية العسيرة كان سببًا في زيادة حالات الخمج بها.
المراقبة ومكافحة العدوى
هناك ضرورة ماسة ليكون استخدام مضادات الميكروبات مناسبَا ومبررًا. كما يجب إعطاء الصادات في الوقاية قبل الجراحة، ولوقاية مضعفي المناعة. يوفر مركز السيطرة على الأمراض (CDC) منهجية مراقبة وتحري في الفاشيات الكبرى لأخماج المستشفيات. وتم تطوير إرشادات للوقاية من العداوى ومكافحتها ولكن التنفيذ ليس معروفًا بدقة. تقوم البرامج الحالية على الحصول على البيانات والعمل عليها ووضع استراتيجيات لمكافحة العدوى وتقييم فعاليتها. كما تتوافر إرشادات تعقيم وتطهير الأجهزة الغازية والأدوات الجراحية. كما يجب أن تتوافر سياسات لتنظيف الجدران والأرضيات والنوافذ والأسرة والحمامات والمراحيض. يجب توثيق الفحص المنتظم لأنظمة التهوية في الأجنحة العامة وغرف العمليات ووحدات العناية المركزة. وتحليل المياه من الناحية الميكروبيولوجية. وتوفير حمامات منفصلة للمرضى. وتنظيف مناطق تناول الطعام. النظافة الشخصية مطلوبة من جميع العاملين الصحيين وكذلك استعمال مطهرات الأيدي بعد التماس مع المرضى. وارتداء الألبسة الواقية كالأقنعة أو القفازات أو أغطية الرأس. ويعد تدريب الممارسين الصحيين وخاصة الممرضات، أمرًا في غاية الأهمية كما يجب اتباع نهج صارم في التعامل مع النفايات المعدية، والتي تحتوي على نسبة عالية من المعادن الثقيلة والنفايات الناتجة عن العمليات الجراحية (15).
الفجوات البحثية
يلاحظ وجود فجوة معرفية (2) وجهل كبير بالأخماج المكتسبة في المستشفيات وطرق انتقالها والوقاية منها، وهذا ما يمكن قياسه في بلادنا. كما نتوقع وجود فجوة كبيرة بين وجود المبادئ التوجيهية وتنفيذها الفعلي. وهذا ما يجب الإضاءة عليه للحصول على التوصيات سهلة التطبيق محليًا، هناك نقص في الإحصاءات الفعلية المتعلقة بالعوامل الممرضة الأكثر شيوعًا في بيئة المشافي في بلادنا وعلاقتها بشروط التعقيم والأقسام والإجراءات المطبقة، يمكن المقارنة بين المشافي العامة والخاصة من حيث نسب الحدوث، أنماط التحسس على المضادات الحيوية للسلالات الأكثر شيوعًا يعتبر فجوة حقيقية في البلدان النامية لنقص المعلومات المتوافرة حولها، هناك أجناس جرثومية من النادر أن يتم تشخيصها أو التطرق إليها في مشافينا مثل الفيلقيات والمطثيات والعصوانيات. الجراثيم اللاهوائية بشكل عام والفطور أيضًا من النادر أن يتم زرعها وتحديد أنماطها وتحسسها على المضادات الميكروبية، كما توجد حاجة ملحة للتعرف على الأمراض الفطرية الانتهازية الناشئة حديثًا أو حديثة الظهور ومقاومتها للعلاج. إن طرق انتقال الفيروسات ونسب الإصابة بالأمراض الفيروسية المنتقلة مهنيًا وخاصة لدى الأطباء كالتهاب الكبد والإيدز بحاجة إلى مراجعة أيضًا.
المواد والطرق
يلزم توفير استبيانات شاملة ومدروسة على مستوى القطاع الطبي والمجتمع لسبر مستوى المعرفة بهذه الأخماج، وأخرى لمراقبة التطبيق الفعلي للبرامج الموضوعة لمكافحة العدوى ومقارنتها بالبروتوكولات العالمية ومقارنة نسب الأخماج في المشافي. يلزم لتحديد هوية الجراثيم وتقصي مصدر الأخماج المكتسبة في المشافي توفير الأوساط الزرعية النادرة وطرق الكشف السريع قليلة التوافر، وكذلك أجهزة التنميط الجرثومي وأجهزة زرع الدم والتحسس على الصادات والعمل على تطبيق الطرق المرجعية في الاختبارات، بالإضافة إلى طرق البيولوجية الجزيئية الحديثة لتحري الطفرات الجرثومية التي تسبب المقاومة، وتجميع المعلومات ثم استخدام طرق إحصائية مناسبة.
المراجع
1- Khan, HA, Aftab A, and Riffat M. “Nosocomial infections and their control strategies.” Asian pacific journal of tropical biomedicine7 (2015): 509-514.
2- Zaidi N, Javed N, Naz S, Mumtaz A. Gaps in Knowledge and Practices About Health Care Associated Infections Among Health Care Workers at a Tertiary Care Hospital. JIMDC; 2016:5(2):84-87.
3- Festary A, et al Cytomegalovirus and herpes simplex infections in mothers and newborns in a Havana maternity hospital. MEDICC Rev 2015; 17(1): 29-34.
4- Allegranzi B. Report on the burden of endemic health care associated infection worldwide. Geneva: WHO; 2011.
5- Kollef, M; et al. Nosocomial Infection. Critical Care Medicine 49(2): p 169-187, February 2021.
6- Nejad SB, Syed SB, Ellis B, Pittet D. Health-care-associated infection in Africa: a systematic review. Bull World Health Org 2011; 89: 757-65.
7- Rabier V, et al. Hand washing soap as a source of neonatal Serratia marcescens outbreak. Acta Paediatr 2008; 97(10): 1381-5.
8- Jayanthi A. Most common healthcare-associated infections: 25 bacteria, viruses causing HAIs, Becker’s hospital review. 2014.
9- Karki S, Leder K, Cheng AC. Should we continue to isolate patients with vancomycin-resistant enterococci in hospitals? Med J Aust 2015; 202(5): 234-6.
10- Kavanagh KT, Calderon LE, Saman DM. Viewpoint: a response to “screening and isolation to control methicillin-resistant Staphylococcus aureus: sense, nonsense, and evidence”. Antimicrob Resist Infect Control 2015; 4: 4.
11- B_al_as¸oiu M, & al. Pseudomonas aeruginosa resistance phenotypes and phenotypic highlighting methods. Curr Health Sci J 2014; 40(2): 85-92.
12- Gu SL, et al. Risk factors, outcomes and epidemiology associated with Clostridium difficile infection in patients with haematological malignancies in a tertiary care hospital in China. J Med Microbiol 2015; 64(Pt 3): 209-16.
13- Urinary tract infection (catheter-associated urinary tract infection [CAUTI] and non-catheter associated urinary tract infection [UTI]) and other urinary system infection [USI]) events.
14- Hunter JD. Ventilator associated pneumonia. BMJ 2012; 344: 40-4.
15- Rutala WA, Weber DJ, Society for healthcare Epidemiology of America. Guideline for disinfection and sterilization of prioncontaminated medical instruments. Infect Control Hosp Epidemiol 2010; 31(2): 107-17.