ملخص
مع النمو الهائل للتكنولوجيا الرقمية والانترنت، شهد العالم انفجاراً غير مسبوق في حجم البيانات وتنوعها وسرعتها والتي يتم إنشاؤها يومياً. فأصبحت البيانات تنتج من مصادر متعددة وبكميات ضخمة وبأنواع مختلفة. هذا الكم الهائل والمتنوع من البيانات والذي يشكل ظاهرة “البيانات الضخمة” يعتبر فرصة لإحداث نقلة نوعية في جميع المجالات إذا ما تم تحليله واستخدامه بصورة مثالية. فهذه البيانات تحتوي على معلومات قيّمة يمكن استخدامها لاستخلاص رؤى مستقبلية واتخاذ قرارات صحيحة في مجال التقدم والتطوير.
كلمات مفتاحية: البيانات الضخمة، علم البيانات، التطور الرقمي.
مقدمـــــــة
يشير مصطلح البيانات الضخمة (Big Data) إلى الكم الهائل من البيانات المنظمة وغير المنظمة التي تعتبر ضخمة ومعقدة للغاية. يتم جمع هذه البيانات من مصادر متعددة ومتنوعة، بما في ذلك منصات الوسائط الاجتماعية والمعاملات عبر الإنترنت وأجهزة الاستشعار والأجهزة المحمولة وغيرها. تشمل هذه البيانات مجموعة واسعة من المعلومات مثل المستندات النصية والصور ومقاطع الفيديو ومنشورات الوسائط الاجتماعية وغيرها الكثير. إن هذا التطور في البيانات رافقه تطور في الأدوات والتقنيات المستخدمة لمعالجة البيانات الضخمة. إذ تم تطوير أنظمة تخزين ذات سعة كبيرة قادرة على استيعاب هذه البيانات الهائلة وإدارتها بكفاءة. بالإضافة إلى ذلك، تم تطوير تقنيات متقدمة لمعالجة هذه البيانات وتحليلها بسرعة وفعالية. تتضمن هذه التقنيات تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي والتنقيب في البيانات وغيرها. تتمتع البيانات الضخمة بالقدرة على إحداث ثورة في الصناعات والمجتمع ككل. فهي تتيح للمؤسسات الحصول على رؤى قيمة، واتخاذ قرارات مستنيرة. ومن خلال القدرة على تحليل مجموعات كبيرة من البيانات، يمكن تحديد الأنماط والاتجاهات والارتباطات، ما يكشف عن المعلومات المخفية التي كان من المستحيل كشفها في السابق. يمكن استخدام هذه المعلومات لأغراض مختلفة كتحسين العمليات التجارية، وتعزيز تجارب العملاء، وتطوير منتجات وخدمات جديدة. لذلك، فإن البيانات الضخمة تتمتع بالقدرة على إحداث ثورة في الشركات ودفع الابتكار [1].
ظهور البيانات الضخمة
شهد حجم البيانات الضخمة نمواً كبيراً منذ بدايته، ما أدى إلى زيادة هائلة في كمية البيانات التي يتم إنشاؤها وتخزينها في جميع أنحاء العالم. ففي عام 2002، قُدر إجمالي كمية البيانات الرقمية في العالم بحوالي 5 مليار جيجا بايت (5 إكسا بايت). بحلول عام 2007، وصل العالم الرقمي إلى 281 إكسا بايت، وهو ما يعني زيادة بمقدار 56 ضعفاً في 5 سنوات فقط. في عام 2008، تجاوزت كمية البيانات المخزنة لدى مؤسسات العالم سعة التخزين المتاحة لأول مرة. في عام 2012، قُدر أن البشر ينتجون 2.5 كوينتيليون بايت من البيانات يومياً. بحلول عام 2013، وصل حجم العالم الرقمي إلى 4.4 زيتا بايت (4.4 تريليون جيجا بايت)، إذ في هذا العام أنتجت صناعة الرعاية الصحية وحدها 153 إكسا بايت من بيانات الرعاية الصحية، وهو رقم من المتوقع أن ينمو بمعدل 48٪ سنوياً. في عام 2014، تم إنشاء 90% من بيانات العالم في العامين الماضيين فقط. في عام 2015، أنتجت وسائل التواصل الاجتماعي ومستخدمو الإنترنت وفرة من البيانات غير المنظمة، إذ أنتج فيسبوك 4 بيتا بايت من البيانات يومياً. اعتباراً من عام 2021، تشير التقديرات إلى وجود 59 زيتا بايت من البيانات على مستوى العالم. من المتوقع أنه بحلول عام 2025، سيصل مجال البيانات العالمي إلى 163 زيتا بايت [2].
