الاقتصاد السوري 2035: اقتصاد ناشئ من رماد الحرب إلى البوابة الإقليمية.
كلية العلوم الإدارية و المالية - الجامعة الوطنية الخاصة
قبل عام 1970، كان الاقتصاد السوري قائماً على الزراعة والتجارة، مستفيداً من موقعه الجغرافي والعلاقات التجارية القوية، مما جعله جزءاً من السوق العالمية. كان القطاع الخاص نشطاً، مما ساهم في استقرار النمو الاقتصادي، بعد عام 1970، تبنت سوريا سياسات اقتصادية مركزية أدت إلى تأميم الشركات، مما أثر على الإنتاجية رغم المكاسب في قطاعات مثل النفط. لاحقاً، واجه الاقتصاد تحديات كالعقوبات والاضطرابات السياسية التي أثرت على النمو والبنية التحتية.
اليوم وبعد التحرر من النظام البائد، تسعى سوريا لإعادة بناء اقتصادها عبر إصلاحات هيكلية، تشجيع الاستثمار، وتحفيز الابتكار، بما في ذلك تطبيق الذكاء الاصطناعي لتعزيز التنافسية والإنتاجية.
يتمتع الاقتصاد السوري بموقع جغرافي استثنائي يربط بين ثلاث قارات: آسيا، إفريقيا، وأوروبا، ما يمنحه ميزة تنافسية غير قابلة للتجاهل. ومن الخطأ أن يُنظر إلى حجم السوق السورية على أساس عدد السكان، أو المساحة الجغرافية أعتقد هذا النهج يُغفل البعد الحقيقي لقيمة السوق السورية. فالمقياس الأكثر دقة هو إمكاناتها كمنصة مركزية للتجارة والاستثمار، إذ تمثل سوريا نقطة عبور رئيسية لسلاسل التوريد الإقليمية والدولية.
لا يمكن اختزال الاقتصاد السوري إلى كونه سوقاً استهلاكية محلية، بل إنه يشكل بوابة رئيسية للاستثمارات الإقليمية، خصوصاً في قطاع الخدمات اللوجستية. مع تطوير البنية التحتية للنقل البري والبحري والجوي، تستطيع سوريا التحول إلى مركز رئيسي للخدمات اللوجستية، مما يعزز مكانتها كحلقة وصل تجارية بين الأسواق الناشئة والاقتصادات الكبرى.
أتوقع أن يتضاعف عدد السكان المقيمين في سوريا ليصل إلى 45 مليون نسمة خلال العقد القادم بسبب عودة المهجرين والمسافرين السوريين، وتدفق الأيدي العاملة الأجنبية مع زيادة الاستثمارات في سورية. القطاعات التي ستشهد نمواً سريعاً تشمل الصناعات التحويلية، الخدمات المالية، والتكنولوجيا، قطاع السياحة، ما يستوجب وضع سياسات اقتصادية مرنة لاستيعاب هذه التغيرات.
العام | التعداد المتوقع (مليون نسمة) | العوامل المؤثرة |
2025 | 25 | الأساس الحالي |
2035 | 45 | عودة السوريين + تدفق عمالة وافدة |
وبعد ١٤ عاماً من الصراع، يعيش ٩٠٪ من السوريين يعيشون في فقر، وفقد الاقتصاد ٢٤ عاماً من التنمية البشرية، لا بد مع عودة النازحين إنشاء شبكات أو مراكز حماية اجتماعية لمعالجة مخلفات الصراع والنزوح والفقر والحرب وتهيئة أبناء المجتمع للتعايش والبناء، وهو ما قد يستغرق عقداً من الزمن قبل تحقيق رأس مال فكري حضاري.
