التحليل الاقتصادي لتخفيض سعر الفائدة في الاتحاد الأوروبي في ظل التعريفات الجمركية الأمريكية
كلية العلوم الإدارية و المالية - الجامعة الوطنية الخاصة
التحليل الاقتصادي لتخفيض سعر الفائدة في الاتحاد الأوروبي في ظل التعريفات الجمركية الأمريكية
الدكتور إبراهيم نافع قوشجي
تستكشف هذه الدراسة الآثار متعددة الأبعاد لتخفيض البنك المركزي الأوروبي (ECB) لسعر الفائدة في أبريل 2025، كاستجابة للتعريفات الجمركية الأمريكية التي بلغت 25% على الصادرات الأوروبية. باستخدام نماذج الاقتصاد الكلي (IS-LM، Mundell-Fleming، وقاعدة تايلور)، تُظهر النتائج أن السياسة النقدية التوسعية ستساهم في تعويض جزء من خسائر الصادرات عبر إضعاف اليورو وتحفيز الطلب المحلي.
في سياق التصعيد التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فرضت الأولى تعريفات جمركية انتقائية على السلع الأوروبية (خاصة السيارات وقطع الغيار) في يناير 2025، مما يهدد بتراجع صادرات الاتحاد الأوروبي بنسبة 7.5% وفقًا لـ يوروستات. وكرد فعل، خفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الرئيسي إلى 2.25% في أبريل 2025، ويهدف بذلك إلى تحفيز النمو عبر خفض تكلفة الاقتراض، ومحاولة لزيادة الصادرات عبر تخفيض قيمة اليورو، واحتواء التضخم الناتج عن ارتفاع تكاليف الواردات.
1.النماذج الاقتصادية المستخدمة في تحقيق التوازن الكلي:
Y=C(Y-T)+I(r)+G+NX(e)
حيث:
حيث يؤدي تحول منحنى IS إلى اليسار إلى انخفاض الناتج (Y).
حيث:
X الصادرات
X0الصادرات الأساسية
γ=0.4 حساسية الصادرات تجاه تغير سعر الصرف.
حيث:
حيث تشير فجوة الناتج -0.5%y=-y)) إلى ضرورة خفض الفائدة.
استخدم البنك المركزي الأوربي في تحليل للأزمة المرتقبة نتيجة التعريفات الجمركية الجديدة على التكامل بين النماذج ليحدد في التحليل إن نموذج IS-LM اتجاه الصدمة (انكماش الطلب)، أما نموذج Mundell-Fleming وفّر آلية تعويضية عبر سعر الصرف، وأما قاعدة تايلور وفّرت إطارًا كميًا لاتخاذ قرار نقدي متوازن بين النمو والتضخم.
بهدف تخفيف الآثار السلبية للتعريفات الأمريكية، مع الحفاظ على استقرار اقتصادي نسبي عبر سياسة نقدية استباقية، والآثار المتوقعة لهذه السياسة تحفيز الطلب المحلي عبر خفض الفائدة (↑I بسبب ↓r)، مما يؤدي إلى خروج السيول النقدية من المصارف للأسواق عن طريق زيادة القروض وانخفاض الودائع. وزيادة الإنفاق الحكومي (G) من خلال سياسة مالية توسعية، لتعويض الصادرات المفقودة عبر تحسين القدرة التنافسية للصادرات الأوروبية في الأسواق غير الأمريكية بفضل انخفاض سعر الصرف، إضافة إلى احتواء التضخم بالرغم من ارتفاع تكاليف الواردات، يُتوقع أن يكون الأثر التضخمي محدوداً بسبب انخفاض الطلب الكلي الناجم عن فجوة الناتج.
2. تحليل دوافع تخفيض سعر الفائدة: تحليل كمي:
إن انخفاض الصادرات الأوربية إلى الولايات المتحدة بنسبة 7.5% في Q2 2025، سوف يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي GDP بنسبة 0.3 نقطة مئوية، كما سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج في الصناعة التحويلية بنسبة 2.1% بسبب زيادة أسعار المواد الخام المستوردة.
