تعد الطباعة ثلاثية الأبعاد (3D Printing) ثورة تقنية حديثة أحدثت تحولاً جذرياً في عمليات التصنيع من حيث التكلفة وتقليل النفايات، ورغم تنوع تطبيقاتها اكتسب استخدام هذه التقنية في قطاع البناء والإنشاءات أهمية بالغة حيث ينظر إليها كحل مستقبلي لتشييد الهياكل المعمارية بسرعة وكفاءة عالية. سوف نستعرض في هذه المقالة مفهوم الطباعة الخرسانية ثلاثية الأبعاد (3DCP) وتفحص المعايير الهامة التي تؤثر على جودة المنتج النهائي، مثل سلوك المواد وقابليتها للبثق والبناء، بالإضافة إلى تسليط الضوء على التحديات والآفاق العالمية لهذه التقنية.
الكلمات المفتاحية:
الخرسانة، الطباعة ثلاثية الأبعاد، عمليات التصنيع، قابلية البثق.
يُمثل البناء والتشييد أحد أكثر القطاعات استهلاكاً للموارد وتوليداً للنفايات على مستوى العالم ومع التطور السريع في التقنيات الرقمية، ظهرت الطباعة ثلاثية الأبعاد (3D Printing) الشكل (1) والمعروفة باسم التصنيع المضاف كقوة لإحداث ثورة في هذا القطاع الحيوي. لم تعد هذه الطباعة مجرد أداة لتصنيع نماذج أولية بل تحولت إلى منهجية متكاملة بدءاً من التصميم المعماري وصولاً إلى التنفيذ الهيكلي الفعلي. تقوم هذه التقنية على مبدأ بناء الأجسام طبقة تلو الأخرى، مما يتيح إنشاء هياكل ذات أشكال غير تقليدية بأقل قدر ممكن من الهدر وأقصى قدر من الكفاءة.

الشكل (1) الطباعة الثلاثية الأبعاد
هي تقنية بناء حديثة تستخدم الطابعات ثلاثية الأبعاد لبناء المنشآت عن طريق ترسيب طبقات متتالية من الخرسانة أو مواد اسمنتية خاصة بشكل آلي ومبرمج كما في الشكل (2).

الشكل (2) توضع طبقات الخرسانة باستخدام 3DPrinting
لقد كان المسار التاريخي لهذه التقنية دافعاً أساسياً لتطورها في مجال الإنشاءات. ففي عام 1984، أسس تشارلز هل المفهوم الحديث للطباعة ثلاثية الأبعاد (كما هو موضح في النص المرفق)، لكن نقل هذه الثورة إلى نطاق الأبنية الضخمة بدأ فعلياً في مطلع الألفية الجديدة، حيث كشف باحثون في جامعة جنوب كاليفورنيا عام 2006 عن أول طابعة ضخمة مصممة لطباعة المباني في موقعها. وقد تكللت هذه الجهود بطباعة أول منزل كامل في ألمانيا عام 2014، مؤذنة ببدء مرحلة التطبيق التجاري والانتشار عالمياً. خلال العقد الماضي، شهدت هذه التكنولوجيا تطوراً هائلاً، مدعومة بالبحث العلمي وتوجهات الدول في أوروبا وأمريكا لدعم الأبحاث المتعلقة بالمواد والآلات. وتتناول هذه المقالة بالتحليل تفاصيل هذه التقنية، بدءاً من مكونات الخلطات الخرسانية المتخصصة المستخدمة فيها، مروراً بالتحديات الهيكلية والإنشائية، وصولاً إلى آفاقها المستقبلية في معالجة أزمات الإسكان وتحقيق التنمية المستدامة.
تختلف خلطات الخرسانة المستخدمة في طباعة ثلاثية الأبعاد عن الخرسانة التقليدية وهي أقرب الى الملاط لضمان قابلية البثق عبر الفوهة.
تتكون الخرسانة المخصصة للطباعة من المواد الرابطة: الاسمنت (بورتلاندي عادة) والمواد الاسمنتية التكميلية (السيليكا، رماد متطاير…) والركام الناعم: الرمل ذو حبيبات أقل من (2mm)، إضافة للماء لتكوين عجينة قابلة للتشغيل. وقد يتم وضع إضافات كيميائية ومعدنية عند الضرورة كالألياف (ألياف البولي بروبيلين) والملدنات الفائقة.
أثناء الطباعة ثلاثية الأبعاد لأيا عنصر في المبنى يجب أخذ عينات من الخرسانة المستخدمة في طباعة هذا العنصر بما لا يقل عن (5) عينات لإختبار مقاومة انضغاطها. ووفق الكود (ASTM C109 ) يجب ألا يقل متوسط مقاومتها عن (17MPa) للعينة الاسطوانية وعن (20Mpa) للعينة المكعبية بعد (28) يوم من أخذها.
يجب اختبار ما لا يقل عن (3) عينات لكل خلطة يتم تصميمها بالاعتماد إلى المواصفة القياسية (ASTM C157) ويجب أن يكون متوسط التغيير في القياسات الناجم عن اجهاد الخرسانة لجميع عينات خرسانة طباعة ثلاثية الأبعاد بعد مرور (28) يوماًُ أقل من (0.065%) للخلطات مع الألياف وعن (0.05%) للخلطات التي لا تحتوي ألياف ويقل حجم الركام عن (1.25mm).
يمكن استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد للخرسانة بطرق عديدة في صناعة البناء. يوجد نوعان من الطابعات المستخدم في الصناعة: النوع الأول الطابعة ذات الإطار (Framed printer) هذا النوع من الطابعات لا يتناسب إلا مع المصانع لأنه من الصعب جداً نقل وتجميع هذا النوع من الطابعات كما في الشكل (3-a). والنوع الثاني من الطابعات هو طابعة خرسانية دون إطار (Non-Framed) وهي عبارة عذ ذراع روبوتية مثبتة على مركبة يمكن نقل هذا النوع من الطابعات بسهولة ولا يتطلب أرضية مستوية على عكس الطابعة ذات الإطار، كما في الشكل (3-b) [2].

