الـواحــة الطلابيــة للجـامعــة الوطنيــة الخـاصــة
Student Oasis of Al-Wataniya Private University
الدكتور : إبراهيم الشرعبي
رزان طلال الموسى
في عالم الصناعة الدوائية الحديثة، أصبحت الحاجة إلى تحسين جودة المنتجات الدوائية وضمان استدامتها أمرًا بالغ الأهمية. يمثل مفهوم التصميم القائم على الجودة (QbD) نهجًا علميًا ومنهجيًا لتطوير المنتجات الصيدلانية من مرحلة التصميم وحتى الإنتاج النهائي. تم تطوير وتطبيق هذا المفهوم بناءً على توجيهات المنظمات الدولية مثل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، وكالة الأدوية الأوروبية (EMA)، ومؤتمر الموائمة الدولي. يهدف مفهوم التصميم القائم على الجودة إلى تقليل المخاطر المؤثرة على جودة المنتجات الصيدلانية، وتحسين الكفاءة التشغيلية، وتقليل الحاجة إلى اختبارات الجودة النهائية التقليدية التي كانت تعتمد عليها الصناعة سابقًا.
سنستعرض هنا مفهوم التصميم القائم على الجودة بشكل مفصل، مع التركيز على العناصر الأساسية التي يقوم عليها، ومراحل تطبيقه في الصناعة الدوائية. كما سنقدم أمثلة عملية لتوضيح كيفية تنفيذ هذا المفهوم في سياقات حقيقية وسنناقش إمكانية تطبيقه في الوضع السوري.
يشير مفهوم التصميم القائم على الجودة إلى إطار عمل يعتمد على فهم شامل للعوامل المؤثرة على جودة المنتج النهائي. يتم تحقيق ذلك من خلال تحديد الخصائص الحرجة للمنتج (CQAs)، وتقييم المخاطر المرتبطة بالمواد الخام (CMAs) ومعايير عمليات التصنيع (CPPs)، وإنشاء “مساحة التصميم” (Design Space) التي تضمن تحقيق الجودة المطلوبة. يتم وضع استراتيجية تحكم (Control Strategy) لضمان استدامة الجودة طوال دورة حياة المنتج.
لفهم أهمية هذا المفهوم بشكل أعمق، يجب أن ننظر إلى الأبعاد المختلفة التي يؤثر فيها مفهوم الجودة بالتصميم على الصناعة الدوائية، بما في ذلك تحسين الجودة، تقليل المخاطر، تعزيز الكفاءة التشغيلية، والامتثال التنظيمي.
أحد أهم الأهداف الأساسية لمفهوم التصميم القائم على الجودة هو ضمان جودة المنتج النهائي من خلال تصميم دقيق ومدروس. بدلاً من الاعتماد على الاختبارات النهائية التقليدية التي كانت تعتمد عليها الصناعة سابقًا، يتم في مفهوم التصميم القائم على الجودة تحديد الخصائص الحرجة للمنتج (CQAs) وتحليل العوامل المؤثرة عليها منذ المراحل الأولى من التطوير. هذا النهج يضمن أن المنتج النهائي يلبي المتطلبات السريرية للمريض ويحقق الأداء المطلوب. على سبيل المثال، إذا كان المنتج النهائي هو قرص مضاد للالتهابات، فإن مفهوم التصميم القائم على الجودة يساعد في ضمان أن
القرص يتمتع بخصائص مثل سرعة الذوبان المناسبة، الاستقرار الكيميائي لمدة معينة، والفعالية البيولوجية. هذا المستوى من الفهم العميق للعوامل المؤثرة على الجودة يؤدي إلى تقليل التباين في الأداء بين دفعات الإنتاج المختلفة، مما يعزز الثقة في المنتج.
يعد تحليل المخاطر أحد الركائز الأساسية في مفهوم التصميم القائم على الجودة من خلال تقييم المخاطر المرتبطة بمكونات المنتج (CMAs) وبمعايير عمليات التصنيع (CPPs)، يمكن تحديد العوامل التي قد تؤثر على جودة المنتج النهائي واتخاذ الإجراءات المناسبة لتقليل هذه المخاطر. على سبيل المثال، إذا كان حجم الجسيمات يؤثر بشكل كبير على معدل الذوبان، فإنه يعتبر خطرًا رئيسيًا يجب مراقبته. باستخدام أدوات التحكم بالمخاطر يمكن للشركات تحديد نقاط التحكم الحرجة ووضع استراتيجيات للتخفيف من المخاطر. هذا النهج الوقائي يقلل من احتمالية حدوث مشاكل أثناء الإنتاج أو بعد إطلاق المنتج في السوق، مما يساهم في تحسين رعاية المرضى.