مع هذه التحولات المرتقبة، تواجه الشركات السورية مجموعة من التحديات أبرزها:
الجدول رقم (2) تنويع الهيكل الاقتصادي
القطاع | النمو المتوقع بحلول 2035 | المحركات الرئيسية |
الخدمات المالية | 15% من الناتج المحلي | التوسع في التكنولوجيا المالية والتمويل الإسلامي |
الصناعات التحويلية | 30% من الصادرات | صناعات الأدوية والتكنولوجيا متوسطة التكلفة |
السياحة | 10% من الناتج المحلي | إعادة إعمار مواقع أثرية (مثل تدمر وقلعة الحصن) |
في المقابل، هناك فرص واعدة، حيث يمكن للشركات السورية تحقيق ميزة تنافسية عبر:
جدول رقم (3) تحويل التحديات إلى فرص
التحدي | الحل الاستراتيجي | الأثر المتوقع |
ضعف البنية التحتية | شراكة القطاع العام-الخاص (PPP) | جذب $20 مليار استثمارات بحلول 2030 |
الاعتماد على النفط | تحويل الطاقة لمصادر متجددة | تخفيض فاتورة الطاقة 30% |
الاقتصاد السوري يشهد مرحلة إعادة هيكلة تعكس توجهًا نحو انفتاح أكبر على الاستثمارات الإقليمية والدولية. هذه المرحلة تتطلب من الشركات تبني سياسات أكثر ديناميكية في عدد من المجالات، أبرزها:
تبني الشركات السورية لرؤية اقتصادية مرنة يتطلب التركيز على عدد من المحاور:
لضمان نجاح التحولات الاقتصادية في سوريا، تحتاج الشركات إلى اعتماد سياسات واستراتيجيات واضحة، مثل:
الرؤية الاقتصادية المرنة ليست مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية لضمان استدامة الاقتصاد السوري وتعزيز مكانته عالميًا. إذا تمكنت الشركات السورية من تبني هذه المنهجية، فستكون قادرة على اغتنام الفرص الاستثمارية وتحقيق التنافسية، مما يسهم في بناء اقتصاد قوي ومستدام يدعم الاستقرار والتنمية على المدى الطويل. الشركات الناشئة في سوريا تواجه بيئة مليئة بالتحديات، لكن بإمكانها تحقيق النجاح إذا تبنت استراتيجيات ذكية ومرنة.
إذا استمرت عملية إعادة تأهيل الاقتصاد السوري ضمن استراتيجيات واضحة، فإن السوق السورية مرشحة لتكون واحدة من أكبر الأسواق الإقليمية بحلول عام 2035. يمكن تحقيق ذلك عبر:
– تعزيز دور سوريا كمركز لوجستي متكامل.
– توسيع قاعدة الخدمات الحديثة مثل التكنولوجيا المالية والتعليم الذكي.
– بناء نموذج اقتصادي يستند إلى الاستدامة والتكامل الإقليمي.
في ظل هذه التحولات، تحتاج الشركات السورية إلى تبني رؤية اقتصادية مرنة تستوعب فرص النمو والاستثمارات المستقبلية، مما يضمن استدامة الاقتصاد الوطني وتعزيز مكانته على الخريطة الاقتصادية العالمية.
المحور الأول: التحول إلى مركز لوجستي إقليمي:
المحور الثاني: الديناميكيات السكانية وآثارها الهيكلية:
التقديرات بارتفاع عدد السكان من 25 مليوناً إلى 45 مليوناً خلال عقد ليست نتاجاً طبيعياً للنمو الديموغرافي، بل عامل متأثر بالاستثمار. وبسبب احتمالية تدفق العمالة الوافدة لسد فجوة المهارات في القطاعات التوسعية.