وفقًا لقاعدة تايلور، فإن السعر الأمثل للفائدة في 2025 هو:
وبالتالي، فإن خفض الفائدة إلى 2.25% يعكس توقعات بتباطؤ اقتصادي أعمق، مع مراعاة الحفاظ على معدل تضخم حميد يسببه التضخم المستورد.
3.الآثار على منطقة اليورو: محاكاة الديناميكيات
-إن انخفاض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس عن سعر الفائدة الأمثل سيزيد الاستثمار بنسبة 0.3% (حسب معادلة)
حيث:
– أما تخفيض سعر صرف اليورو 5% يعزز الصادرات بنسبة 2%، لكنه يرفع التضخم المستورد بنسبة 0.3 نقطة مئوية.
إن أثر تغير سعر الفائدة سوف يظهر الاختلافات الاقتصادية، الاجتماعية، والسياسية بين دول الاتحاد الأوربي. وسوف يظهر ذلك في التفاوت في مستويات الدخل، التعليم، الصحة، وفرص الاستثمار.
الجدول رقم (1) يُظهر التفاوت الإقليمي في الاتحاد الأوربي
الدولة | نسبة الدين/الناتج | النمو المتوقع 2025 |
ألمانيا | 60% | 0.4% |
إيطاليا | 155% | 0.1% |
إسبانيا | 120% | 0.2 |
يظهر الجدول رقم (1) العلاقة بين السياسة النقدية والتفاوت في الفعالية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ليس فقط مسألة أرقام، بل أيضًا تحدٍ هيكلي يبرز التفاوت في القدرة على التكيف مع تغيرات السياسة النقدية بسبب المديونية العالية.
الشكل رقم (1) التفاوت بين نسب النمو والمديونية
يوضح الشكل رقم (1) أن هناك علاقة عكسية بين نسبة الدين إلى الناتج ونمو الاستثمار المتوقع. هذا يؤكد أن الدول ذات المديونية المرتفعة تواجه صعوبة أكبر في تحقيق نمو اقتصادي حتى مع تغييرات أسعار الفائدة، مما يعزز مفهوم التفاوت الإقليمي.
4.الاقتصاد السوري بين انتقال الأثر ودراسة التجربة:
لا يمكن للاقتصاد السوري تطبيق النماذج بسبب البيئة الاقتصادية الهشة مما يُضعف القدرة على التحكم بالسياسة النقدية، بالإضافة إلى ضعف النظام المصرفي وعدم استقلالية البنك المركزي، وانهيار قيمة الليرة السورية (مثلًا: من 50 ليرة/دولار عام 2011 إلى ~15,000 ليرة/دولار في 2023).
بالإضافة لعدم وجود إحصاءات دقيقة عن الناتج المحلي (Y)، والاستهلاك (C)، أو الاستثمار (I)، مما يُعيق بناء نماذج اقتصادية واقعية.
يمكن لسوريا في حالة الإصلاح الاقتصادي تنفيذ سياسات مُصغرة مستوحاة من النماذج السابقة بهدف تحفيز الاستثمار المحلي (I) عبر إعفاءات ضريبية لقطاعات إستراتيجية، ودعم الصادرات غير الخاضعة للعقوبات مثل المنتجات الزراعية أو الأدوية، من خلال سياسة مالية توسعيه محدودة.
في ظل الظروف الحالية يمكن للاقتصاد السوري الاستفادة من التحويلات المالية: من المعلوم أن مليون وخمسمائة ألف سوري يعيشون في أوروبا وتقدر حجم تحويلاتهم المالية بـ 1.2 مليار دولار سنويًا، ووفقًا لنموذج المرونة
حيث أن انخفاض سعر صرف اليورو سيزيد من قيمة الحوالات بالليرة السورية بما يقارب 600 ألف دولار سنوياً.
