الجامعــة الوطنيــة الخاصــة
Al-Wataniya Private University

الواحة الأكاديمية للجامعة الوطنية الخاصة

الخوارزميات الوراثية في التصميم الهندسي الأمثلي Genetic algorithms in optimal engineering design ( د. محمد حمزة عرفة )

مسابقة أفضل مقالة علمية

مقالات كلية الهندسة ( مدني )

الملخص

لم تقتصر تطبيقات الخوارزميات الوراثية (GAs) والتي تعتبر من خوارزميات الذكاء الصنعي على مجال المعلوميات، بل تعدته إلى مجال التصميم الهندسي الأمثلي، لذا سنستعرض في هذه المقالة المبادئ الأساسية في التصميم الأمثلي، ومن ثم أهم الطرق المتبعة، كما سنتطرق إلى التعريف بمبادئ الطريقة الوراثية، وأهم التحديات والتوجهات في مجال التصميم الإنشائي الأمثلي.

الكلمات المفتاحية: التصميم الأمثلي-الخوارزميات الوراثيةالتصميم الإنشائي.

المقدمة

تعتبر مسألة البحث عن الحل الأمثل (optimization) فرع من فروع الرياضيات التطبيقية، ويمكن أن نسميها باللغة العربية الأمثَلة أو الاستمثال، وقد أجريت أبحاث كثيرة أدت إلى دخول طرق البحث عن الحل الأمثل مجال التطبيقات الهندسية على نحو واسع، مما دفع الكثير من الصناعات والقطاعات الهندسية إلى تبني منهجية التصميم الأمثلي كأداة فعالة في العملية التصميمية. هذا وقد تضمنت برمجيات التصميم بمساعدة الحاسب (computer aided design) خيارات مخصصة لهذه الغاية، اعتمدت الأسلوب التفاعلي والإظهار البياني (graphic display)  لتسهيل استثمارها في العملية التصميمية الهندسية، وقد أفادت بشكل كبير من تطور البنى الصلبة للحواسيب وزيادة سرعتها والانتشار الواسع لها. وقد أصبحت هذه البرمجيات تقدم مساعدة ملموسة في العملية التصميمية الإبداعية، وذلك سواءً في مرحلة التصميم المفاهيمي (conceptual design) أو مرحلة التصميم التفصيلي (detail design)، مما جعلها تعتمد كأداة منهجية في التصميم الهندسي. وهنا نود أن نشير إلى أن اتخاذ القرار في التصميم الهندسي ذو شقين: الأول هندسي أو تقني، والثاني اقتصادي، فالاعتبارات الاقتصادية لها أثر ملموس على تصميم النظم الهندسية.

صياغة مسألة التصميم الأمثلي

يعرض [1] المفاهيم المفتاحية لموضوع التصميم الأمثلي، فهو يبين مفاهيم التصميم الأمثلي وإجرائياته بشكل عام، والتي يمكن أن تطبق في أي مجال هندسي، كما يعرض عدداً من الأمثِلة النموذجية بدءاً من الصياغة ووصولاً إلى الحل وإيجاد التصميم الأمثلي، هذا ويمكن أن نلخص أن مسالة التصميم الأمثلي تعتمد بشكل عام في صياغتها على:

  • المتحولات التصميمية (design variables) التي يحددها المصمّم ويعطيها قيماً ابتدائية، والتي يرغب بتعيين قيمها الأمثلية من خلال عملية البحث عن التصميم الأمثل.
  • تابع الكلفة أو الهدف (objective or cost function) وهو عبارة عن معيار تقويمي يعبر عن الأداء وكفاءة التصميم ويسمح بتحديد مدى التحسين في التصميم، حيث يتم البحث عن قيم المتحولات التصميمية التي يأخذ من أجلها تابع الكلفة نهاياته الحدية العظمى أو الصغرى وذلك حسب طبيعة المسألة المطروحة، والتي غالباً مايكون البحث فيها عن نهايته الحدية الصغرى، وتكون قيم المتحولات التصميمية التي تحقق ذلك، والتي تم الحصول عليها بنتيجة البحث هي القيم الأمثلية المنشودة.
  • توابع القيود التي تسمح بوضع عددٍ من الشروط الواجب تحققها في التصميم، وقد يكون منها ما يميّز بين التصاميم القابلة للتنفيذ وغير القابلة للتنفيذ.