الشكل (1): تطور حجم البيانات
خصائص البيانات الضخمة
تتصف البيانات الضخمة بمجموعة من الخصائص، وهي الآتية:
1- الحجم: تشير البيانات الضخمة إلى كميات هائلة من البيانات التي تم إنشاؤها وجمعها من مصادر مختلفة. يمكن أن يتراوح حجم البيانات من تيرا بايت إلى إكسا بايت وما بعده.
2- السرعة: مع تزايد عدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت، يتم إنتاج البيانات على مدار الثانية.
3- التنوع: يمكن أن تكون البيانات الضخمة بأنواع مختلفة، كالنصوص والصور ومقاطع الفيديو والملفات الصوتية وغيرها [3].
أنواع البيانات الضخمة
يمكن تصنيف البيانات الضخمة إلى ثلاثة أنواع رئيسة، وهي الآتية:
1- البيانات المنظمة (Structured Data): يشير هذا النوع من البيانات إلى معلومات منظمة للغاية وجيدة التنسيق، ويمكن معالجتها وتحليلها بسهولة، وعادةً ما يتواجد في قواعد البيانات العلائقية ذات مخطط محدد جيداً.
2- البيانات غير المنظمة (Unstructured Data): يشير هذا النوع من البيانات إلى المعلومات التي ليس لها بنية محددة مسبقاً، وعادةً ما تكون في شكل خام أو شبه منظم، مثل رسائل البريد الإلكتروني.
3- البيانات شبه المنظمة (Semi-Structured Data): تقع البيانات شبه المنظمة بين البيانات المنظمة وغير المنظمة. تتضمن أمثلة البيانات شبه المنظمة ملفات XML ومستندات JSON ورؤوس البريد الإلكتروني وملفات سجل الويب [4].
مصادر البيانات الضخمة
هناك العديد من مصادر البيانات الضخمة، نذكر منها الآتي:
1- منصات التواصل الاجتماعي: تولد مواقع الويب مثل Facebook وTwitter وInstagram كميات هائلة من البيانات من تفاعلات المستخدم والمشاركات والتعليقات والمشاركات.
2- تطبيقات الهاتف المحمول: تجمع تطبيقات الهاتف المحمول بيانات كبيرة من المستخدمين، بما في ذلك مواقعهم وتفضيلاتهم وأنماط استخدامهم.
3- المؤسسات المالية: تقوم البنوك وشركات بطاقات الائتمان وأسواق الأوراق المالية بتوليد كميات كبيرة من البيانات حول المعاملات وتحديد هوية العملاء وحركات السوق.
4- الوكالات الحكومية: تنتج منظمات مثل مكاتب الإحصاء وإدارات النقل وخدمات الأرصاد الجوية بيانات واسعة النطاق تتعلق بالسكان والبنية التحتية وأنماط الطقس.
5- المؤسسات البحثية: تقوم المؤسسات الأكاديمية ومراكز البحث العلمي بجمع مجموعات ضخمة من البيانات لأغراض مختلفة، بما في ذلك دراسات المناخ وأبحاث علم الوراثة وتجارب العلوم الاجتماعية.
6- تحليلات الويب: تستخدم مواقع الويب أدوات مثل Google Analytics لتتبع نشاط الزائر وأداء الكلمات الرئيسة ومعدلات التحويل، ما يؤدي إلى مجموعات كبيرة من البيانات [4].