تعكس المؤشرات الاقتصادية في سوريا لعام 2025 صورة مُعقدة للتحديات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد الوطني. يظهر من البيانات المتعلقة بالتضخم، الانكماش الاقتصادي، ونسبة الدين إلى الناتج، أن هناك أزمة مُستدامة تتطلب إصلاحات جذرية لمعالجتها. يُبرز الجدول رقم (2) مدى تأثير هذه المؤشرات على الأداء الاقتصادي، وكيف تُساهم في تعميق الأزمات الهيكلية التي تؤثر على مستويات المعيشة، وفرص الاستثمار، والتنمية الاقتصادية. تُشكل هذه المعطيات أساسًا لتحديد الأولويات ووضع خطط إصلاحية تهدف إلى تحقيق التوازن والاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.
الجدول رقم (2) مؤشرات الاقتصاد السوري
يظهر الجدول رقم (2) التحديات الهيكلية في سوريا عام 2025 تُظهر صورة معقدة لأزمة اقتصادية عميقة تعيق النمو والتنمية المستدامة.
التضخم المرتفع يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للمواطنين وزيادة تكاليف المعيشة، مما يدفع الأسر إلى الفقر ويزيد من التفاوت الاقتصادي. والانكماش الاقتصادي المطول يخلق بيئة غير مواتية للنمو، حيث تنخفض الأنشطة الاقتصادية، ويُقلص الاستثمار المحلي والخارجي. أما نسبة الدين إلى الناتج المرتفعة تُعتبر غير مستدامة، مما يزيد من الأعباء المالية ويُقيد قدرة الحكومة على اتخاذ إجراءات إصلاحية.
الشكل رقم (2) مخطط التحديات الهيكلية
يوضح الشكل رقم (2) كيف أن هذه التحديات الهيكلية مترابطة وتؤثر على كافة جوانب الاقتصاد السوري. لتحقيق التعافي، تحتاج سوريا إلى معالجة كل من هذه الجوانب عبر إصلاحات هيكلية شاملة واستراتيجية تنموية متكاملة.
التوصيات لتحسين استفادة الاقتصاد السوري من الحالة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي:
يمكن لسوريا اتباع نهج مستدام لتحقيق التعافي الاقتصادي من خلال الاستفادة من السياسات الأوروبية والنماذج المطبقة، مع الأخذ بعين الاعتبار التحديات الهيكلية الحالية.
1-تعزيز التعاون التجاري مع الاتحاد الأوروبي:
2-إدارة السياسة النقدية:
3-دعم التحويلات المالية والجاليات السورية في أوروبا:
4-تطوير العلاقات الدولية واستقطاب الاستثمارات:
5-تطبيق إصلاحات مؤسسية وهيكلية:
يمكن لسوريا الاستفادة من النموذج الأوروبي من خلال تبني استراتيجيات مُعدة بدقة تُراعي طبيعة اقتصادها الهش، مع التركيز على تعزيز الاستقرار المالي والنقدي، وجذب رؤوس الأموال، وإحياء النشاط الاقتصادي المحلي. ويتطلب هذا توازنًا دقيقًا بين السياسات المالية والنقدية، مصحوبًا بإصلاحات هيكلية تعيد بناء الثقة وتُسهِّل الحصول على الدعم العالمي.
باتباع هذا النهج، قد تستطيع سوريا استغلال الفرص غير المباشرة الناتجة عن الصراعات التجارية بين الدول الكبرى، مما يُسهم في تنشيط القطاعات الإنتاجية والتجارية. لكن نجاح هذا المسار يعتمد على وضع خطة تنموية طويلة الأمد تجمع بين الإصلاحات الداخلية الجذرية وتعزيز الشراكات الإقليمية والدولية.
في سياق متصل، يُعد تخفيض الفائدة الأوروبي رد فعل مركبًا للتحديات العالمية، إلا أن آثاره على الاقتصادات الهشة مثل سوريا تظل ضئيلة بسبب العقبات الهيكلية والعقوبات الدولية. لذا، يتطلب تعظيم الفائدة تبني سياسات مالية وتجارية غير تقليدية لمعالجة الاختلالات الداخلية واستغلال الآليات غير المباشرة. يُبرز هذا أهمية إنشاء إطار تعاون دولي ينسق السياسات الاقتصادية بين الدول المتقدمة وسوريا، بما يتلاءم مع طبيعة النظام الاقتصادي العالمي الحالي.
المراجع