(a)

(b)
الشكل (3) أنواع الطابعات الخرسانية ثلاثية الأبعاد
تتكون خطوات طباعة جسم ثلاثي الأبعاد باستخدام الخرسانة من ثلاث مراحل: إعداد البيانات، وإعداد خليط الخرسانة، وطباعة العنصر المطلوب. في مرحلة إعداد البيانات يتم إنشاء النموذج المكاني للعنصر المراد طباعته بمساعدة الحاسبوب. ثم يتم تقطيع الجسم الى طبقات باستخدام أحد برامج التقطيع (Slicing softwares)، ثم يقوم البرنامج بإنشاء خطة للطابعة ثلاثية الأبعاد للخرسانة بأسلوب طبقة تلو الأخرى كما في الشكل (4). أما مرحلة التالية هي إعداد خليط الخرسانة وإدارة تغذية الطابعة ثلاثية الأبعاد (يتم تحضير الخليط آلياً ويتدفق إلى الطابعة بشكل مستمر).

الشكل (4) يوضح عملية الطباعة ثلاثية الأبعاد للخرسانة
وفي مرحلة طباعة الجسم يتم ضغط خليط الخرسانة للخروج من الطابعة عبر الفوهة ويتم وضعه في طبقات وذلك في مسار محدد مسبقاً تمت برمجته بواسطة المستخدم على الطابعة ثلاثية الأبعاد. تلعب قابلية تشغيل الخرسانة (Workability) دوراً حيوياً في هذه المرحلة من الطباعة وهي المسؤولة عن جانبي البثق وقابلية البناء للخرسانة.
تتأثر عملية الطباعة بعدد كبير من المعايير. المعايير الرئيسية الثلاث هي: التصميم بمساعدة الحاسوب، وعملية الطباعة وسلوك المادة [3].

الشكل (5) عملية نمذجة العنصر للطباعة ثلاثية الأبعاد
تخضع عملية الطباعة لعدد كبير من المعايير وهي: سرعة الطباعة، ومعدل البثق، وأبعاد الفوهة، ومسار الطباعة، وارتفاع الفتيل، وارتفاع الطباعة. وترتبط جودة المنتج النهائي الناتج عن عملية الطباعة الخرسانية ارتباطاً قوياً بالتحكم الفعال قي هذه المعايير.
يؤثر سلوك المادة في حالتها (Fresh state) للخرسانة القابلة للطباعة على قابلية بثقها، وقابلية بنائها، وقابلية ضخها، وصلابتها وقوتها [4].
تواجه الطباعة الخرسانية وغيرها من عمليات التصنيع عدداً كبيراً من التحديات التي يجب التغلب عليها ويشمل ذلك دقة توصيل المواد، إضافة الى التحكم وقياس انتقال مراحل المادة بدءاً من حالتها السائلة الى حالة التصلب. كما أن دمج الفولاذ والتقوية بالألياف مسألة تتطلب الاهتمام، ولم يتم تطوير متطلبات ومعايير وإجراءات اختبار موحدة بعد التحقق من الاستخدام الأمن والمستدام للطباعة الخرسانية كطريقة بناء وغيرها من التحديات. كما تحتاج الخصائص الرئيسية التالية للخرسانة إلى تحسين من أجل الطباعة الناجحة لهياكل خرسانية ثلاثية الأبعاد:

يبين الشكل (6) عدد من التطبيقات للطباعة ثلاثية الأبعاد في المجالات المختلفة:

الشكل (6) تطبيقات الطباعة ثلاثية الأبعاد في المجالات المختلفة
الإمارات العربية المتحدة: تعتبر أول دولة عربية تتبنى هذه التقنية، أعلنت دبي التي تضم أول مكتب مطبوع ثلاثي الأبعاد في العالم وعن خطط طموحة لطباعة (25%) من مباني المباني بحلول عام 2030. وفي عام 2015 أعلن عن أول مبنى مكتبي يُطبع بهذه التقنية، وتم مؤخراً إكمال بناء أول بيت بطابقين كما في الشكل (7). وفي عام 2016 أعلنت الإمارات عن مخططات لإنشاء مختبرات بتقنية الطباعة ثلاثة الأبعاد في مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية. كما تخطط المملكة العربية السعودية لطباعة (1.5) مليون منزل في السنوات المقبلة وذلك لحل أزمة الإسكان بطريقة مبتكرة ومستدامة. أما جمهورية مصر العربية فقد اتخذت قراراً في استخدام هذه التقنية مع التركيز على وضع إطار مؤسسي وتنظيمي.

الشكل (7) أول منزل بطابقين في دبي باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد
المراجع:
7-بلدية دبي. (2024). دليل الطباعة ثلاثية الأبعاد (الإصدار الأول). دبي، الإمارات العربية المتحدة: بلدية دبي.

كلية الهندسة المدنية - الجامعة الوطنية الخاصة