يساهم مفهوم التصميم القائم على الجودة أيضًا في تحسين الكفاءة التشغيلية من خلال تقليل الحاجة إلى إعادة التحقق التنظيمي عند إجراء تعديلات طفيفة في العمليات. يتم ذلك من خلال إنشاء “مساحة التصميم ” (Design Space)، وهي نطاق العمليات الذي يمكن فيه ضمان تحقيق CQAs. بمجرد تحديد Design Space، يمكن للشركات إجراء تعديلات داخل هذا النطاق دون الحاجة إلى إعادة التحقق التنظيمي، مما يوفر الوقت والموارد. بالإضافة إلى ذلك، يتيح مفهوم التصميم القائم على الجودة استخدام تقنيات متقدمة مثل تصميم التجارب (Design of Experiments) لفهم العلاقة بين العوامل المختلفة، مما يؤدي إلى تحسين العمليات وزيادة الإنتاجية
يعد الالتزام التنظيمي من أهم التحديات التي تواجه الشركات الصيدلانية. ومع ذلك، فإن مفهوم التصميم القائم على الجودة يوفر إطارًا علميًا ومنهجيًا يساعد الشركات على الالتزام بالمعايير الدولية مثل ICH Q8، Q9، وQ10، بالإضافة إلى متطلبات إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ووكالة الأدوية الأوروبية من خلال تقديم بيانات واضحة ومفصلة حول كيفية تحقيق الجودة مما يمكن للشركات تبسيط عملية الموافقة التنظيمية وتقليل الوقت اللازم لإطلاق المنتجات الجديدة في السوق. هذا الامتثال ليس فقط أمرًا ضروريًا من الناحية القانونية، ولكنه أيضًا يعزز سمعة الشركة كجهة ملتزمة بأعلى معايير الجودة.
يُعتبر مفهوم التصميم القائم على الجودة أداة قوية لتعزيز الابتكار في الصناعة الدوائية. من خلال التركيز على فهم العمليات والعوامل المؤثرة على الجودة، يمكن للشركات استكشاف طرق جديدة لتحسين المنتجات الحالية أو تطوير منتجات جديدة تمامًا. على سبيل المثال، يمكن استخدام مفهوم التصميم القائم على الجودة لتطوير أشكال صيدلانية جديدة توفر مزايا إضافية مثل تحسين معدل الذوبان أو زيادة فترة الاستقرار. هذا النوع من الابتكار لا يعزز فقط تنافسية الشركة في السوق، ولكنه أيضًا يساهم في تحسين حياة المرضى من خلال توفير منتجات أكثر فعالية وأمانًا.
من خلال تقليل الحاجة إلى إعادة التحقق التنظيمي وتقليل التباين في الأداء بين التشغيلات، يساهم مفهوم التصميم القائم على الجودة في تحسين الاستدامة الاقتصادية للشركات الصيدلانية. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي تحسين العمليات إلى تقليل الهدر واستخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة، مما يعزز الاستدامة البيئية. على سبيل المثال، من خلال تحسين عمليات التصنيع، يمكن للشركات تقليل استهلاك الطاقة والمياه، وكذلك تقليل النفايات الناتجة عن العمليات غير الفعالة. هذا النهج المستدام يعكس التزام الشركات بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه البيئة.
أخيرا، يهدف مفهوم التصميم القائم على الجودة إلى تحسين ثقة العملاء والمرضى في المنتجات الدوائية. من خلال ضمان جودة المنتج النهائي وتقليل المخاطر المرتبطة به، يمكن للشركات بناء سمعة قوية كجهة موثوقة تقدم منتجات آمنة وفعالة. هذه الثقة ليست فقط مهمة من الناحية الأخلاقية، ولكنها أيضًا تلعب دورًا حاسمًا في نجاح الشركة في السوق. عندما يثق المرضى في منتج معين، فإنهم يصبحون أكثر ولاءً للعلامة التجارية والشركة المنتجة مما يؤدي إلى زيادة المبيعات وتحقيق نجاح طويل الأمد.
نمط الجودة المستهدف هو الوصف المثالي للخصائص المرغوبة للمنتج النهائي، ويُعتبر الأساس الذي يتم عليه بناء جميع الخطوات التالية في مفهوم التصميم القائم على الجودة. يحدد QTPP المتطلبات السريرية للمريض، مثل الشكل الصيدلاني (مثل الأقراص، الحقن)، التركيز الفعال، معدل إطلاق المادة الفعالة، والاستقرار الفيزيائي والكيميائي. يوفر QTPP إطارًا واضحًا لأهداف الجودة التي يجب تحقيقها ويساعد في تحديد العوامل الحرجة التي تؤثر على جودة المنتج النهائي.