طرق التصميم الهندسي الأمثلي

يركّز [2] على مسألة التصميم الإنشائي الأمثلي (structural optimization) من حيث الصياغة وإجرائيات الحل وبعض التطبيقات، والتي يُهدف فيها على سبيل المثال إلى الحصول على تصميم إنشائي تكون فيه الإجهادات أقل من عتبة معينة وذلك من أجل وزن أمثلي أصغري، وقد ساعد تطور طريقة التحليل الإنشائي العددي المعروفة بطريقة العناصر المنتهية [3] (finite element analysis) على تطور التصميم الإنشائي الأمثلي، فعملية التصميم تتبعها عملية تحليل لتقييم التصميم، لذا أصبحت برمجيات التصميم بمساعدة الحاسب تتيح التكامل بينهما، هذا ولا يخفى على أحد كم هي متنوعة التطبيقات الهندسية التي تحتاج إلى تصميم إنشائي أمثلي، فنجدها في مجال الهندسة المدنية والطيران والفضاء والسيارات والآلات إلخ، هذا وتصنف مسائل التصميم الإنشائي الأمثلي ضمن ثلاثة أنواع: فهي إما مسألة تحديد الأبعاد الأمثلية للعناصر الإنشائية (optimal sizing)، أو مسألة تحديد الشكل الأمثلي (optimal shape) لها، أو أمثلة بنيوية (topology optimization) تحدد التوزيع الأمثلي للعناصر الإنشائية، والتي تطورت مؤخراً [4] فأصبحت تعنى بالتوزيع الأمثلي للمادة ضمن حيز معين دون الحاجة إلى تحديد المتحولات التصميمية، مما سمح بالحصول على تصاميم إبداعية تتميز بخفة الوزن والأداء العالي، والتي من الصعب الحصول عليها بالأفكار التقليدية.

هذا وقد ظهرت في الآونة الأخيرة أيضاً طرقٌ أخرى في التصميم الأمثلي لاتحتاج إلى تحديد المتحولات التصميمية كالتصميم التوليدي [5] (generative design) والتصميم التوليدي العميق (deep generative design) [6&7] الذي يتكامل مع الطرق الآنفة الذكر، ويستخدم التعلم العميق، و هي عبارة عن شبكات عصبونية صنعية (artificial neural networks) متعددة الطبقات، وتعتبر الطريقتان الأخيرتان شكلاً من أشكال الأمثلة البنيوية، إلا أنه يشار إليهما بشكل مستقل باعتبار أنه لكل من هذه الطرق خوارزمياته الخاصة، التي تعتمد كلياً أو جزئياً على الذكاء الصنعي، وقد أسهمت هذه الطرق الحديثة في الوصول إلى تصاميم غير مطروقة سابقاً في المظهر أو الأداء، وتحاكي إلى حد كبير تصاميم موجودة في الطبيعة، فبعض خوارزمياتها استلهمت فكرة النمو الذي يحدث في الكائنات الحية، وبعضها استلهم فكرة الارتقاء (evolution) كالخوارزميات الوراثية، وتجدر الإشارة إلى أن تطبيق هذه التقنيات لم يقتصر على المجالات الهندسية فحسب، بل تعداه ايضاً إلى مجالات أخرى، فبالإضافة إلى التصميم العمراني والإنشائي وتصميم المنتجات والتصميم الهندسي بشكل عام، نجدها أيضاً في تصميم الأقمشة والمفروشات والأزياء، كما أن ظهور وتطور الطباعة ثلاثية الأبعاد أو مايعرف بالتصنيع بالإضافة (3D printing) قد مكّن من تنفيذ هذه التصاميم، التي يصعب غالباً تنفيذها بطرق التصنيع أو البناء التقليدية.