المحور الثالث: تنويع الهيكل الاقتصادي:
1- صعود قطاع الخدمات: من المحتمل أن تتجول سوريا إلى أكبر سوق خدمات في المنطقة بحلول 2035، مدفوعاً بـ:
2- تآزر القطاعات (Sectoral Synergies): يُعَد تطوير الخدمات اللوجستية حافزاً مضاعفاً (Multiplier Effect) للقطاعات الأخرى:
المحور الرابع: أهمية الانفتاح السوري البراغماتي على التعاون الإقليمي والدولي
نجاح سوريا كمركز إقليمي مرهون ببناء شبكة اتفاقيات تجارية تفضيلية مع: دول مجلس التعاون الخليجي (أسواق رأس المال) والاتحاد الأوروبي (نقل التكنولوجيا) والدول الأفريقية (الوصول إلى الأسواق الناشئة). هذه الشراكات ستُعزز الرسملة السوقية وتدعم التكامل الاقتصادي الإقليمي. لذلك بات الانفتاح الجاد والبراغماتي على التعاون الإقليمي والدولي ضرورة ملحّة لتعزيز التنمية المستدامة، وتفعيل فرص الاستثمار الأجنبي في القطاعات الاستراتيجية. لم يعد الانفتاح الاقتصادي خياراً، بل أصبح ركيزة أساسية لدفع عجلة النمو، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي عبر استقطاب رؤوس الأموال والتقنيات الحديثة، والاستفادة من الموقع الجغرافي المتميز الذي يجعل سوريا نقطة وصل بين الأسواق الإقليمية والدولية.
الجدول رقم (4) خارطة الطريق للاقتصاد السوري حتى 2035
الفترة الزمنية | المرحلة | الإجراءات الرئيسية | المؤشرات المستهدفة |
2025-2028 | إعادة الإعمار الأساسي | 1- إصلاح شبكات الطرق الرئيسية 2- إنشاء مناطق صناعية متخصصة | إصلاح 50% من شبكات الطرق وإنشاء 3 مناطق صناعية (دمشق وحلب) |
2029– 2032 | التحول الرقمي | 1- ربط الشركات بمنصات التجارة الإلكترونية 2- تحديث الخدمات الجمركية | ربط 80% من الشركات الكبرى بالتجارة الإلكترونية وتطبيق تقنية البلوك تشين في التبادلات التجارية. |
2033– 2035 | التكامل الإقليمي | 1- تعزيز دور سوريا في سلاسل التوريد 2- تنمية الناتج المحلي الإجمالي | تمثيل 15% من تجارة الشرق الأوسط ورفع الناتج المحلي إلى 200 مليار دولار (مقابل 6 مليار في 2023) |
فإن تبنّي نهج اقتصادي حر ومرن يعزز من دور سوريا كوجهة استثمارية واعدة، حيث يوفر الموقع الجغرافي والموانئ البحرية فرصاً استراتيجية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية، ويضع البلاد على مسار الانتعاش الاقتصادي عبر شراكات قائمة على المصالح المشتركة والتخطيط بعيد المدى.
يمثّل تحويل الإمكانيات الاستراتيجية للاقتصاد السوري إلى واقع ملموس تحديًا مركزيًا يتطلب توافر ثلاثة أركان حاسمة: حوكمة اقتصادية رشيدة تعتمد الشفافية والكفاءة، وبيئة استثمارية تنافسية تجذب رؤوس الأموال عبر حوافز ضريبية وإجرائية استثنائية، واستقرار مؤسسي يُرسي ثقة المستثمرين عبر أطر قانونية مستقلة. تحقيق هذه الشروط سيرسّخ سوريا كـ “اقتصاد بوابة” بحلول 2035، ليس فقط عبر تعزيز موقعها كحلقة وصل لوجستية بين القارات، بل أيضًا عبر إطلاق تأثير مضاعف يتجاوز حدودها الإقليمية؛ حيث ستصبح محركًا للتكامل التجاري بين أسواق آسيا وإفريقيا وأوروبا، وتُسهم في مضاعفة التبادل التجاري الإقليمي بنسبة 30%، وجذب استثمارات نوعية تتجاوز 50 مليار دولار في قطاعات الطاقة والخدمات اللوجستية. النجاح في هذه الرهان لا يعتمد على الموقع الجغرافي أو الموارد الطبيعية فحسب، بل على قدرة النظام الاقتصادي السوري على التحول إلى منصة إقليمية آمنة ومرنة، قادرة على تحويل التحديات إلى نقاط قوة تدعم النمو المستدام وتعيد رسم دور سوريا كرافد حيوي لاقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.