إذا كان المنتج النهائي هو قرص مضاد للالتهابات، فإن QTPP سيحدد أنه يجب أن يكون سريع الذوبان، مستقرًا كيميائيًا لمدة سنتين، وفعالًا بيولوجيًا.
يتم استخدام QTPP كمرجع خلال جميع مراحل التطوير لضمان أن المنتج النهائي يلبي المتطلبات السريرية.
مواصفات الجودة الحرجة هي الخصائص الفيزيائية، الكيميائية، أو الحيوية التي يجب أن تكون ضمن نطاق معين لضمان جودة المنتج النهائي. يتم تحديد CQAs بناءً على تحليل العلاقة بين مواصفات المواد الخام (CMAs) ومعايير العمليات الصناعية (CPPs). تشمل أمثلة هذه المواصفات حجم جسيمات المادة الفعالة، الذوبانية، وجود مواد فعالة على السطح وثبات المنتج.
مواصفات الجودة الحرجة هي العوامل الرئيسية التي تؤثر على أداء المنتج النهائي ويتم مراقبتها بدقة أثناء عملية الإنتاج لضمان استيفاء المواصفات المطلوبة. يتم تحديد مواصفات الجودة الحرجة من خلال أدوات مثل تصميم التجارب (Design of Experiments) لتحليل العلاقة بين CMAs وCPPs.
يشمل تقييم المخاطر تحليل المخاطر المرتبطة بالمواد الخام (CMAs) ومعايير عمليات التصنيع (CPPs) لتحديد تأثيرها على CQAs. يتم تصنيف المخاطر بناءً على احتمالية حدوثها وتأثيرها على جودة المنتج. تستخدم هنا أدوات مثل مخطط عظم السمكة وتحلي المخاطر ونقاط التحكم الحرجة. تساعد عملية تقييم المخاطر في تحديد العوامل التي قد تؤثر على جودة المنتج واتخاذ الإجراءات المناسبة لتقليل هذه المخاطر. كما يتيح فهمًا أعمق للعلاقة بين CMAs وCPPs وتأثيرها على CQAs.مثلا إذا كان حجم الجسيمات يؤثر بشكل كبير على معدل الذوبان، فإنه يعتبر خطرًا رئيسيًا يجب مراقبته. يتم إجراء تحليل المخاطر في مرحلة مبكرة من التطوير لتجنب المشاكل المستقبلية.
شكل 2 مخطط عظم السمكة لصناعة أقراص دوائية بالكبس المباشر
نطاق التصميم هو نطاق العمليات الذي يمكن فيه ضمان تحقيق مواصفات الجودة الحرجة.
يتم تحديد نطاق التصميم من خلال تصميم التجارب، حيث يتم تحليل العلاقة بين CMAs وCPPs وتأثيرها على CQAs. يتيح تعييم نطاق التصميم إجراء تعديلات داخل نطاق العمليات دون الحاجة إلى إعادة التقديم إلى الهيئات الرقابية كما يضمن تحقيق الجودة المطلوبة بغض النظر عن التغيرات الطفيفة في العمليات.
إستراتيجية التحكم هي مجموعة من الإجراءات التي تضمن استمرارية تحقيق CQAs طوال دورة حياة المنتج. تشمل هذه الاستراتيجية مراقبة المواد الخام، التحكم في ظروف التصنيع، ومراقبة المنتج النهائي. تضمن هذه الاستراتيجية استدامة الجودة وتقليل المخاطر المرتبطة بالمنتجات الدوائية كما تتيح مراقبة دقيقة للأداء التشغيلي واتخاذ الإجراءات التصحيحية عند الحاجة. فمثلا إذا كان حجم الجسيمات يؤثر على جودة المنتج، فإن استراتيجية التحكم ستتضمن مراقبة دقيقة لهذا العامل أثناء التصنيع. ويتم وضع استراتيجية التحكم بناءً على نتائج تحليل المخاطر ونطاق التصميم.
عبارة عن عملية مستمرة لتحسين الجودة من خلال تحليل البيانات وتطبيق استراتيجيات التحسين المستمر. يتم ذلك من خلال مراقبة الأداء بشكل مستمر وإجراء التعديلات اللازمة لتحسين الجودة. تكمن أهمية التطوير المستمر في تعزز الابتكار والعمل على تحسين الكفاءة التشغيلية كما أنه يتيح استدامة الجودة طوال دورة حياة المنتج.