أهم الخوارزميات المتبعة في إيجاد الحل الأمثل

تقسم طرق البحث عن الحل الأمثل بشكل عام من وجهة نظر رياضية إلى طرق معتمدة على التدرج وطرق غير معتمدة على التدرج، كما أنه في أغلب المسائل العملية تكون هناك نهايات حدية متعددة، وهنا عند استخدام طرق التصميم الأمثلي التي تحتاج إلى تحديد متحولات التصميم، لابد من اللجوء إلى تغيير القيم الابتدائية لمتحولات التصميم، وإعادة تنفيذ خوارزمية البحث عن الحل الأمثل، وذلك لأن هذه الخوارزميات لاتستطيع أن تميز بين نهاية حدية محلية أو كلية، وبهذه الطريقة يمكن إيجاد أكبر عدد ممكن من هذه النهايات الحدية والتي تعتبر تصاميم محسنة، ومن ثم اختيار أفضلها، أملاً في الوصول إلى النهاية الحدية الكلية إن كانت موجودة، وفي مثل هذه الحالات تعتبر الخوارزميات الوراثية، التي تمتاز بأنها لا تحتاج إلى حساب التدرج، فعالة جداً في الوصول إلى عدة نهايات حدية في آن واحد، يمكن أن تكون محلية، ويمكن أن تكون إحداها كلية في حال وجودها.

كما نود أن نشير إلى أنه يزداد الطلب على مسائل التصميم الأمثلي ذوات المعايير المتعددة، فمثلاً نرغب أن يحقق التصميم الإنشائي مقاومة وصلابة أعظميين ووزن أصغري في آن واحد، وهذا يعني أن التصميم الأمثلي عليه أن يحقق نهايات حدية أو قيماً قريبة منها لعدد من توابع الكلفة في آن واحد، وهنا أيضاً بزغت طرقاً للتصدي لمثل هذه القضية وإيجاد الحلول لها، وهي حلول وسطى (tradeoffs) تسمى باسم جبهة باريتوPareto front  نسبة إلى العالم Pareto الذي وضع معياراً للحكم على الحلول واعتبارها أمثلية إذا حققت معياره، وبالتالي فهي تنتمي لجبهة باريتو.

الخوارزميات الوراثية

تعتبر الخوارزميات الوراثية من خوارزميات الارتقاء (evolutionary algorithms)، وهي خوارزميات تستخدم البحث العشوائي الموجه (guided random search)، فهي تستخدم الاحتمالات في البحث عن الحلول، وهي خوارزميات حسابية عالية التفرع، تتمثل بمجموعة خوارزميات [8] تهدف إلى إيجاد الحل الأمثل اعتماداً على أفكار ومقاربات مستوحاة من الارتقاء في علم الأحياء، كما أنه غالباً مايتم استخدامها بشكل هجين مع خوارزميات أخرى للوصول إلى نتائج أفضل، حيث يمكن أن نلخص مبدأ الخوارزميات الوراثية بما يلي:

  • تعتمد على مبدأ وجود مجتمع (population) من الأفراد (Individuals) حيث يمثّل كل فرد حلاً من حلول المسألة، ويتم ترميز (encoding) كل حل بصبغي (chromosome).
  • يتم خلال عمل الخوارزمية تطوير هذا المجتمع بإنتاج أفراد “أفضل” والتخلص من الأفراد “الأسوأ” وذلك باستخدام إجرائيات الارتقاء: الطفرة (Mutation)-التصالب (Crossover)-الاصطفاء والانتقاء (Selection)- الاستنساخ (Reproduction). وتعتبر هذه الخوارزميات مفيدة وفعالة في الكثير من مسائل البحث المعقدة في الأنظمة التي تعتمد توابعاً غير قابلة للاشتقاق أو متقطعة (Discrete)، أو توابعاً متعددة النهايات الحدية.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن مسألة معالجة القيود في الخوارزمية الوراثية تعتبر من القضايا التي أجريت ومازالت تجرى فيها أبحاث كثيرة [9].