الشكل (2): مصادر البيانات الضخمة
فوائد البيانات الضخمة
للبيانات الضخمة تأثير كبير على مختلف الصناعات، إذ قدمت فوائداً عديدة في مجالات عدة، مثل الرعاية الصحية والتمويل والتسويق والنقل. فيمايلي بعض المزايا الرئيسة لاستخدام البيانات الضخمة في هذه المجالات:
1- الرعاية الصحية: تُحدث البيانات الضخمة ثورة في الرعاية الصحية، وذلك من خلال إحداث تحول في رعاية المرضى والوقاية من الأمراض. فمن خلال تحليل كميات هائلة من بيانات المرضى، يمكن اتخاذ قرارات أفضل قائمة على الأدلة.
2- التسويق: تمكن البيانات الضخمة المسوقين من جمع رؤى غير مسبوقة حول سلوك العملاء وتفضيلاتهم. فمن خلال تحليل البيانات الضخمة، يمكن فهم احتياجات العملاء وتحسين التسويق واتخاذ القرارات الاستراتيجية.
3- النقل: من خلال تحليل أنماط حركة المرور وأجهزة الاستشعار وبيانات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، يمكن للبيانات الضخمة تخفيف الازدحام المروري وتحسين أنظمة النقل العام.
4- البحث والابتكار: يستطيع العلماء الآن معالجة كميات هائلة من البيانات من مصادر مختلفة، بما في ذلك التجارب والمحاكاة وأجهزة الاستشعار والملاحظات، ما يؤدي إلى اكتشافات ورؤى جديدة [5].
حوكمة البيانات الضخمة
حوكمة البيانات الضخمة (Big Data Governance) هي عبارة عن عملية إدارة البيانات الضخمة وتنظيمها، والتي تنشأ من مصادر متنوعة. تهدف حوكمة البيانات الضخمة إلى ضمان الجودة والأمان والموثوقية لتلك البيانات، بالإضافة إلى توفير الامتثال للقوانين والتشريعات المتعلقة بالخصوصية والأمان. تشمل حوكمة البيانات الضخمة التعرف إلى مصادر البيانات، ووضع إطار قانوني لحماية البيانات، وتحديد مسؤوليات الأطراف المتعاملة مع البيانات، وضمان الامتثال للمعايير والممارسات الأمنية. يعتبر تحقيق حوكمة البيانات الضخمة مهماً لضمان استخدام البيانات بشكل فعال ومسؤول وتحقيق القيمة المضافة، وذلك من خلال تحليل هذه البيانات للحصول على رؤى قيمة تدعم عمليات صنع القرار في المؤسسات [6].
خلاصة
تكمن أهمية البيانات الضخمة في قدرتها على الكشف عن رؤى وأنماط قيمة يمكن أن تؤدي إلى اتخاذ قرارات مستنيرة. فهي تتيح للشركات اكتساب فهم أعمق لعملائها وتحسين العمليات وتحقيق ميزة تنافسية في عالم اليوم القائم على البيانات. يمكن أن يؤدي تسخير قوة البيانات الضخمة إلى الابتكار والكفاءة وتحسين النتائج عبر مختلف الصناعات.
المراجع
– Rawat, and R. Yadav, (2021), “Big Data: Big Data Analysis, Issues and Challenges and Technologies”, IOP Conf. Series: Materials Science and 1022(1):012014, doi: 10.1088/1757-899X/1022/1/012014.
– Mahmoudian, and et al., (2023), “An Overview of Big Data Concepts, Methods, and Analytics: Challenges, Issues, and Opportunities”, GPECOM2023, doi: 10.1109/GPECOM58364.2023.10175760.
– Arora et al., (2023), “Introduction to Big Data Analytics”, Towards the Integration of IoT, Cloud and Big Data, Vol. 137, pp. 1-18.
– Abdalla, (2022), “A brief survey on big data: technologies, terminologies and data-intensive applications”, Journal of Big Data volume 9, Vol. 9, N. 107, P. 36.
– Jekov er al., (2021) “Benefits and Challenges of Big Data Analysis in Telecom Industry”, TELECOM 2021, doi: 10.1109/TELECOM53156.2021.9659799.
– S. Nadal, P. Jovanovic, B. Bilalli, and O. Romero, (2022) “Operationalizing and automating Data Governance”, Journal of Big Data, Vol. 9, N. 117, doi: 10.1186/s40537-022-00673-5.