يتم مراقبة الأداء باستخدام التحليل الإحصائي للبيانات التي نحصل عليها أثناء صناعة وتسويق المنتج بحيث يتم إجراء التعديلات اللازمة لتحسين جودة المنتج.
مما سبق يمكن القول أن العناصر الأساسية لـمفهوم التصميم القائم على الجودة تعمل معًا بشكل متكامل لضمان جودة المنتج النهائي. من خلال تحديد QTPP، تحديد CQAs، إجراء تحليل المخاطر، إنشاء Design Space، وضع استراتيجية التحكم، وتطبيق التحسين المستمر، يمكن تحقيق منتجات دوائية أكثر أمانًا وفعالية. هذه العناصر توفر إطارًا علميًا ومنهجيًا لتطوير المنتجات الدوائية منذ مرحلة التصميم وحتى الإنتاج النهائي.
كما قلنا سابقا فنمط الجودة المستهدف عبارة عن الوصف المثالي للخصائص المرغوبة للمنتج النهائي، ويُعتبر الأساس الذي تُبنى عليه جميع مراحل التطوير اللاحقة. لتحديد نمط الجودة المستهدف نقوم بتحليل الاحتياجات السريرية ومراجعة المراجع العلمية والدراسات السابقة. فمثلا إذا كان المنتج النهائي هو قرص مسكن للألم ومضاد للالتهابات يحتوي على مادة الديكلوفيناك صوديوم، فإن نمط الجودة المستهدف سيشمل:
التركيز الفعال: 50 مجم من المادة الفعالة.
معدل الذوبان: 85% خلال 30 دقيقة.
الاستقرار: الحفاظ على الفعالية لمدة سنتين في درجة حرارة الغرفة.
مواصفات الجودة الحرجة هي الخصائص الفيزيائية، الكيميائية، أو الحيوية التي يجب أن تكون ضمن نطاق محدد لضمان جودة المنتج النهائي. ويتم تحديدها باستخدام تصميم التجارب لتحيل العلاقة بين مواصفات المواد الخام المستخدمة في المنتج مع معايير العمليات الصناعية. نقوم بعد ذلك بتحليل البيانات الإحصائية كما في المثال التالي:
للقرص الديكلوفيناك المضاد للالتهابات، تُحدد مواصفات الجودة الحرجة كالتالي:
حجم الجسيمات: 50-100 ميكرومتر (لضمان سرعة الذوبان).
الأس الهيدروجيني: 6.5–7.5 لمنع التحلل الكيميائي.
تركيز المادة الفعالة: بين 95–105% من التركيز المطلوب.
لتحليل المخاطر نستخدم عدة أدوات مثل تصنيف المخاطر بناءً على احتمالية الحدوث وتأثيرها. مثلا لقرص الديكلوفيناك فالخطر الرئيسي هو ارتفاع حجم الجسيمات عن 100 ميكرومتر. وتأثيره على تقليل معدل الذوبانية وبالتالي على امتصاص المادة الفعالة داخل الجسم وبالتالي تقليل الفعالية العلاجية والاجراء الوقائي هنا هو استخدام مطحنة دقيقة لضمان حجم جسيمات ضمن النطاق المطلوب.
لتحديد نطاق التصميم نستخدم النماذج الإحصائية المختلفة مثل الانحدار الخطي لتحديد النطاق الأمثل للعوامل المدروسة مثل متغيرات عملية الطحن على حجم الجسيمات.
كما قلنا فاستراتيجية التحكم هي مجموعة الإجراءات التي تضمن استمرارية تحقيق مواصفات الجودة الحرجة طوال دورة حياة المنتج. نستخدم هنا مراقبة حجم الجسيمات أثناء الطحن باستخدام أجهزة الليزر مثلا ونربط النتائج باختبارات الذوبانية.
بناء على البيانات المجمعة من المراحل السابقة نقوم بتحسين العمليات باستمرار عاملين على تقليل التباين وتحسين كفاءة عملية الطحن لما لها من أهمية على فعالية الدواء.
تطبيق مفهوم التصميم القائم على الجودة يتطلب فهمًا عميقًا للعلاقة بين العوامل المختلفة (CMAs/CPPs) وتأثيرها على CQAs. من خلال المراحل الست المذكورة، يمكن تطوير منتجات دوائية عالية الجودة مع تقليل المخاطر وتحسين الكفاءة.