التحديات والتوجهات الحديثة في التصميم الإنشائي الأمثلي

بالرغم من التقدم الكبير الحاصل في هذا المجال، فمازالت هناك تحديات كبيرة تتلخص بالسعي لتطوير خوارزميات أكثر فاعلية للوصول إلى التصميم الأمثلي البنيوي في المسائل المعقدة بزمن مقبول نسبياً، حيث تعاني الخوارزميات الحالية من زمن الحوسبة المرتفع، كما أن هناك حاجة متزايدة لتطوير هذه الخوارزميات للتعامل مع أهداف متعددة. أما بالنسبة للتصميم التوليدي فالبحوث تسعى لإيجاد واستخدام خوارزميات يمكنها أن تتعامل مع عدد من القيود التصميمية المعقدة للحيلولة دون الوصول إلى حلول غير مهمة، وهذا ممكن باستخدام خوارزميات الذكاء الصنعي كالتعلم العميق (deep learning) وتعزيز التعلم (reinforcement learning) وخوارزميات الارتقاء (evolutionary algorithms).

هذا وتجدر الإشارة إلى توجه الكثير من البحوث [10] نحو سبر التصميم الإنشائي الأمثلي المعتمد على:

  • البنى الإنشائية التراتبية (hierarchical structures)، وهي عبارة عن بنى إنشائية منظمة في عدة مستوَيات، وكل مستوى مؤلف من بنى إنشائية مماثلة وأصغر حجماً،
  • أو البنى القشرية ذات الجدران الرقيقة والمدعمةstructures) (stiffened thin-wall،

أو البنى الشبكية (lattice structures)، حيث تعرف الشبكة بأنها صف من الخلايا المتصلة مع بعضها البعض، وكل خلية مؤلفة من عدد من العناصر الإنشائية الخطية، وتجمع هذه البنى بين الجمال العمراني والصلابة والمقاومة المرتفعة والوزن الخفيف نسبياً.

المراجع : 

[1] J. S. Arora, “Introduction to optimum design”, McGraw-Hill, Inc., 1989, ISBN 0-07-002460-X.

[2] R. T. Haftka, Z. Gürdal, ” Elements of structural optimization”, Kluwer Academic Publishers, 1993, ISBN 0-7923-15055-7.

[3] C. O. Zienkiewicz, K. Morgan, “Finite elements and approximation”, Dover, 2006, ISBN-13: 970-0-486-45301-9.

[4] J. Coulthard, C. J. Wang, ‘Generative design and topology optimization of products for additive manufacturing’, IOS Press, 2022, doi: 10.3233/ATDE220570.

[5] D. Vlah, R. Z. Zavbi and N. Vukasinovic, ‘Evaluation of topology optimization and generative design tools as support for conceptual design’, International design conference-design 2020, doi: 10.1017/dsd.2020.165.

[6] L. Regenwetter, A. H. Nobari, F. Ahmad, “Deep generative models in engineering design: A review”, ASME,2022.

[7] O. Sangeun, J. Yongsu, K. Seongsin, L. Ikjin, K. Namwoo, ‘Deep generative design: Integration of topology optimization and generative models’, Journal of mechanical design, July 2019, doi: 10.1115/1.4044229.

[8] D. E. Goldberg, “Genetic algorithms in search, optimization & machine Learning”, Addison-Wesley Publishing Company, Inc., 1989, ISBN 0-201-15766-5.

[9] C. Alfonso, C. Lemonge, H. Barbosa, H. Bernardio, “Variants of an adaptive penalty scheme for stead-state genetic algorithms in engineering optimization”, 2015, doi: 10.1108/EC-07-2014-0158.

[10] J. Zhu, H. Zhou, C. Wang, L. Zhou, Y. Shangquin, W. Zhang, “A review of topology optimization for additive manufacturing: Status and challenges”, Chinese journal of aeronautics, 2021,34(1):91-110

[IT_EPOLL_VOTING id="1257"][/IT_EPOLL_VOTING]

تنفيذ إدارة المواقع الالكترونية في الجامعة الوطنية الخاصة 2023

Scroll to Top