على الرغم من الفوائد الكبيرة التي يقدمها مفهوم التصميم القائم على الجودة، إلا أن هناك تحديات تواجه تطبيقه في الصناعة:
يعتبر تطبيق مفهوم التصميم القائم على الجودة في صناعة الأدوية تحديًا معقدًا حتى في الدول المتقدمة، لكنه يصبح معضلة مُضاعفة في دول العالم الثالث مثل سوريا، التي تعاني من تبعات حرب استمرت أكثر من عقد. يعتمد هذا المفهوم على فهم عميق للعمليات الصناعية وتحديد العوامل الحرجة التي تؤثر على جودة المنتج منذ مرحلة التصميم، مما يتطلب بنية تحتية متطورة، وموارد بشرية ماهرة، وأنظمة رقابية فعّالة. وفيما يلي تحليل شامل للتحديات التي نواجهها لتطبيق هذا المفهوم في سوريا.
يعتمد مفهوم الجودة القائم على الجودة على أدوات مثل النمذجة الحاسوبية (Computer-Aided Design – CAD) وتحليل البيانات في الوقت الفعلي (Real-Time Data Analysis)، لكن سوريا تعاني من حصار اقتصادي يمنع استيراد التكنولوجيا عالية التقنية. بالإضافة إلى ذلك، تفتقر كثير من المعامل المحلية إلى أجهزة متطورة مثل مطياف الكتلة (Mass Spectrometry) أو كروماتوغرافيا السوائل عالية الأداء (HPLC)، والتي تُستخدم لضمان دقة التركيبات الدوائية.
يعتمد مفهوم الجودة القائم على الجودة على مراقبة سلاسل التوريد بدقة، بدءًا من استيراد المواد وحتى توزيع المنتج النهائي. في سوريا، تُعطل الصراعات المسلحة والعقوبات الدولية استيراد المواد الخام عالية الجودة، مما يدفع الشركات إلى الاعتماد على بدائل رديئة أو مهربة، مما يهدد سلامة المنتج.
تراجعت جودة التعليم في الجامعات السورية بسبب تدمير البنية التحتية الأكاديمية ونقص الأساتذة المتخصصين. كما أن البرامج التدريبية على مثل هذه المفاهيم الحديثة مثل شهادات منظمات مثل ICH أو FDA غير متوفرة محليًا، مما يحد من قدرة الكوادر الشابة على مواكبة المعايير الدولية.
تمنع العقوبات المفروضة على سوريا استيراد العديد من المواد الكيميائية والتقنيات المطلوبة لتطبيق مفهوم التصميم القائم على الجودة، مثل بعض المواد الفعالة أو البرامج المتخصصة في محاكاة العمليات الصناعية. هذا يدفع الشركات إلى الاعتماد على بدائل غير مُجدية، مما يزيد من مخاطر الأخطاء في التصنيع.
حتى لو حاولت شركات سورية تطبيق مفهوم التصميم القائم على الجودة، فإن غياب التوافق مع المعايير الدولية يحد من فرص تصدير منتجاتها، مما يقلل الحوافز الاقتصادية للاستثمار في الجودة.
تُهيمن على الشركات الدوائية السورية ثقافة إدارية تقليدية تعتمد على “الخبرة” بدلًا من البيانات العلمية، مما يجعل تبني منهجيات رفع الجودة (التي تعتمد على التحليل الإحصائي والتحسين المستمر) أمرًا صعبًا من الناحية الثقافية.
رغم هذه الصعوبات، فإن تطبيق مفهوم التصميم المبني على الجودة في سوريا ليس مستحيلًا، لكنه يتطلب:
دعم دولي ورفع للعقوبات لاستيراد المواد الخام والتكنولوجيا.
استثمار في التعليم والعمل على إعادة بناء الكوادر عبر برامج تدريبية عن بُعد بالتعاون مع جامعات عربية أو أجنبية.
تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتمويل مشاريع تحسين جودة الأدوية كجزء من إعادة الإعمار.
بناء أنظمة رقابية مستقلة لضمان الشفافية ومكافحة الفساد.
أخيرا فرغم أن التصميم القائم على الجودة يعد نهجًا ثوريًا في صناعة الأدوية لكن تطبيقه يتطلب استثمارات كبيرة في التكنولوجيا والتدريب وتغييرات في الثقافة التنظيمية. بالنسبة للوضع السوري يبقى تطبيق هذا المفهوم مرتبطًا بتحقيق استقرار سياسي واقتصادي، وهو أمر يتجاوز بكثير نطاق صناعة الأدوية، لكنه يظل ضرورة لإنقاذ حياة الملايين الذين يعانون من نقص في جودة الأدوية.
المراجع: